هاتفني صديق عربي يزور القاهرة هذه الايام ، وكان احد الدارسين في جامعة عين شمس خلال حقبة الستينيات ، وهو يهلل فرحا ويقول لي اخيرا وجدتها، فسألته ماذا وجدت ياسيد عبد الله ابو خاطر حتى تعتريك حالة فرح عارمة وانت تحدثني ، فاجابني انها قناة ماسبيرو زمان التي اود ان احيي صاحب فكرتها ومن اخرجها الى النور ، فوددت ان اعرف سر سعادته بالقناة التليفزيونية المصرية التي تعرض بعضا من البرامج والمسلسلات التي صاحبت بداية الارسال التليفزيوني في الستينيات واسهمت في تشكيل الوجدان العربي كله وليس المصري وحده ، وعاد صديقي للحديث عن حالة النشوة التي تملكته بعدما اكتشف مصادفة وهو يقلب بجهاز تغيير القنوات المتلفزة بعد وصوله الى مصر بايام قليلة اضطر خلالها لان يبقى في منزله التزاما بتعلميات طبيب العيون ، أن يلجأ الى التلفاز لتمضية الوقت وقطع رتابة وملل النظام الطبي الصارم المفروض عليه ، حتى وقعت عيناه على برنامج يقدم حوارا مع الكاتب العملاق عباس محمود العقاد صاحب العبقريات الشهيرة والكاتب السياسي المتميز والذي رحل عن عالمنا منتصف الستينيات ، فتابع الحوار الذي امتد وقته لنحو ساعة كاملة ، رآها مرت كلمح البصر ، بعد ان استغرق في متابعتها وعاش دقائقها منصتا للحوار المتميز الذي اجرته الاعلامية اماني راشد ، ويقول صديقي : رغم أنني من جيل عاش تلك اللحظة التي تحدث فيها العقاد ، ومن المؤكد انني شاهدت الحوار وقتها لان اهتمامات الشباب زمان كانت منصبة على احد امرين الثقافة او الرياضة - وهو كان مغرما بالاثنين معا حتى انه بات خبيرا مرموقا في لوائح الرياضة وعمل مستشارا للعديد من الهيئات الرياضية العربية بالكويت والسعودية والامارات الا انني انصت بكل مشاعري للحوار الذي أمتعني كثيرا وجدد بداخلي حنينا للثقافة لكنني توقفت بعد نهاية البرنامج.
وشردت بذهني متأملا المشهد الحالي عبر الوسائط الاعلامية العربية التي تجاوز عددها المائة نافذة فضائية على الاقل ، ووجدتني اعقد مقارنات بين ماتقدمه وما كان يقدم عبر ماسبيرو، وادركت ان المقارنة ظالمة ، ولا مجال لها ابدا، لانها ستكون بين شيئين مختلفين تماما ، وهل يقارن بين رصين متزن وقور يتعمق في الجوهر ويقدم مايسر الروح وينعش الوجدان ، وبين ايقاع صاخب واستعراض للادوات والاضاءة لابهار عين المتلقي دون منحه اي جرعة ثقافية او معرفية او حتى معلومة تدعوه للتأمل او تقدم له مثالا للرقي في الحوار حتى وان اختلفت الآراء ، بدلا من هذا الصراخ والانفلات اللفظي الذي يخترق اسماعنا ويدخل بيوتنا رغما عنا ، ولفت نظر صديقي الى ان فرحته بماسبيرو زمان وانا معه فرح بها وغيرنا كثيرون ، قد تفسر لدى البعض بأنها حنين للماضي ليس أكثر ، ودعوة للعودة الى الخلف تحبط الجيل الذي يتولى العمل الاعلامي حاليا ، فرد بتساؤل : حدثني عن قناة واحدة تهتم بكل افراد الاسرة عبر شاشاتها ، وزاد اذا كان البعض يرى ان الفرحة ببرامج ماسبيرو زمان حنين للماضي فلابأس في ذلك، لاننا وبكل صراحة نحن الى الماضي الجميل بزمنه وشخوصه وفكره وحميميته التي افتقدناها هذه الأيام ولايشعر بها ابناء الجيل الحالي، الذين ألهتم التكنولوجيا ووسائل التواصل عن صلة الارحام حتى داخل الاسرة الواحدة ، ولك ان تتخيل ان اسرة مكونة من اب وام وطفلين على الاقل يجلسون في شقة واحدة وكل منهم منصرف عن الآخر ، بالتواصل مع جهاز هاتفه الصغير الذي يجعله على تواصل مع شتى بقاع العالم من خلال تواصل افتراضي يفتقد الحميمية ودفء المشاعر.
واذا جلست الاسرة لمتابعة التلفاز لاتجدهم يتفقون على برنامج او قناة او مذيع بعينه فما يعجب الاب ليس بالضرورة يعجب الابناء ، بينما نظرة سريعة على ماتقدمه قناة ماسبيرو زمان والتي تعيد ماسبق ان قدمته للاجيال التي واكبت ظهور التليفزيون المصري ، ستجد فيها برامج تهم الاطفال كانت تقدم في صورة عمل درامي الى جانب حوار بين الاطفال يرسخ قيم المجتمع من تسامح وتراحم وتواضع وتعاون الى غيرها من القيم التي غابت عن واقعنا وتسبب غيابها في تناحرنا فكثرت الجريمة ، وبرامج ثقافية واخرى دينية ورياضية واجتماعية ودراما كلها هادفة ، حتى يمكنك ان تقول عليها مدرسة الشعب ، ولذا ليس غريبا ان تجد بعضا من الأميين الذي لم ينالوا نصيبا من التعليم لكنهم يتحدثون بلغة راقية ، اكتسبوها من مدرسة ماسبيرو، على عكس لغة شباب هذه الايام رغم تعليمهم في مدارس اجنبية ، واتفقت في النهاية انا وصديقي على ان القديم كالذهب يحتقظ ببريقه لانه غال ونفيس ، ومجتمعنا في حاجة ملحة لكل ما يعلي القيم وينعش الوجدان، فتحية لماسبيرو زمان وهي دعوة للجيل الجديد مشاهدين ومذيعين لمتابعة كنوز الاعلام المصري لنتعلم، فكثيرة هي الدروس التي تقدم للمشاهد والاعلامي ، لنكمل المشوار من حيث انتهى روادنا .
لمزيد من مقالات أشرف محمود; رابط دائم: