رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مع النسـاء فى مسيرة التحرر

احتفلنا منذ أيام قليلة باليوم العالمى للمرأة، وهى مناسبة مهمة لأنها تذكير بمسيرة طويلة من النضال قطعتها المرأة، وتنبيه بأن المسيرة لم تنته بعد. بعد انقشاع ظلمات العصور الوسطى جاء عصر التنوير ليبشر بدخول البشر فى عهد الحرية. وبدأ التنديد بالاستبداد السياسى والتسلط الدينى والتشديد على تحول الناس من رعايا إلى مواطنين يشاركون فى حكم أنفسهم ويتمتعون بجميع الحقوق الطبيعية، كالحق فى الحياة وحرية التعبير والحق فى الملكية، وتم التخلص من نظرية الحق الإلهى للملوك لتتأسس الشرعية السياسية على سيادة الشعب والعقد الاجتماعي. ولكن فى ذهن كل فلاسفة التنوير حينما يتحدثون عن تحرر الإنسان كانوا يقصدون الرجل فقط، ولم يهتموا بنصف البشرية الآخر: المرأة فلا دور لها فى إدارة المجتمع. وبعد قيام الثورات ومحاولات الإصلاح حاول الساسة والمشرعون تطبيق هذه المباديء الإنسانية الكبرى التى ترفع شعار الحرية والمشاركة السياسية للمواطنين قصروا الترشيح والانتخاب على دافعى الضرائب. وهكذا لم يعد التنوير، عند تطبيقه فى الواقع العملي، يتعلق بالرجل بوجه عام بل أصبح مقصورا على الرجل البرجوازى فقط ، أى حائز الثروة الذى يدفع ضرائب عن ثروته.

لم يكن أمام النساء من سبيل لتحرير أنفسهن سوى الانخراط فى الحركة الاشتراكية بمذاهبها المختلفة. وهى حركة كانت تهدف إلى التحرر الإنسانى الشامل، فهى تخرج عن إطار الرجل البرجوازى لتطالب بحقوق العامل والفلاح ولا تقتصر على الرجل فقط وإنما تمتد لتشمل المرأة. ورغم ما كان يكتنف هذه الحركة من مخاطر السجن والنفي، لأنها كانت حركة احتجاجية تعارض السلطات القائمة، تمكنت المرأة فى غمارها من إبراز مواهبها وقدرتها على الاستقلال. وذلك لأن هذه الحركات الاجتماعية أتاحت للمرأة ممارسة حياتها بحرية دون تسلط أو تمييز. وهناك فى الحقيقة أمثلة كثيرة، ففى فرنسا تعلمت الفتاة الفقيرة ابنة الأسرة العمالية سوزان فوالكان حتى أصبحت صحفية معروفة، ولأنها كانت عضوة فى جماعة اشتراكية هى جماعة السان سيمونيين أتباع عالم الاجتماع الفرنسى سان سيمون، الذى كان يدعو إلى المساواة والأخوة بين البشر عن طريق الصناعة ووسائل المواصلات جاءت منفية مع رفاقها إلى مصر عام 1834 ليعرضوا على حاكمها اقتراحا بثلاثة مشروعات: بناء القناطر الخيرية، وإنشاء السكك الحديدية، وحفر قناة السويس. ولأن سوزان تعودت على العمل فقد تعلمت فى مستشفى قصر العينى لتعمل قابلة «داية» للنساء المصريات. وحينما رجعت بعد ثلاث سنوات إلى فرنسا عادت من جديد إلى عملها فى الصحافة. أما الفتاة الأرستقراطية لويز ميشيل فقد تركت قصر أبويها وعملت بالصحافة وصارت شاعرة وروائية وتبنت مطالب العمال وكانت من قيادات كميونة باريس، وبعد هزيمة الكميونة تم نفيها إلى جزيرة كاليدونيا الجديدة بالقرب من أستراليا، ولكنها عادت إلى فرنسا بعد عشر سنوات لتقيم مدارس ذات رؤية طليعية فى التعليم،. ولما تم التضييق عليها رحلت إلى انجلترا وعرفت مدارسها نجاحا كبيرا. وكذلك فى ألمانيا فقد أصبحت روزا لوكسمبورج فيلسوفة وعالمة فى الاقتصاد وقيادية كبيرة فى الحزب الاشتراكى الألماني، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى صارت على رأس عصبة الاسبارتاكيين ورضى العديد من الفلاسفة والعلماء والمهندسين والأطباء والعمال الانضواء تحت قيادة هذه السيدة. أما رفيقتها كلارا زيتكن فقد سعت إلى جعل الحركة النسوية حركة دولية عن طريق عقد المؤتمرات فى عواصم متعددة، وأسست صحيفة المساواة لتكون لسان حال المرأة العاملة. وبعد الحرب العالمية الأولى أنتخبت عضوة عن الحزب الاشتراكى فى برلمان جمهورية فايمر التى استمرت فى ألمانيا حتى قدوم النازي.

وفى روسيا كانت ناديجدا كروبيسكايا واحدة من أكبر فلاسفة التربية مثلها مثل روسو وتولستوى وجون ديوي، وقد ناقشت الكثير من أفكارهم فى كتاباتها. وقبل أن تقوم الثورة البلشفية بزعامة زوجها لينين كانت قد أصدرت حولى أربعين كتابا فى التربية وأشهرها كتاب التعليم العام والديمقراطية. كما كانت الروسية ألكسندرا كولونتاى مناضلة وكاتبة مشهورة فى الحركة العمالية والنسوية على السواء وهى أول وزيرة امرأة فى العالم فى التاريخ الحديث، حيث تولت وزارة الصحة عام 1917 وكذلك كانت أول سفيرة. وأخيراً فى انجلترا كانت بياتريس ويب هى أيضا مناضلة عمالية ونسوية ولها العديد من الكتابات حول الحركة التعاونية وتاريخ النقابات ودراسات مقارنة بين أجور النساء والرجال. كل هؤلاء النساء كن فى أوج عطائهن فيما بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

لمزيد من مقالات د.انور مغيث;

رابط دائم: