رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

روسيا التى لاتستهويها الخيانة !!

ربما كانت هى المرة الأولى (والأخيرة) لذلك العملاق الروسى الشهير ميخائيل تيموفييفيتش كَلاشْنِكوف ــ صاحب أشهر بندقية آلية عرفتها البشرية والتى سميت باسمه ودرجت تسميتها بـ (الكلاشينكوف) ـــ حين تمت دعوته قبيل وفاته فى عام 2013 كضيف شرف لأكبر المعارض العالمية للسلاح بالقارة الأوروبية؛ فسأله أحد الصحفيين هناك سؤالا محددا عن سر كون بندقيته هى الأكثر صلابة بين نظيراتها على مستوى العالم إلى الدرجة التى تجعلها تتحمل الإلقاء من طابق مرتفع دون أن يطرأ عليها ثمة تغيير يذكر؟ ولقد كان رد السيد كَلاشْنِكوف مفحما للسائل حين أجابه: (السر هو أننى إن لم أتقن صنعها إلى هذا الحد لتم الإلقاء بى شخصيا من الطابق نفسه)... وذلك هو السر الكامن وراء حرفية الصناعة العسكرية الروسية.

والحقيقة أنه كما أثبتت روسيا جديتها دوما على مر تاريخها ، فإنها أثبتت ما هو أخطر وأهم ــ الوفاء للأصدقاء؛ على عكس قوى أخرى (تستهويها الخيانة) ويغريها الغدر والتآمر فى المقام الأول والأخير على أقرب الأصدقاء والحلفاء، ما إن تحين الفرصة، بل وحتى وإن لم تحن !

ويشهد تاريخ العلاقات المصرية ــ الروسية قديما وحديثا كثيرا من المواقف الإيجابية التى لا ينكرها عاقل أو حتى جاحد تجاه مصر؛ فلاننسى ذلك الدور الذى لعبه الاتحاد السوفيتى حين أعاد تسليح الجيش المصرى بالكامل عقب انهيار عام 67 (دون قيد أو شرط)؛ ولا ننسى عدد الخبراء الروس الذين تم الدفع بهم فى شتى مناحى الحياة المصرية بدءا من المناحى العسكرية و(الاستخباراتية)، ويشهد على ذلك صرح جهاز المخابرات العامة المصرية إن لم يكن تصميمه المعمارى نفسه؛ وصولا إلى المناحى الثقافية، وتشهد على ذلك أكاديمية الفنون وكل الرموز الذين تخرجوا فيها و أثروا الحياة الثقافية المصرية الحديثة بفضلهاعلى مدى عقود من الزمان وإلى الآن.

نحن إذن أمام دولة عريقة تمد يدها دوما لمصر؛ فكلما اشتدت المحن، خرج الدب الروسى عن صمته وأباح بنوع من التعاون (الشهم).

ولقد لاقت روسيا (للأسف) كثيرا من ردود الفعل غير المتوقعة فى المقابل من الجانب المصري؛ فبرغم حبى واحترامى الشديدين للرئيس الراحل محمد أنور السادات بل وإيمانى القوى برجاحة عقله وحكمته، إلا أننى أرى فى قيامه بطرد الخبراء الروس، تمهيدا للارتماء فى أحضان الأمريكيين قبيل نشوب حرب 73، ما كان من شأنه أن شكل خسرانا مبينا لمصر؛ فصحيح أن الحيلة آتت ثمارها آنذاك على صعيد خطة الخداع الاستراتيجي، إلا أن مصر فقدت بهذا القرار صديقا أثبت الزمان وفاءه؛ ولن أغوص بك كثيرا فى دهاليز التاريخ لإثبات هذا الوفاء، وإنما يكفينى أن أسلط الضوء مثلا على ذلك الموقف (الشامخ) للإدارة الروسية فى علاج الأزمة السورية الحالية؛ وكيف وقفت روسيا فى وجه المؤامرة الأمريكيةــ الغربية إلى حد القبول بالنزال العسكرى فى الساحة السورية وسط أمواج شديدة التلاطم، والارتضاء بأن ينزف أحفاد القياصرة دماءهم فوق أرض بعيدة إيمانا بعقيدة الوفاء للأصدقاء، ولا تخاطبنى أرجوك بلغة المصالح الاستراتيجية (فقط) كمحفز وحيد للتحرك الروسى تجاه سوريا كما يراه قصارو النظر، وإنما خاطبنى فى حجم مغبة وتداعيات مثل هذا التصرف النبيل الذى قلب كل الموازين؛ والذى لولاه لما تراجع شبح داعش (أمريكى الصناعة) الذى استخدم لهدم (الآثار) ومحوها عبثا بالتاريخ، وتهجيرا للناس، وتفريغا للمنطقة لمصلحة مخطط خبيث حقير ...خاطبنى فى هذه التداعيات المحتملة ولم يزل الدب الروسى خارجا وقتئذ من معترك شبه جزيرة القرم التى اضطر الروس إلى ضمها، من بعد أن امتدت ألسنة اللهب الغربية نحو أوكرانيا، متحدين بذلك الآلة العسكرية العاتية لحلف شمال الأطلسى وعقوباته الاقتصادية.. خاطبنى فى شهامة وجسارة الدب الروسى الذى لم يتراجع لوهلة أمام تحرك الأسطول الأمريكى صوب السواحل السورية فى لحظة التجلى (العنترية) من جانب الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما غير المأسوف على رحيله؛ وهو المخادع الأكبر الذى جاءنا بمحاضرته العصماء فى قلب جامعة القاهرة ليجعل عاليها سافلها، وقد كان لولا ستر من الله عز وجل.

خاطبنى فى تزويد الدب الروسى مصر بمنظومة صواريخ (إس ذ 300 بى إم) المضادة للطائرات. خاطبنى فى 46 طائرة (ميج ذ 29) ، و 48 طائرة من طراز (سو ذ 35). خاطبنى فى منظومة (أنتى ذ 2500) المضادة للصواريخ الباليستية، وفى 12 مقاتلة من طراز (سوخوي- 30 كا) من الجيل الرابع . خاطبنى فى عشرات القطع البحرية و الرادارية... خاطبنى فى مشروع بناء السد العالى فى الستينيات، ثم خاطبنى فى مشروع إنشاء محطة الضبعة (النووية) عام 2017.

..إن الدب الروسى يحتاج منا إلى مزيد من الاهتمام (المعلن الواضح) جهارا نهارا؛ فلم يعد لدينا ما نخسره أو نبكى عليه، علما بأن هذا الدب يتمتع بذكاء شديد نحتته قرون من الحضارة المتواترة المتوارثة التى جعلته يفطن متى يتم استخدامه (كورقة ضغط) مؤقتة فقط لإخافة الضباع والذئاب؟ ومتى يتم التعامل معه كصديق؟

لمزيد من مقالات أشرف عـبد المنعم;

رابط دائم: