رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

العرب وعالم ما بعد الغرب

في١٨ فبراير ٢٠١٧ وقف سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسى مخاطباً قادة العالم الغربى فى الاجتماع الثالث والخمسين لمؤتمر الأمن العالمى المنعقد فى ميونخ بالمانيا قائلاً : إنه يأمل أن القادة الذين يشعرون بتحمل المسئولية سوف يسعون لإنشاء نظام دولى عادل، وهذا النظام العادل لابد أن يكون نظام مابعد العالم الغربى .post-West world order

قالها لافروف بعد أن فعلها بوتن، نظام دولى جديد فى طور التشكل، تحمل العبء الأكبر فى هندسته روسيا والصين، ومعهما يدخل العالم بقوة إلى مرحلة مابعد الغرب، بعد أن عاش قرنين كاملين رهيناً للقوى الغربية؛ التى فرضت نفسها على شعوب الأرض بقوة السلاح وسطوة الاستعمار، وبهما نهبت الثروات؛ فأسست نهضة حضارية وعلمية وصناعية غير مسبوقة؛ جوهرها النهب والسرقة والاستيلاء على ثروات الآخرين، وإفقارهم فقراً شاملا، لا يبقى ولايذر، يسرق الموارد الطبيعية بقوة السلاح أو ترهيب السياسة، وينهب الثروات بمفاعيل الفساد والملاذات الآمنة للفاسدين، ويسرق العقول بتهجيرها وجذبها بإغراءات متعددة؛ من أهمها أن أوطانهم تدفعهم للهجرة قسراً لهيمنة عبقرية الفشل على قياداتها، واستقرار قانون الفساد فى مؤسساتها.

قبل قرنين من الزمان كان مركز العالم فى الشرق، الاقتصاد فى الصين والهند، والقوة العسكرية فى الدولة العثمانية، ومع انطلاق الثورة الصناعية وحركة الاستعمار، تحول المركز إلى الغرب الأوروبى، وبعد الحرب العالمية الثانية انتقل إلى العالم الجديد، إلى أمريكا وارثة الامبراطورية البريطانية. وكما كان الانتقال إلى عالم الغرب اقتصاديا، فإن الانتقال إلى عالم ما بعد الغرب حقيقة صنعها الاقتصاد قبل أن تقررها السياسة، ترسخت فى الواقع قبل أن تنطق بها ألسنة السياسيين.

ولكى نعرف بدقة حركة مراكز الثقل الاقتصادى فى العالم؛ فلننظر إلى الاقتصادات الأقوى عام ٢٠٥٠، سنجد أن الاقتصاد الأول فى ذلك التاريخ سيكون الاقتصاد الصينى بناتج محلى إجمالى ٥٨ تريليون دولار، يليه الهندى ٤٤ تريليون دولار، ثم أمريكا ٣٤ تريليونات دولار، فإندونيسيا ١٠ تريليونات دولار، وبعد ذلك تأتى كل من البرازيل ثم روسيا ٧ تريليونات دولار، ثم المكسيك واليابان والمانيا ٦ تريليونات دولار، وبريطانيا ٥ تريليونات دولار، وبعد ذلك تأتى تركيا وفرنسا والسعودية ونيجيريا ومصر. هذه الأرقام تقول لنا إنه من ضمن أقوى عشر دول اقتصاديا بإجمالى ١٨٣ تريليون دولار هناك ٧ دول خارج العالم الغربى بإجمالى ١٣٨ تريليون دولار، وثلاث دول فى العالم الغربى بإجمالى ٤٥ تريليون دولار. أى أن نصيب الدول الغربية لن يتجاوز ربع الاقتصادات العالمية الكبري.

هذه الحقائق بدأت تنعكس على الواقع الدولى الآن، على مستوى التحالفات الدولية، وإعادة ترتيب مناطق مختلفة من العالم، ومنها العالم العربي، وبدأت إرهاصات تنفيذها فى منطقة الشرق الأوسط، وشرق أوروبا، وشرق آسيا، وبدأت كل من روسيا والصين تتحركان بطريقة ثابتة وهادئة، ولكنها صارمة نحو تنفيذ هذا الهدف البعيد، وهو الانتقال إلى عالم مابعد الغرب، وفى ظل كل هذا يثور السؤال الخالد …أين العرب من عالم مابعد الغرب؟.

الإجابة البديهية البسيطة أن العرب سيقاتلون بكل ما أوتوا من قوة لبقاء وخلود عالم متمركز حول الغرب، وسيتعاملون مع هذه الدعوة، أو هذه الحقيقة على أنها وهم، ومجرد كلام من الصديق الروسى اللدود، وأن بقاء العالم تحت قيادة أمريكا هو الأفضل لمستقبل الأسرة الدولية عملا بالمثل الشعبى …”ظل راجل ولا ظل حيط”، أو «اللى تعرفه خير من اللى ماتعرفوش».

ولكن الحقيقة أن ما يحدث فى العالم العربى من تحولات كبرى هو ضمن العمليات المعقدة للانتقال إلى عالم ما بعد الغرب … الاندفاع العسكرى الروسى فى سوريا، ومع أوكرانيا، والتنسيق الروسى الصينى فى الأمم المتحدة هو جزء أصيل من عملية الانتقال إلى عالم مابعد الغرب، كذلك الحال فى الموقف من إيران من جميع الأطراف؛ سواء الغربية أو من روسيا والصين، ونفس الأمر ينطبق على التحركات الصينية والروسية فى إفريقيا، كلها تصب فى هذا الاتجاه، إذن العالم العربى فى قلب عملية الانتقال هذه.

وفى مقابل تلك الرؤية المستقبلية الصارمة، وما يصاحبها من تحركات واقعية نجد الدول العربية تتراوح ما بين نزاعات داحس والغبراء فى الجاهلية، وبين صراعات ملوك الطوائف عند سقوط الأندلس، ومنها من عاد إلى التوحش الطائفى المتعطش للثأر من أحفاد أحفاد من اتهموا بقتل سيدنا الحسين رضى الله عنه فى العراق وسوريا واليمن، ويقابلهم قبائل بنى أمية وأحفاد مسيلمة، وبينهما خوارج وقرامطة وزنج وحشاشون، عاد العالم العربى قرونا لاستيراد أحقاد وصراعات من الأزمنة الغابرة، والانغماس فى بحور دم كنا نظن أن تحريم الإسلام لها قد وصل الآذان واستقر فى القلوب والعقول.

ما نحتاجه اليوم هو أولا: إعطاء الأهمية الواجبة للفكر والبحث وبيوت الخبرة لنتمكن من رصد التطورات والتحولات الحادثة حولنا، ويأتى على رأس ذلك الدراسات المستقبلية فى كل المجالات والتخصصات، القادرة على تزويد صانع القرار برؤية، وسيناريوهات تعينه على أن يسلك بنا الطريق الصحيح؛ قبل أن نتوه فى صحراء التاريخ. وثانيا: الخروج من حالة الفردية المفرطة التى تسيطر على عملية صنع القرار فى العالم العربي، لقد أثبت التاريخ الحديث أن مصائب العالم العرب تعم جميع بلدانه وشعوبه، فما يصيب دولة أو شعب سينعكس سلبا بالتأكيد على جميع الجوار. لذلك لا فكاك من العمل العربى المشترك، ولا سبيل إلا التعاون، والعمل معاً بصورة تحترم الخصوصيات والاختلافات. وثالثاً: إن سياسة المناكفات العربية بين العديد من الدول ستنعكس سلباً على الجميع، ولنتذكر الموقف من نظام صدام. ورابعاً: إن المستقبل فى الشرق، فهل أعددنا العدة لذلك؟ هل لدينا خطة لبناء شراكات طويلة المدى مع الهند؟ وهل اقتنعنا بأن الهندى صار معلما لنا، وليس موضوعا للنكات؟، هل بدأنا إدخال اللغة الصينية فى مدارسنا؟ هل نفكر فى الاستفادة من نظم الإدارة وطريقة تسيير الأعمال فى شرق آسيا؟…أسئلة عديدة تثور فى الذهن فقط عندما يتوجه العقل شرقاً.

لمزيد من مقالات د. نصر محمد عارف;

رابط دائم: