رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

يريدونها فى عين العاصفة

ما يحدث الآن من قتل وإرهاب ضد المسيحيين فى مدينة العريش يعد مؤشراً خطيراً يؤكد أن مصر دخلت فى قلب دائرة الإرهاب. فى السنوات الثلاث الماضية، رغم هول كل ما حدث من جرائم إرهابية فى سيناء وفى عمق الوادي، كانت مصر على الهامش، لأن دولاً أخرى كانت على رأس أجندة المشروع السياسى الضخم الذى يتخذ الإرهاب راية وعنواناً، خاصة العراق وسوريا وليبيا، واليمن، أى «دول الطوق بالنسبة لمصر». لم تغب مصر لحظة عن العقول المدبرة لهذا المشروع، كانت هذه الدول مستهدفة فى ذاتها ولأنها الطريق إلى عمق «القلب العربي» أى مصر. والآن، وبالجرائم التى ترتكب فى العريش ضد المسيحيين لإجبارهم على النزوح خارج المدينة كخطوة أولي، فإن المشروع الحقيقى للإرهاب يكون قد وصل إلى ذروته فى مصر، وأضحت مصر هى المستهدفة لسببين أساسيين: السبب الأول، أن هذا المشروع الإرهابى ـ بعد أن نال ما نال من قدرات وتماسك تلك الدول التى كان يضرب فيها بعنف ـ فى طريقه إلى الانحسار. فتنظيم ما يسمى بـ «الدولة الإسلامية» (داعش) يحتضر الآن فى الموصل بالعراق، التى كان هذا التنظيم قد فرضها عاصمة لدولة خلافته، كما أن مصيره فى سوريا بات إلى زوال أيضاً، وكذلك وصل إلى مراحله الأخيرة فى ليبيا، ولم تبق إلا مصر. وإذا كان قادة التنظيم وأهم كوادره هم الآن فى مرحلة هروب إلى الخارج، فالخطير فى الأمر أن تكون مصر هى قبلتهم الجديدة، وأن تكون معركتهم الأهم فى مصر.

السبب الثاني، أن الإرهاب الذى كان يستهدف الجيش وقوات الأمن بالأساس طيلة السنوات الماضية، وكان بذلك يستهدف الدولة، وبالتحديد «هيبة الدولة»، فإنه الآن وابتداء من جريمة تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، وامتداداً إلى الجرائم الجديدة ضد المسيحيين فى العريش وإجبارهم على النزوح خارج سيناء تحت تهديدهم بالقتل يكون قد بدأ مرحلة استهداف الدولة والمجتمع، ويكون قد وصل إلى ذروة المواجهة مع مصر كلها، كما وصل إلى ذروة الإعلان عن نفسه. فمشروع «داعش» يقوم على أربعة مرتكزات هى: التكفير، والإرهاب الذى يتضمن القتل للأسرى والسبى للنساء، ثم الإكراه، أى إكراه غير المسلم والاعتداء على شعائره ومعتقداته، وإجباره على النزوح والهروب أو التعرض للقتل، وأخيراً فرض «دولة الخلافة».

الآن هم وصلوا بما يرتكبونه من جرائم ضد المسيحيين فى العريش إلى مرحلة الإكراه كمدخل لتفريغ المدينة وما حولها، على أمل النجاح فى فرض وإقامة نواة لدولة الخلافة. وهم بهذه الجرائم تجاوزوا مراحل الاعتداء على الجيش والأمن، أو حتى استهداف السياحة، لأنهم صعدوا المواجهة إلى الذروة، ويستهدفون إعلان مصر دولة فاشلة، أو دولة غير آمنة أو دولة اضطهاد للمسيحيين بتعمد القتل على الهوية الدينية، وهى جرائم تحمل أهدافاً ورسائل سياسية واضحة يبغون توصيلها إلى الخارج أو إلى كل من يهمهم أمر التشهير بمصر فى الخارج، استعداداً لفرض أجندات سياسية جديدة على مصر منها خيار التقسيم، الذى يجرى تعميمه على كثير من الدول العربية التى تتعرض لجرائم هذا الإرهاب.

بهذا المعنى فإن مصر فى حاجة إلى إستراتيجية مواجهة من نوع آخر مع هذا الإرهاب، خصوصاً إذا أخذنا فى الاعتبار أهمية ما تم العثور عليه أخيرا فى مركز قيادة الإرهابيين فى مغارات جبل الحلال فى عمق سيناء بعد نجاح مداهمته وتدميره من جانب الجيش وقوات الأمن فحسب معلومات يجرى تداولها على شبكات التواصل الاجتماعى فقد تم العثور على مراسلات ومستندات و«إيميلات» وأسماء وحسابات بنكية حول العالم، وموبايلات متصلة بأقمار صناعية وجى بى اس بأحدث تكنولوجيا بها شرائح SIM إسرائيلية، ووثائق ومعلومات مخابراتية وتتبع لشبكات غسيل الأموال وتهريبها إلى داخل مصر وخارجها، إضافة إلى كميات هائلة من الأموال وأسلحة متطورة جداً وأسماء لشخصيات سياسية عالية ضالعة فى الإرهاب، وضباط من مخابرات دول جوار ودول معادية لمصر، وخلايا نائمة تمدهم بالمعلومات فى قطاعات حيوية داخل مصر وخارجها.

إذا كانت هذه المعلومات صحيحة فالأمر جد خطير ويجب على الدولة أن تصارح الشعب بكل ما لديها من معلومات، وبالذات الدول وأجهزة المخابرات التى تقف خلف هذا الإرهاب إذا كنا نريد أن نحمى مصر من مشروع هذا الإرهاب، لأن المشروع هو الأهم وما يرتكب من جرائم إرهاب هى أدوات لإثارة الفزع والخوف وستار لأهداف أخرى أهم علينا أن نعرف ما هى كى نتصدى لها جميعاً، أن نعرف من معنا ومن هو عدونا، خصوصاً، أن اسم سيناء أخذ يتردد كثيراً فى الآونة الأخيرة، وله علاقة بمشروعات أخرى مشبوهة. فقد سبق للرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن اتهم أثناء حملته الرئاسية كلاً من منافسته هيلارى كلينتون ورئيسها باراك أوباما بأنهما من أسس «داعش» ومن دعمها، ولم يلتفت أحد لهذا الاتهام ولم يحقق فيه أحد، وفى لقائه الأول مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتانياهو فى البيت الأبيض (15/2/2017) يبدو أن الرئيس ترامب قد تورط فى تصريح ردا على تفاؤل نيتانياهو بالآفاق الجديدة للسلام مع العرب حيث جاء رده «نعم نسعى إلى التوصل إلى مبادرة سلام جديدة وعظيمة، ليس فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل ستتضمن الكثير من الدول العربية الأخري.. الأفكار الجديدة المتعلقة بعملية السلام تتضمن إشراك الحلفاء العرب، وستكون عملية سلام كبيرة وتتضمن قطعة أكبر من الأرض!!». يريدون أن تدخل مصر، فى عين العاصفة، لذلك فإن المواجهة الحقيقية يجب ألا تكون فقط مع الأنشطة الإرهابية ولكن مع المشروع الذى تتخفى وراءه هذه الأنشطة، ومثل هذه المواجهة ليست قطعاً مجرد مواجهة أمنية بل هى مواجهة شاملة ومجتمعية تقاتل فيها مصر جيشاً وشعباً ودولة بكل ما تملك، لأن الهدف هو حماية مصر.

لمزيد من مقالات د‏.‏ محمد السعيد إدريس;

رابط دائم: