رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أهم الكتاب «الخفيين» فى إنتاج الخطاب السياسى العربى
هيكل.. بين المسرح والكواليس

د. عماد عبد اللطيف
يشمل الخطاب السياسي كل النصوص المكتوبة والمرئية والمسموعة التي تتعلق بالحكم، وتهدف إلى الحصول على السلطة، أو إضفاء الشرعية عليها، أو مقاومتها. ويتضمن أنواعًا عديدة منها الخطب والتصريحات، والمناظرات، والمقابلات، والبرامج الانتخابية، والشعارات، واللافتات،

وغيرها. ويُنتَج الخطاب السياسي عادة بواسطة مؤسسات متنوعة؛ منها مؤسسة الرئاسة، والأحزاب، والمؤسسات التشريعية، ووسائل الإعلام، والتربية. كما تشارك في بعض المجتمعات والمؤسسات الدينية والتعليمية في إنتاجه.

......................................................................

على الرغم من أن إنتاج الخطاب السياسي هو عمل جماعي إلى حد كبير، فإن هناك قلة من الأشخاص تمارس تأثيرًا هائلاً استثنائيًا على الخطاب السياسي. ويمكن – فيما يتعلق بالخطاب السياسي في العالم العربي المعاصر – القول دون أدنى تردد إن الأستاذ محمد حسنين هيكل هو أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في إنتاج الخطاب السياسي في العالم العربي منذ خمسينيات القرن العشرين.

لقد تعددت الأدوار التي قام بها الأستاذ هيكل في الحياة العامة في العالم العربي، والعالم عمومًا. فقد أسّس مدرسة صحفية فريدة، وأحدث تأثيرات هائلة على أساليب الكتابة، وعلى دور المؤسسات الصحفية، وهيكلها، ووظيفتها، وعلى الصورة العامة للصحفي. كما لعب أدوارًا سياسية شديدة التأثير لعدة عقود، وترك تراثًا ضخمًا من الأعمال (شبه) التأريخية، التي حظيت باهتمام استثنائي مصري وعربي ودولي. وقد حظيت هذه الإسهامات بدراسات عديدة، غير أن دوره في إنتاج الخطاب السياسي العربي ما يزال بحاجة إلى إلقاء مزيد من الأضواء عليه.

يمكن أن نميّز بين نوعين من مساهمات الأستاذ هيكل في إنتاج الخطاب السياسي. الأول: أنتج فيها خطابه السياسي فوق خشبة المسرح السياسي مباشرة، وقدم تصوراته، ورؤاه، واستشرافاته، وتوصياته، ودعايته السياسية مكتوبة، ومسموعة، ومرئية، ممهورة بتوقيعه. فقد كان مقاله «بصراحة»، أشبه بدفة أجندة الاهتمامات السياسية، وبوصلتها في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. وكانت مقالاته المنشورة في داني الأرض وقاصيها في الثمانينيات والتسعينيات، مساهمات محورية في الخطاب السياسي العربي والدولي. ولا يختلف الأمر مع برامجه التليفزيونية، ومقابلاته الصحفية، في العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين، فقد كانت تُحدث تأثيرات ضخمة في الخطاب السياسي العام؛ ويمكن الإشارة على سبيل المثال إلى تأثير سلسلة حلقات «مع هيكل» التي بثتها قناة الجزيرة، وسلسلة «مصر إلى أين؟» مع قناة سي بي سي. وظلت كتبه السياسية دومًا إسهامات محورية في الخطاب السياسي العربي، بما قدمته من تصورات، ورسخته من تعبيرات، وتسميات.

وعلى الرغم من أنه تصعب الإحاطة الكاملة بالتراث الهائل الذي تركه الأستاذ هيكل فإننا يمكن أن نرصد بعض ملامح عامة لخطابه السياسي الممهور بتوقيعه.

1. محورية الماضي في فهم الراهن والمستقبل؛ إذ يتشكل خطابه دومًا من قاعدة تاريخية تفصيلية، يبني عليها لاحقًا تصوراته بشأن الراهن، واستشرافاته للمستقبل.

2. المزج بين الذاتي والغيري. فقد أتيح للأستاذ هيكل أن يكون طرفًا فاعلا في كثير من الأحداث التي ينشئ حولها خطابه السياسي. ويتسم أسلوب سرده عادة بالمزج بين عين المراقب، وعين المنخرط، بين سرد الذات، وسرد الآخرين.

3. تنوع الاقتباسات وغزارة الاستشهادات؛ وقد اتسم أسلوب الأستاذ هيكل بإحالاته إلى نصوص من الثقافة الرفيعة، لأدباء، وكتاب، وسياسيين، وفلاسفة. وكثيرًا ما اتخذ من عبارة ما مدخلا لمقال أو حلقة تليفزيونية.

4. وظيفية خطابه السياسي، فعلى الرغم من أن أي خطاب سياسي هو خطاب غرضي بطبيعته، يسعى لإنجاز وظائف محددة على أرض الواقع، فإن خطاب الأستاذ هيكل السياسي غرضي بامتياز، يتركز هدفه الأساسي حول التأثير في الواقع السياسي في لحظة التلفظ، ويفسر هذا مزجه دومًا بين التاريخي والراهن، واختياراته الدقيقة لمنافذ تداول خطابه السياسي، وتوقيت إنتاجه وتداوله. فعادة ما كانت مساهماته تخرج في أوقات مفصلية شديدة الحساسية والأهمية، على نحو ما رأينا مثلا في مقالاته عن التوريث.

النوع الثاني من الخطاب السياسي أنتجه الأستاذ هيكل من وراء كواليس المسرح السياسي. فقد عرف العصر الحديث ظاهرة مهمة تتعلق بإنتاج الخطاب السياسي، هي ظاهرة الكتاب الخفيين. وهم أشخاص أو فرق من المتخصصين في كتابة الخطاب السياسي، يقومون بصياغة النصوص والخطابات السياسية للأفراد والمؤسسات المختلفة، ويكون لهم دور كبير في صياغة التصورات الأساسية للحكم والسلطة. وربما كان الأستاذ هيكل أهم الكتاب «الخفيين/ المعروفين» في العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين. فقد شارك في إنتاج الخطاب السياسي للرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود. وكان دوره في تشكيل الخطاب القومي الناصري محوريًا على وجه التحديد. وربما كانت هناك خطب أخرى كتبها الأستاذ هيكل لسياسيين آخرين سوف يتكشف عنها الستار في السنوات المقبلة.

ربما كانت أهم سمة للخطاب السياسي للأستاذ هيكل بوصفه كاتبًا خفيًا، هي سهولة تمييز الأعمال التي كتبها للسياسيين الآخرين. فهناك مدرستان في الكتابة للرؤساء وغيرهم من السياسيين؛ المدرسة الأولى يحاول فيها كاتب الخطب أن يتماهى مع رجل السياسة الذي يكتب له، فيحاكي أسلوبه، ولغته، ويسعى للتطابق قدر الإمكان مع أفكاره، حتى أنه يصعب تخمين كاتب الخطاب، ويكون الخطاب أصدق تعبيرًا عن السياسي الذي يلقيه، وليس الكاتب الذي صاغه. أما المدرسة الأخرى، فيحتفظ فيها كاتب الخطب بأسلوبه، ولغته، ويدافع عن رؤاه، وتصوراته، ويحاول أن يدمجها مع الخطاب السياسي للرئيس أو السياسي الذي يكتب له. وقد درستُ في أحد كتبي ظاهرة التفاوض بين كاتب الخطب ورئيس الدولة حين يوجد تباين بين رؤاهما وتصوراتهما، واتخذت من تجربة الأستاذ هيكل للكتابة للرئيسين عبد الناصر والسادات نموذجًا للتحليل. ومع ذلك، فإن إسهامات الصحفي الكبير في إنتاج الخطاب السياسي تحتاج إلى أضعاف الاهتمام البحثي الذي حظيت به. فقد ترك الأستاذ هيكل تأثيرات هائلة على مسرح الخطاب السياسي العربي، سواء على خشبته أمام الجمهور مباشرة، أم في خلفية الكواليس، وتحتاج هذه التأثيرات إلى فحص أكاديمي عميق.

...................................................................أستاذ مساعد البلاغة وتحليل الخطاب بجامعة القاهرة

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق