رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
بعد الهبوط التدريجى لسعر الدولار فى السوق المصرية، عاد الرأى العام يطرح تساؤلات عن تحرك الحكومة لضبط أسعار السلع الرئيسية بعد ارتفاع الأسعار دون تدخل من الدولة فى الشهور الأخيرة. بالعودة الى تصريحات الأطراف المعنية بالأمر سواء من جانب الحكومة أو الغرف التجارية أو اتحاد الصناعات أو نواب البرلمان لا نجد نية واضحة للتدخل بوضع تسعيرة جبرية أو استرشادية للتجار، وبعضهم خاصة فى الغرف التجارية يرى أن التوجه حتى لتحديد هامش ربح للسلع الأساسية هو “موضة قديمة” كانت تصلح لسنوات الستينيات ولا يمكن تطبيقه اليوم لأن فى الماضى كانت الدولة هى مصدر انتاج السلع على خلاف الوضع الحالي. فى أكتوبر الماضي، تشكلت لجنة لتحديد هامش الربح للسلع الأساسية تضم وزراء وممثلين للغرف وجهاز حماية المنافسة والمستهلك وجهاز الأمن القومى ولم نسمع الكثير من تلك اللجنة يطمئن الملايين من المواطنين، فيما تصر الأطراف التى تمثل مصالح التجار على أن الدولة غير قادرة على تحديد الهامش المنشود بسبب زيادة معروض السلع وتنوع مصادر انتاجها، سواء محليًا أو خارجيًا مع اختلاف تكلفة الانتاج، وبالتالى نحن أمام تنوع فى نظام التسعير بما فى ذلك السلع الغذائية الأساسية. وسبق للمهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة أن قال فى تصريح قبل أربعة أشهر أن اللجنة المشكلة ستقدم “توجيها” فقط وأن الشركات لن تكون ملزمة قانونيا بالامتثال لها وأوضح أن “اللجنة ستركز على هوامش الأرباح وليس الأسعار”. ورغم الارتفاع الجنونى فى الأسعار بالنسبة للسواد الأعظم، تصر الغرف التجارية على أن النظام المقترح بتحديد هامش الربح للسلع هو عودة الى الخلف وأن المستهلك يتعامل مع تنوع فى سعر السلعة الواحدة بالفعل فى ضوء اختلاف تكلفة الانتاج وجودته وطريقة التعبئة وتفاوت تكلفة الاستيراد حسب سعر العملة الاجنبية. آخرون يقولون إن تحديد هامش الربح لن يعالج الممارسات الاحتكارية وربما يؤدى الى مزيد من التشوهات وظهور سوق موازية للسلع.. لكن أحدا لم يشرح لنا كيف يمكن أن يؤدى “تحديد هامش للربح” الى انفلات أكبر! أغلب تلك التصريحات سبق تحرير سعر الصرف وعندما حدث التحرير لم نجد من يتدخل لمصلحة المواطن وانفلت عيار الأسعار بشكل غير مسبوق. اليوم، وبعد التعديل الوزارى الأخير، يتعين أن تحدد الدولة موقفها من مسألة “تحديد هامش الربح” أو وضع “أسعار استرشادية” لبعض السلع الأساسية حتى يحسم الأمر أمام الرأى العام الذى ينتظر تحركا لصالحه. ----- قرأت تصريحا للدكتور على المصيلحى قبل توليه حقيبة التموين والتجارة الداخلية يقول فيه ان “مقترح اصدار تشريع جديد لتحديد هامش الربح منعا للغلاء غير المبرر لبعض السلع لن يجدى نفعا ولن يحل مشكلات”، ويوضح أن هناك العديد من القوانين التى تصب فى مصلحة المواطن وتحد من جشع التجار واحتكارهم للسلع. ورؤية المصيلحى تنصب فى أن الحكومة مسئولة عن ارتفاع أسعار بعض السلع وعن توفير تلك السلع وضبط أسعارها وتوفيرها بأسعار معقولة خاصة وأنها تتحكم فيما بين ٦٠ ٪ و٦٥ ٪ فى سوق السلع الأساسية ويدعو لموقف واضح ضد المحتكرين. لا أعرف كيف سيكون موقف المصيلحى الوزير فى مقابل المصيلحى النائب البرلمانى من مسألة تحديد هامش الربح وماهى الاجراءات البديلة فى تلك الحالة التى يمكن أن يتوصل فيها الى اتفاق مع نواب البرلمان. الكرة فى ملعب مجلس النواب، جزئيا، على الأقل، بعد أن قال اللواء عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك إن القانون الجديد لحماية المستهلك يتضمن بنودا تحقق مزيدا من الرقابة وضبط الأسواق ويواجه العشوائية الحالية والبند الأول يختص بحق المستهلك بالحصول على السلع الأساسية بـ “السعر التنافسى العادل” والبند الثانى يتطرق الى منع الموردين من تخزين السلع وقت الأزمات وبخاصة السلع الأساسية وتحديد هامش ربح عادل للسلع التى تتعرض لأزمات فى العرض حتى لا تتجاوز الأسعار سقفا معينا على أن يكون القرار من وزارة التموين بالتنسيق مع اتحاد الصناعات والغرف التجارية. البندان السابقان فى حال اقرارهما من جانب البرلمان يمثلان نقلة نوعية فى التعامل مع أزمات الأسعار ومجلس النواب لا يحتاج الى ضغوط شعبية لتمرير مثل تلك البنود، وإن كانت عملية تمرير القانون المقترح تحتاج الى تحصين من “ضغوط” أخري! فمنذ سنوات، نتابع تصريحات وزراء الواحد تلو الآخر يتحدث عن تحديد هامش ربح للسلع الأساسية وبعضهم تحدث بجراءة عن نسب بعينها ثم تبخرت كل تلك الوعود والفارق اليوم أن لدينا برلمانا يتعين عليه أن يكون موقفه واضحا ولا تتوه مشروعات القوانين التى تخدم المواطن فى ردهاته دون أن يحسم مصيرها! ----- تجربة الشهور الأخيرة تقول إن الأجهزة الرقابية يمكن أن تواجه الممارسات الجشعة والاحتكارية فى السوق، ولكنها لا يمكنها بمفردها أن تتصدى لارتفاعات الأسعار فى غياب التشريعات اللازمة حتى يصبح تدخلها بفائدة لمصلحة المجتمع. على الجانب الآخر، فلا يمكن ترك الأمر على حاله أو التعويل على تفاهمات مع الكيانات التى تمثل مصالح التجار والمستوردين والمصنعين لأنها ستميل بالقطع للدفاع عنهم ولا يمكن تصديق مسألة أن السوق فى حالتنا سوف تعيد تنظيم نفسها بنفسها (!) فلم يحدث أن فعلها التجار وقاموا بتحرك جماعى من أجل ضبط الأسعار رغم حديث الرئيس عبد الفتاح السيسى مرارا وتكرارا عن “المسئولية الاجتماعية” للجميع فى العبور بالبلاد فى تلك الظروف الصعبة وأيضا حتى تتحول عبارة “التصدى بحزم لجميع محاولات التلاعب بالأسعار أو الاحتكار واستغلال المواطنين” الى واقع تدعمه سلطة القانون. [email protected]لمزيد من مقالات عزت ابراهيم;