رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الخطاب الدينى ونسبية المعرفة

إن إصلاح الخطاب الدينى لابد أن ينطلق من إرساء دعائم الإيمان بأن الحقيقة بالمفهوم البشرى هى حقيقة نسبية ، وليست حقيقة مطلقة لأننا لابد أن نميز بين الدين فى ذاته ، وصور التدين كما قدمها لنا العلماء على مختلف اتجاهاتهم ومذاهبهم ، فما يقدمه العلماء هو اجتهاد أصيل لهم محكوم بظروف الزمان والمكان والبيئة والنشأة والتعليم ، ولابد أن نميز بين القرآن فى نصه وبين القرآن فى تفسيراته المختلفة والمحكومة بتوجهات المفسر ، فكان الإمام على يقول ( القرآن خط مستور بين دفتين لاينطق بما يقول وإنما ينطق عنه الرجال) والرجال هنا هم علماء الدين ، وكان يقول (ان القرآن حمال أوجه) ، أى أن له أكثر من وجه وتلك ميزة كبرى للقرآن لأنها تمنح القرآن صفة التجدد فى قابليته للقراءة المتعددة وفقا لاختلاف الأزمنة والأمكنة .

وإذا كنا نعتقد بأن الحقيقة المطلقة سواء فى اعتقادنا بالله وصورته ، أو فى اعتقادنا بمطلقية القرآن فإن تجلى هذه الحقيقة فى لغة البشر وإدراكهم ووعيهم لايتحقق الا بالوجود النسبى له ، وبهذا فقط يمكن أن نفسر اختلاف الفرق الإسلامية حول قضايا العقيدة الإسلامية ، وحول تصور الذات والصفات الإلهية ، وحول المعاد ، واعجاز القرآن ....الخ ، فهذه الفرق التى تصارعت سياسياً فى الأساس ،وحاولت تجسيد هذا الصراع على أنه صراع حول حقيقة الدين ،ولكن الخلاف بشرى انتقل من الصراع على السلطة إلى رغبة كل فرقة إلى خصخصة الدين لمصلحتها، ورغبة فى تصدير امتلاكها للحق المطلق حتى تفرض مذهبها على الجميع باسم ملكية الحقيقة ، ولذا انتهى هذا الصراع إلى ترسيخ المذهبية بين الفرق الإسلامية فى علم العقائد، وبدلا من أن يكون علم العقيدة هو العلم المخول بالدفاع عن العقيدة فى فترة ازدهار الحضارة الإسلامية صار طريقاً للمذهبية والتشتت فى عصور التدهور والانحطاط لهذه الحضارة وانتهى الأمر إلى تكفير كل فرقة للأخرى نتيجة لاعتقاد كل فرقة أن فهمها وحدها للدين هو الفهم الصحيح ،وأن فهم باقى الفرق كفر وزندقة ، وهذا مارسخ للعنف والإقصاء المتبادل بين الفرق ، وذلك نتيجة لأنهم وصموا اجتهادهم البشرى بالقداسة والإطلاق فى حين أنه مجرد فهم بشرى للدين نتج عن استيعاب البشرى للمقدس بأدوات البشرى المعرفية النسبية ، ولذا قال الإمام الجليل عبد الحليم محمود إنهم يقولون عن علم العقائد بأنه علم التوحيد وماهو من التوحيد فى شيء .

ومن ثم يبدو أن الطريق إلى تحقيق تجديد فى الخطاب الدينى هو إيمان الفقيه أو العالم بأن ما أنتجه من اجتهاد هو مجرد اجتهاد بشرى بجهده وفهمه وفقا لظروف زمانه ومكانه وحركة تقدم العلم فى عصره ، ولاينبغى أن يقدم تلك الرؤية على أنها الدين نفسه أو أنها تمثل حقيقة الدين ، ولاينبغى أن يكون طمعه فى خلق أتباع له ،أو فى السيطرة على عقول الجماهير بأن يوحى لهم أنه يتحدث باسم الدين ،أوباسم الله فى الأرض ، لم يكن فى الإسلام سلطة كهنوتية عبر تاريخه ، ولكن العلماء والفقهاء فى سعيهم نحو فرض سيطرتهم على تسيير العوام قدموا أنفسهم على أنهم أصحاب سلطة العلم والفتوى ، وأنهم فقط من امتلكوا الحق فى الحديث باسم الإسلام ، فامتدت مسوح القداسة من النص المقدس إلى النصوص التى أنتجوها حول القرآن ، ولذلك صارت لهم سلطة مقدسة على العقول ، بما قاموا به من تبرير بأن أشرف العلوم هى علوم الدين فى مدوناتهم ، وبما يحمل ضمناً حصولهم على نفس الشرف الذى لتلك العلوم فى بنية الثقافة الإسلامية ، باعتبار أن شرف العالم من شرف العلم ، وهذا ماحول بعض الفقهاء والعلماء فى تاريخ الحضارة الإسلامية إلى أقانيم لها سطوة ممتدة فى حركة التاريخ مازال آثرها ممتدا حتى الآن ، وقد ساعد على ذلك تغييب الخلف لعقولهم وزمانهم وواقعهم لصالح حاكمية السلف عليهم .

ولذا فنحن فى أمس الحاجة إلى خطاب دينى جديد يرسخ لمفهوم نسبية المعرفة ، وأن الفكر الدينى الذى يدور حول المقدس هو اجتهاد بشرى يخطئ ويصيب ، ويتغير وفقاً لتغير الزمان ، وتطور المجتمع ، فلايمكن أن نسجن تطور الاجتماع البشرى وفقاً لرؤية دينية ثابتة ومستقرة رغم تجاوز الزمن والتاريخ، وقد آن لنا أن نسير وفقاً لمقولة الشيخ أمين الخولى (هم رجال ونحن رجال نقتدى بهم ولانسير وراءهم حذو النعل بالنعل ) .


لمزيد من مقالات د.أحمد محمد سالم;

رابط دائم: