رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

عـودة إلى التنمية المحلية

تعيين وزير جديد للتنمية المحلية يفتح الباب للحديث عن حالها، وما آلت إليه رغبة فى مساعدته على فتح نقاش جاد حول سبل النهوض بها. ومن المعروف أن المجتمعات تتقدم ليس فقط بتقدم مراكزها - العاصمة والمدن الكبرى - ولكن أيضا بتقدم أطرافها أى أقاليمها المتعددة. لأن هناك مشكلات عديدة تترتب على استئثار المدن الكبرى دون غيرها بالجانب الأكبر من الخدمات مثل الهجرة من الريف إلى المدينة، اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية، شيوع البطالة فى الأقاليم نتيجة عدم وجود أنشطة اقتصادية تستوعب الفائض البشري، وهكذا. من هنا فإن التنمية المحلية هى المدخل الحقيقى لتحقيق التوازن الاقتصادي، والديمغرافي، والاجتماعى على مستوى الدولة.

تتعدد إشكاليات التنمية المحلية، أبرزها هو غياب التخطيط الجاد للأماكن الحضرية والمناطق الريفية على السواء مما يجعلها فريسة للعشوائية، وغياب القدرة على إنشاء انشطة اقتصادية، وتوصيل المرافق على نحو منظم. تجربة المدن الجديدة تكاد تكون استثناء إذا ما قورنت بالمحافظات الأخرى سواء كانت مدنا أو مناطق ريفية. ومن النتائج المترتبة على غياب الشخصية التنموية المستقلة لكل إقليم من أقاليم الدولة على حده هو عدم القدرة على ايجاد منظومة تعليمية تخص هذا الإقليم، وتوفر الخريجين الذين يحتاج إليهم النشاط الاقتصادى الخاص به، مما أدى إلى وجود فائض فى خريجى الجامعات من تخصصات ليست المجتمعات المحلية بحاجة إليها، وهو ما دفعها إلى أن تكون عنصرا ضاغطا منافسل لخريجى المدن من نفس التخصصات. هنا يبرز دور العائلات، والروابط المحلية، والمحسوبية فى تمكين أبناء المحافظات الأخرى من الحصول على فرص عمل خارج المحافظات التى ينتمون إليها. هذه إحدى الإشكاليات الأساسية التى تجعل الهجرة من الريف إلى المدينة نزيفا لا يتوقف، ويصعب التحكم فيه ما لم نوفر النشاط الاقتصادى المتنوع، المتعدد، المتسع القادر على استيعاب أبناء المجتمعات المحلية فى المحافظات التى نشأوا فيها دون حاجة منهم إلى تركها بحثا عن عمل. وهناك دول مثل الهند اهتمت منذ الاستقلال بقضية التنمية من خلال توفير معاهد للإدارة العليا تنتشر فى مختلف الأقاليم بهدف إعداد قيادات شابة لديها الخبرة قادرة على شغل الوظائف فى المؤسسات العامة والخاصة.

ومن القضايا التى تتعلق بالتنمية المحلية، وتحتاج إلى حوار جاد هى العلاقة مع منظمات المجتمع المدنى التى يفترض أن يكون لها دور مهم فى التنمية سواء من خلال تقديم خدمات، أو إدارة مشروعات، أو تطوير مبادرات مجتمعية بين المواطنين، أو تشجيع المشاركة فى مختلف الشئون المحلية، وغيرها. باتت العلاقة بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى فى الفترة الأخيرة شائكة، تدخل فيها اعتبارات الأمن والسياسة، وتسودها مشاعر الارتياب على الجانبين، وهو ما يؤثر على المشاركة المحلية من خلال استدعاء المواطنين بشكل دائم للمشاركة فى الشأن العام، واحترام الخبرات المحلية. التنمية الحقيقية يشارك فيها المواطنون أنفسهم، ويمتلكون ثمارها، ويدافعون عنها. لم تعد المشكلة فى الفقر فقط، ولكن فى التهميش أيضا، أى شعور المواطن بأنه خارج دائرة التفاعلات، والتأثير، والمشاركة. من أشهر من كتبوا فى هذا المضمار هو «روبرت تشامبرز»، المفكر والاستاذ الجامعى الشهير فى معهد دراسات التنمية فى جامعة ساسكس،حيث ظل يطالب فى كل دراساته بوضع الناس ولاسيما الفقراء أولا، وسار على هذا الدرب باحثون وخبراء اهتموا بالتنمية والمشاركة، وإعادة الاعتبار للمواطن، من خلال تتبع مساهمته على المستوى المحلي، وتجربته، وتواصله مع السياق الذى يعيش فيه، وتعميق مشاركته فيه، وسبل النهوض بأحواله من خلال تجديد العلاقات بين المواطنين أنفسهم.

الحديث عن «المواطن أولا» فى التنمية، يشكل تحديا مباشرا للنماذج «الفوقية» فى التنمية، التى تفكر فيها الحكومة نيابة عن «المواطن»، وترى أن فى تحجيم المشاركةفرصة اتخاذ قرارات سريعة ناجزة دون مساجلات أو تعقيد، وقدرة على توجيه دفة المشروعات العامة، ومعاقبة المخطئ فى نظرها، لكن الخبرة تشير إلى أن التنمية المستدامة، التراكمية المستمرة، لا تتحقق إلا إذا كان «المواطن أولا»، وهو ما يعنى أن تأتى التنمية من أسفل من خلال التفاعل مع المواطن المستفيد، صانع التغيير وصاحب المصلحة. لم تعد تجربة التنمية «إما.. أو»، لكنها مساحة من الاستيعاب، والتفاعل بين الحكومة والمواطن حيث تتأسس المعرفة بالتجربة والخبرة.

فى المجتمع المعاصر يمثل المواطن فئات اجتماعية بعضها يمتلك صوتا مرتفعا فى التعبير عن مصالحه لأنها أكثر تنظيما، أو أوفر مالا أو قربا من صانع القرار، وبعضها لا يستطيع - تحت وطأة الفقر والتهميش - التعبير عن احتياجاته، ويشعر بالغبن الدائم طالما أن صوته لا يصل إلى دوائر التأثير والسلطة. من هنا فإن التنمية ترتبط بالديمقراطية من زاوية مهمة هى التأكيد على أهمية المشاركة فى تمكين الفقراء والمهمشين من تغيير الواقع الذى يعيشونه. العبرة ليست باستدعاء الناس شكليافى لقاءات عابرة، ولكن الفيصل هو قوة المواطن، أى قدرته على تغيير مجتمعه، وشعوره بأنه يستطيع أن يفعل.


لمزيد من مقالات د. سامح فوزى ;

رابط دائم: