رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
الرهان على مؤسسة الأزهر الشريف العريقة الوطنية فكرة وموضوعًا وغاية تحت رافعة مقارعة التطرف والجمود ولمواجهة مشكلات مجتمعية حادة، يصطدم بجملة من التحديات؛ فالأزهر أولًا وأخيرًا مؤسسة علمية بشرية لا كهنوتية، بداخلها التنوع فضلًا عن خلفيات واعتبارات يفضل الغيورون عليه عدم إثارتها ، ريثما يقوم هو بتفكيكها ومعالجتها وتجاوزها بنفسه من خلال عملية اشتغال على الذات. الهدف هو ملامسة دوره المنشود في الإبداع الإنساني الفكري وتثوير العقل «لا فقط تنويره» والإسهام في النهضة الثقافية ومكافحة الأمية الدينية، وليس الهدف كما يروج أو يتخيل البعض أن يصبح -معاذ الله- أداة من أدوات الدعاية السياسية لتكريس مشروعية نظام أو حاكم، فالأزمة ليست أزمة نظام إنما أزمة أمة ومجتمع ينادي بحقه في التحرر والتقدم بما لا يتعارض مع ثوابته الدينية. أتصور إشكاليتين رئيسيتين تؤرقان علماءه الكرام بعد أن صار محملًا بمسئولياته الآنية؛ سؤال أين تقع رؤاهم المتعلقة بمتطلبات الواقع من النقاش السياسي والفكري والثقافي المستمر، وكيف يمكن للأزهر الحفاظ على رؤية إصلاحية تجديدية إزاء واقع متبدل متخم بالأزمات وفي حاجة لمواكبات تطويرية متعددة الأوجه من جهة، وهو نفسه واقع مشدود بقوة نحو الجمود والركود بفعل عوامل كثيرة ليس هذا مجال سردها. رأيي أن الأزهر ليصبح في الإطار الشامل والمأمول من عملية التجديد فليس كافيًا إدانته للتطرف والإرهاب بكل انعكاساته ونتائجه وتصوراته، أو رصد جذوره ومنطلقاته وبيئات تشكله، وقبل ذلك وبعده عرض موقف الإسلام مما يمارس باسمه من ممارسات منبوذة، إنما دور الأزهر الذي نحبه ونعظمه ونغار عليه ثوري قيادي ذاتي محوري استشرافي، من شأنه نقل المجتمع فكريًا من حالة لحالة سواء في القضايا الأمهات أو الفروع والإشكاليات الحياتية والاجتماعية. ولا أعني هنا قضية بعينها أو ملفًا بعينه، فمعظم قضايانا لأننا لم نقم بثورتنا الدينية بعد، لها وجهان وبعدان ديني ودنيوي، والمطلوب هو التحرير والفك والربط والمصالحة بين الدنيا والدين والماضي والحاضر فلا يعوق هذا ذاك ولننطلق لتتحقق النهضة الحقيقية ولتحفظ للدين قداسته وهيبته ومكانته. الغيرة وأيضًا المحبة للعلماء تستلزم منا المصارحة فالمؤسسات الدينية ومن ضمنها أيضًا الأوقاف لم تثر على نفسها ولم تنتج واقعًا جديدًا ولم تحرث تربة عصية على الجمود والتطرف، ولم يحدث اشتغال جدي على القضايا الأمهات المتوارثة، وحتى قضية «الخلافة» التي هي عمدة مناهج الجماعات المتطرفة لا يزال الموقف الديني الرسمي منها غامضًا؛ واحتفال وزارة الثقافة بخمسين سنة على رحيل الشيخ علي عبد الرازق صاحب «الإسلام وأصول الحكم» كان حريًا بالأزهر المبادرة به أو على الأقل الإسهام فيه، تصحيحًا واضحًا وشجاعًا لموقف قديم يبدو أنه لا يزال قائمًا، والأوقاف التي حصرت التطوير في الخطبة لم تغير من حال المساجد لتصبح جاذبة للشباب والنشء بعلاقات مجتمعية متواصلة بين الدعاة والجمهور وبتنويع أدوار المسجد فلا يقتصر على الوعظ المعلب بل يتحول لمؤسسة اجتماعية تنظم الرحلات وتشرف على القوافل الطبية والخدمات الاجتماعية والدورات العلمية.. الخ. لا تغريني بصفة عامة، سواء كان الأمر متعلقًا بالأزهر أو غيره من المؤسسات النخبوية ـ وليست هناك مؤسسة بشرية فوق النقد- كثرة المؤتمرات أو إظهار التوحد والكثرة في قضية ما فهذا ليس مؤشرًا على الصواب دائمًا، بل مثل هذه الظاهرة قد تعزز النرجسية بصورة تصرفنا عما ينبغي القيام به، وهو قراءة العالم وتشخيص الواقع لتسليط الأضواء على المشكلات الحقيقية وتعرية ما تنطوي عليه مشاريعنا وخطاباتنا وأزماتنا من التعمية الأيديولوجية، وإيجاد الحلول العملية لما يطرحه علينا عصرنا من قضايا لم يعرفها ماضينا، قادرة على الدفع بنا على طريق التقدم ومواكبة العصر والمساهمة في إثراء انجازاته، وتثوير الدين وتجديده ليصبح بحق مُحَررًا ومُحَرِرًا من الجمود والتقليد ومتجانسًا مع أصوله ومثاليته من ناحية ومع واقعه المعقد المناط به تقويمه وتطويره من ناحية. الإسلام أمانة عظيمة وضخامة المسئولية لكون المولى أشرك الإنسان فيها، والجزء البشرى باستخلاص مراد الله يضع الإسلام موضعه السليم كعامل وحدة وتوحيد وسلام وإسعاد ورفاه للبشر والمجتمعات والأمم، والعكس يحدث بوضعه في غير موضعه وإقحامه في صراعات ومسارات لا تتوافق معه أو تركه يجمد داخل الزمن فلا يتجدد ليواكب العصر، فينعزل عن حركة الحياة. والتجديد لإطلاق الطاقات وتحريك الركود في أي مجال ينبع من رغبة وحماسة ذاتية، ولا ينتظر توجيهًا ولا طلبًا، ومن كان راغبًا ومستعدًا حقًا ويمتلك أدوات الاجتهاد يسهل عليه ذاتيًا معالجة كل الإشكاليات الاجتماعية أو السياسية بما يضمن المحافظة على مصالح أطراف ومكونات العملية التغييرية كلها دون إخلال بمكون من مكوناتها من خلال الموازنة بين الحاجات والتحديات والمصالح والمآلات والأولويات وتكييف الواقع القائم مع النموذج المرجعي. لا جدال حول الاحتكام بالإطار المرجعي الذي يمثل الدين محور ارتكازه، لكن المعضلة تكمن في كيفية المواءمة بين مصلحة الدعوة ومصلحة الشريعة ومصلحة الواقع الموضوعي المطلوب تغييره، بمعنى أن هناك بلا شك مساحة تجمع مصلحة الدولة ومصلحة المجتمع ومصلحة الشريعة دون اعتساف أو إخلال بالثوابت أو شبهة نفاق لحاكم أو سلطة. وهذه المساحة التائهة حاليًا وجدها مفكرونا في مبدأ «المصلحة»، ذلك المستند الذي كان الصحابة يرتكزون عليه في تطبيقهم للشريعة سواء تعلق الأمر بما فيه نص أو بما ليس فيه، وهي التي عالج بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه إشكاليات كثيرة وخالف بها بعض كبار علماء الصحابة والشواهد مشهورة. هذا المنهج التطبيقي، دل على أن الشريعة كانت تنزل وفق ما يقتضيه الوضع الاجتماعي القائم ولتحقيق المصلحة، فالوحي لم ينزل على عمر، لكنه خبير في رؤيته الاجتماعية ومتحمس للإصلاح والتغيير وحريص على مصلحة الإسلام والوطن والناس معًا. لمزيد من مقالات هشام النجار;