رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
فتحت رئاسة دونالد ترامب صندوق الحياة الحزبية الأمريكية أمام جدل كبير بعد أن جاء الرئيس الأمريكى بعيدا عن البنية التقليدية للحزب الجمهورى وظهر غريبا عن تقاليده لكنه تلقى دعماً شعبياً كبيرا وواصل التقدم حتى اقتنص المنصب الرفيع وسط دهشة العالم. فى العالم الغربي، تحول المشهد السياسى فى كثير من البلدان الى معادلة صفرية. فالحزب الحاكم- لا يهم أى أيديولوجية يتبع- يطلب الولاء من أتباعه فى «المعركة» مع الجانب «الآخر». والأحزاب خارج السلطة تغذى ولاءً هستيريا من أتباعه من أجل «المعركة» ضد الأفعال الشيطانية المرفوضة على الجانب «الآخر». السيناريوهات على مستوى العالم أصبحت متشابهة، هناك حزب يدعى أنه يملك مفاتيح الأخلاق العليا ويعرف الطريق الصحيح للممارسة السياسية ويتهم الطرف الآخر بأنه يجسد الشر بعينه ويميل كلا الطرفين الى أن يقول الحقيقة عندما يتحدث عن الطرف الآخر، فيما يكذب ويكذب عندما يتحدثون عن أنفسهم وعن أفعالهم! كانت النتيجة الطبيعية هى فقدان ثقة عامة الشعب وجماهير الناخبين وظهور حركات أكثر قربا من الشارع وبعيدة عن المؤسسات التقليدية.. والأهم أنها تقتحم ساحة الانتخابات التى كانت بعيدة المنال.. وخذوا العبرة من فرنسا! هناك معركة حامية تدور فى مدينة »ليون« التى وصفتها مجلة «ذى نيشن» الأمريكية الشهيرة بأنها عاصمة انتخابات الرئاسة الفرنسية وتقول إن ثلاث حركات تقوم باعادة تعريف السياسة الفرنسية الآن بعد أن تقاربت رؤيتها من أقصى اليمين الى أقصى اليسار فى قضية اقليمية، هى العلاقة مع أوروبا، فى انتخابات ستحدد مستقبل الاتحاد الأوروبى غالباً. الأحزاب الرئيسية غارقة فى الأزمات والانقسامات بينما الشعارات «القومية» تكسب أنصارا كل يوم وتتماهى مع المطالب الشعبية بتوفير الأمن والحفاظ على الهوية وتنشيط الاقتصاد بصيغ »وطنية« وهى نفس الشعارات التى رفعها ترامب وكسب بها نصف أصوات الشعب الأمريكي. قال كاتب المجلة الأمريكية إن هناك حالة «انقطاع ظاهر» بين الأحزاب السياسية التقليدية والتجارب الفعلية للعمال الفرنسيين ورجال الأعمال فى ظل وضع اقتصادى متغير، ونقل عن واحد من المشاركين فى المؤتمرات الحزبية قوله سواء من اليسار أو اليمين.. انهم يريدون شخصا يعرف أننا لم نعد فى عام 1958، وأننا فى عالم رقمى حيث سوق العمل يمتاز بالسيولة التامة. المقصود هنا أن السياسة تتغير فى العالم المتقدم وتتجه الى أجندة جديدة تحت وطأة الأزمات المستحدثة مثل التهديدات الارهابية وحالة الاقتصاد. فى مقابلة مع مجلة «نيويوركر» الأسبوع الماضي، قال الكاتب والسياسى التشيكى فاسلاف هافيل ان المشاكل التى تواجه الجنس البشرى أعمق بكثير من المواجهة بين الاشتراكية والرأسمالية والتى كانت أيديولوجية تماما.. والنظام الغربي، على الرغم من أنه أكثر نجاحا ماديا، فإنه سحق أيضا الفرد، الأمر الذى أدى الى سريان مشاعر العجز، والذي، ـ كما أظهر انتصار ترامب ـ أن تتحول الى مادة سامة سياسيا. فى تحليل هافل، السياسة بشكل عام أصبحت أيضا «تشبه الآلة» ولا تقدم استجابات وتهين البشر من لحم ودم وتختزلهم فى مجرد احصائيات عن الناخبين.من هنا، الحركات الشعبوية تتجه للجماهير بنجاح.. والأحزاب التقليدية تضل طريقها الى الشارع! ماذا عن الحالة المصرية؟!على النقيض من أزمة الأحزاب فى الغرب بعد صعود الحركات اليمينية والتوجهات القومية المتشددة، مازالت الأحزاب المصرية «تحبو» فى بلاط السياسة ولا تملك قدرة على تقديم نفسها سواء بشكل تنظيمى معقول أو على قاعدة أيديولوجية-من أى توجه- نتيجة حالة مزمنة من فقر الفكر رغم مشاركة عدد من كبار المثقفين فى تكوين الأحزاب الجديدة بعد ثورة يناير الا أن غلبة الشكل التنظيمى الباهت على الممارسة أدت الى نتيجة مخيبة للجميع وكاشفة أيضا! على وقع الأزمات الأخيرة، لم أفهم أسباب وجود مجالس حكماء ومجالس أمناء فى أحزاب يشكلها صفوة ونخب سياسية وفكرية. فقد تحولت تلك المجالس بعد فترة من تعثر الممارسة الى دور المحاسبة الداخلية الا أنه نتيجة الالتباس فى البناء المؤسسى وعدم وجود رسالة واضحة للجماهير أو أفكار تدافع عنها تلك الأحزاب دخلت فى صدام مع القيادة الفعلية التى تقول إنها صاحبة القرار.مجلس النواب المصرى يواكب الارتباك فى ممارسات الأحزاب على الساحة السياسة العالمية على طريقته الخاصة. فهو يمثل تكتلات ولا يمثل حزب أغلبية أو ائتلاف أغلبية ولا توجد أهداف واضحة معلنة للمجموعة البرلمانية التى تمثل الأحزاب الفردية يمكن أن تخاطب بها الرأى العام، عندما تختلف مع تكتل أو ائتلاف حول مشروع قانون أو توجه ما للحكومة يثير لغطاً. تصورت أن الأحزاب التى تملك عدداً كبيرا من النواب ستكون أكثر قدرة على النضج وتقديم زخم جديد للحياة السياسية من واقع التجربة العملية الا أن تلك الأحزاب لم تنتج حتى اليوم بدائل للسياسات القائمة وأكتفت ببرامج «التوك شو» لطرح آرائها فى مشروعات القوانين وكان الأجدى بها أن تفتح مقراتها لندوات وجلسات استماع تدعو اليها الجمهور حتى نكتسب خبرات فى النقاش العام. حتى تستمر الأحزاب المصرية على قيد الحياة هناك شروط عديدة ليس من بينها الاهتمام بالشكل والتوازنات التى عفا عليها الزمن فى توزيع مناصب القيادة. فهى تحتاج الى بناء كيانات سياسية تعمل مع الدولة فى مجالات مثل تعليم الكوادر والتثقيف السياسى دون أن تثير غبارا بالتعاون مع جهات خارجية ولكن بوضع يدها فى يد المجتمع المدنى المحلي. انتخابات المجالس المحلية على الأبواب ويمكن أن تكون بداية انطلاق الأحزاب على الأرض لو أرادت أن تجعل من نفسها كيانات حقيقية.. أتمنى أن نسمع جديدا من الأحزاب قبل العد التنازلى للمحليات وأن تبتعد عن «الأكليشيهات» التقليدية التى تثير الشفقة على حال السياسة فى بلادنا. تقلبات السياسة العالمية ستؤثر على ممارسة السياسة التقليدية ومنها وظيفة الأحزاب فى أى مجتمع.فهل ننتبه الى توابع الموجة العالمية الحالية حتى لا تنقرض السياسة تماما!! [email protected]لمزيد من مقالات عزت ابراهيم;