صدر قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام منذ قرابة شهرين، ومع ذلك لم يناقش مجتمعياً بالصورة التى تفرضها أهميته ودوره الكبير فى تنظيم أو تقييد الإعلام، وقدم مجلس نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للجامعات عدداً من المرشحين للمجلس الوطنى للإعلام وهيئتى الصحافة والتليفزيون، يختار نصفهم رئيس الجمهورية. والمفارقة أن كل الأسماء المرشحة خلت من الشباب، فكلهم فوق الخمسين وبعضهم فوق سن المعاش، على الرغم من أن معظم الإعلاميين هم من الشباب.
لم يطبق قانون تنظيم هيئات الإعلام، وما زلنا فى انتظار لائحته التنفيذية وتشكيل المجالس الثلاثة، لذلك جرت ولاتزال تحولات سريعة فى خارطة الإعلام ومضامينه، حيث انطلقت مجموعة قنوات جديدة بعد طول انتظار، وبعد شائعات بشأن تمويلها وإدارتها، من الصعب مناقشتها هنا، لكن الغريب أن إدارة القناة لم تفكر فى الرد على هذه الشائعات وتكشف بوضوح ودقة عن مصادر تمويلها وعن سياستها الإعلامية ونمط إدارتها، وكذلك أسباب اعتمادها على عدد كبير من الفنانين لتقديم برامجها.
والحقيقية أن أداء المحطات الجديدة جاء حتى الآن تقليدياً، ولم يقدم جديداً باستثناء كتيبة الفنانين التى تقدم برامج ترفيهية سطحية، تبدو أقرب إلى جلسات الدردشة والنميمة بين الفنانين. ولاشك أن التوسع فى الاعتماد على الفنانين يشير إلى الاستخفاف بمهنة المذيع أو مقدم البرامج، وهو استخفاف عام بالمهنة حدث فى السنوات الأخيرة، حيث قدم عشرات النشطاء السياسيين، والمشايخ، وأساتذة الجامعات، واللاعبين، وكل من هب ودب، برامج تليفزيونية وإذاعية، ولم يمنعهم أحد. فى هذا السياق رحب الفنانون بالفكرة، فهى تضمن لهم حضورا شبه يومى أمام الجمهور، كما أن المطلوب منهم بسيط وسهل، وهو مجرد الدردشة واستهلاك الوقت. بينما احتج إعلاميون وطلبة وأساتذة كلية الإعلام على هذه المنافسة غير العادلة بينهم وبين نجوم الفن والرياضة.
وكرد فعل لظهور هذه المجموعة بدأ بشكل عملى تفعيل اندماج بعض المحطات الفضائية المصرية، وهى خطوة مهمة لضمان المنافسة والارتقاء بالخدمات التليفزيونية المقدمة للجمهور، كذلك استمر التطوير فى قناة خاصة فى النشرات الإخبارية، لكن بشكل عام يمكن القول إن المجموعات الثلاث تتنافس على تقديم برامج ترفيهية ودعم السيد الرئيس، وأعتقد أن الهدفين متعارضان بعض الشيء، فالجرعة الترفيهية هائلة، وتحتل معظم الوقت، بينما تأتى البرامج والمضامين السياسية محدودة، ولا تهدف لتكوين وعى سياسى لدى الناس، يقوم على فكرة المواطنة والمشاركة السياسية، وإنما تهدف إلى كسب الدعم والولاء، بغض النظر عما يقال، أو من يقول هذا من خبراء الشاشات أنصاف المتعلمين. فى هذا الإطار يجرى تضييق المجال العام من خلال استبعاد أى أصوات نقدية أو معارضة، سواء من بين مقدمى البرامج أو الضيوف.
رسالتى أن المبالغة فى الترفيه خطأ كبير، كما كانت المبالغة أيام الثورة فى التسييس خطيئة، ولابد من التوازن، وفتح المجال العام لنقاشات أرقى وأعمق، تتعلق بالمشكلات الحقيقية التى يعانى منها الناس، فقد يشغل الإبهار فى برامج التسلية والترفيه الجمهور لبعض الوقت، لكنه لن ينسيهم مشاكل ارتفاع الأسعار ومصروفات الدروس الخصوصية وانقطاع المياه وفاتورة الكهرباء، لذلك لابد من برامج تناقش هذه المشكلات، وتحاول البحث عن حلول، والأهم تمنح الجمهور الأمل فى المستقبل. ولابد من تقديم أخبار دقيقة ومتوازنة، وإلا سيهرب الجمهور إلى قنوات عربية وأجنبية كثيرة، بعضها معاد لمصر وللمصريين ولا يريد الخير لهم.
أخيراً فإن تحولات الإعلام المصرى جاءت على حساب دور ومكانة ماسبيرو، الذى أصبح شبيهاً بمصانع وشركات القطاع العام، تقف شامخة، لكنها تعانى من مشكلات نقص التمويل والتدريب وهرب الكوادر. وأعتقد أن هناك ضرورة لتنفيذ خطط عملية سريعة لإصلاح ماسبيرو والارتقاء به، لأنه من الظلم حرمان ماسبيرو من أشياء كثيرة، منها تجديد الاستوديوهات والارتقاء بالعناصر البشرية، بينما تتحرك القنوات الخاصة بحرية وتستثمر ببذخ، وتسرق كوادر ماسبيرو، ورغم كل هذه الإمكانات التى توافرت للقنوات الخاصة، فإنها لم تنجح فى منافسة القنوات العربية والأجنبية، أو القيام بدور إعلامى تنموى يلتزم بالمسئولية الاجتماعية.
من هنا لا بديل عن الرهان على ماسبيرو لتقديم إعلام خدمة عامة حقيقي، إعلام تنموى يعمل من أجل خدمة أبناء الوطن، وقناعتى أن ماسبيرو البشر والتاريخ والأجهزة والمبانى والخبرات الطويلة.. كلها عوامل نجاح قادرة على النهوض والانطلاق والمنافسة شرط توافر الإرادة والرؤية.
لمزيد من مقالات محمد شومان; رابط دائم: