رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
المؤكد أن الغالبية الساحقة من المصريين حين استمعت إلى خبر الهجوم على متحف اللوفر فى باريس وأن منفذه شاب مصرى الجنسية، شعروا بالحزن الممزوج بالغضب، فضلا عن الدهشة المثيرة للتساؤل عن الهدف من وراء هذا الهجوم الذى يبدو حسب وصف الشرطة الفرنسية ساذجا وبلا معنى ولا هدف له، اللهم إلا توريط اسم مصر فى عمل إرهابي، فى وقت نناضل فيه جميعا لسد فجوة الصورة السلبية التى تحيط ببلادنا لدى الإعلام الأوروبى والأمريكي. وحسب رواية الشرطة الفرنسية فإن الشاب المُهاجم حاول الاعتداء على جنود يحرسون أحد مداخل المتحف الشهير بساطور، ولكنهم عاجلوه برصاصات أصابته إصابات بالغة، وأنه كان يحمل ساطورين فى شنطته ولا توجد متفجرات، وأن الشرطة وجدت فى الشقة التى يقيم فيها بباريس إيصالات شراء هذين الساطورين وكروت ائتمان ومبلغا من المال. ثم جاءت روايات أخرى من قبل والد الشاب المصرى وهو أحد لواءات الشرطة بالمعاش، ومن قبل رئيس الجالية المصرية فى فرنسا، وكلتا الروايتين شككتا فى رواية الشرطة الفرنسية وأنكرا أن يكون هذا الشاب إرهابيا، أو أنه حاول مهاجمة الجنود الفرنسيين، وأن الأمر لم يكن سوى حوار خشن بين هؤلاء الجنود والشاب المصرى والذى لا يجيد اللغة الفرنسية، مما أدى إلى تصرف الشرطة بشكل عنيف. بالقطع من حق الوالد أن يدافع عن ابنه، وأن يهتم بوضعه الصحي، وأن يُطالب الأجهزة المصرية بالدفاع عنه ومتابعة حالته بفرنسا. لكن الجزء الذى يبدو غامضا يتعلق بما ظهر من تدوينات منسوبة للشاب المصرى وتحمل تأييدا لأفكار داعش فى مواجهة الغرب وفى خوف الغرب من قيام دولة إسلامية، وهو الأمر الذى لا يجد تفسيرا مقنعا سوى أن الشاب تأثر بالفعل بمثل هذه الأفكار الداعشية اثناء إقامته فى الغربة، فأخذ يرددها فى تغريدات مختلفة، أو أن هذا الحساب المنسوب للشاب المصرى هو حساب مفتعل ومقصود منه توريط الشاب فى عمل إرهابى بشكل أو بآخر، ومن ثم وضع مصر فى صورة البلد المُصدر للارهابيين. وما يجب ملاحظته هنا أن هذا الحساب المتضمن تغريدات مؤيدة لأفكار داعش تم حذفه أو إلغاؤه ولم يعد موجودا، وكأن هناك جهة ما وبعد أن تحقق الغرض من ربط الشاب المصرى بمقولات داعشية، أغلقت الحساب حتى لا يخضع لمزيد من التدقيق، وربما يكشف القصة الحقيقية وليست القصة المزيفة. والحقيقة أن كلا التفسيرين له حجيته وأسانيده، لذا يبقى لحسم الموضوع أن تتوافر المعلومات النزيهة والشفافة وألا يتم التسرع فى إطلاق الإحكام، ومن المهم أيضا أن تشارك أجهزة مصرية رسمية فى متابعة الحادث والتحقيق مع الشاب المصري. وإلى أن نصل إلى هذه المحطة، ونأمل ألا تتأخر، يبقى مهما الإشارة الى عدة ملاحظات، أولاها أن مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت وسيلة تتساوى فيها أبعادها الإيجابية مع أبعادها السلبية. الشق الإيجابى يتمثل فى إتاحة مجال رحب للتصرف الفردى بحرية لا قيود فيها. أما الشق السلبى فيتعلق بأن هذه المواقع أصبحت وسيلة للتنشئة بلا رقيب أو حسيب. وخطورة الأمر أنه يُغيّب تماما متابعة الأسرة لأنشطة أبنائها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن هنا يمكن للشاب أو الفتاة أن ينزلق إلى مواطن الخطر الفكرى والسلوكى. وتلك فى حد ذاتها معضلة كبري، إذ من اليسير على شباب اليوم أن ينخرطوا أكثر وأكثر فى مواقع التواصل الاجتماعى دون أن يكون للوالدين أى قدرة على مناقشة الأفكار التى قد يعتنقها الأبناء. وثمة خطر آخر إذ من اليسير أن ينشأ حساب يديره قراصنة أو مجهولون، ويظهر منسوبا لشخصية حقيقية يتم التلاعب بأقوالها. والملاحظة الثانية أن المواجهة الفكرية لتنظيمات الإرهاب ورغم الاتفاق على ضرورتها، فإنها تتعرض لحالة كساد عظيم، فمن ناحية أن المواجهة الفكرية أكبر بكثير من بيانات رسمية تصدرها مؤسسات دينية أو غير دينية تدعو إلى نبذ العنف والتطرف. ومن ناحية أخرى فإن المواجهة الفكرية تتطلب حركة تجديد مجتمعى ومؤسسى على مدى سنوات لا تقل عن عقد كامل، أما نتائج مثل تلك الحركات التجديدية فإنها تأخذ وقتا طويلا حتى تتحول إلى منظومة قيم راسخة فى وجدان المجتمع ككل. ولا يعقل هنا أن نرهن المواجهة مع تنظيمات الإرهاب بانجاز مثل هذه الحركة الفكرية التجديدية، ولا يبقى سوى التدخل القسرى للدولة ومؤسساتها لمواجهة تنظيمات الإرهاب والعنف، مع وضع ضوابط قاسية وعقوبات رادعة لمن يتورط فى مثل هذه التنظيمات الإرهابية. والملاحظة الثالثة تتعلق بدور الإعلام فى مواجهة التطرف والعنف أيا كان أسمها أو توجهها، وهو دور مهم وضروري، ومن شأنه فى حال الالتزام بقواعد المسئولية المجتمعية أن يكون فى مقدمة عملية المواجهة الشاملة، وأن يعوض كثيرا تأخر المردود المنتظر من أى حركة تجديد فكرى ديني، وأن يسهم فى ضبط تأثير مواقع التواصل الاجتماعى المناصرة للإرهابيين والجاذبة لذوى العقول البسيطة والنفوس الضعيفة. وأخيرا، فإن ظاهرة الإرهاب فكرا وسلوكا وتنظيما أصبحت بلا سقف، ففى كل يوم هناك شكل جديد فى الأداء، وفى الدعاية وفى آليات تجنيد الأنصار وفى اتقان استخدام وسائل التواصل الاجتماعى للتمدد والانتشار على مستوى العالم ككل. وهو تجدد يشكل تحديا لكل الجهات والمؤسسات المنوط بها مواجهة تلك الظاهرة وإنهاء مسيرتها قدر الإمكان. لمزيد من مقالات د. حسن أبو طالب;