رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
سؤال يتردد فى الغرب: هل انتصرت نظرية عالم السياسة صمويل هنتنجتون الخاصة بصراع الحضارات على نظرية تلميذه فرانسيس فوكوياما عن «انتصار النظام الليبرالى ونهاية التاريخ«؟ السؤال حاضر بقوة بعد وصول دونالد ترامب للسلطة فى الولايات المتحدة ودخوله فى منطقة شائكة للعلاقات بين الدين والسياسة مدفوعا برغبة فى تحقيق وعوده بتأمين الداخل الأمريكى من تسلل الإرهابيين، فى موجات المهاجرين التى تغزو العالم الغربى اليوم من شرق وجنوب المتوسط ومن القارة الإفريقية ومن حدود المكسيك فى جانب الولايات المتحدة، وفى الشق الآخر يقدم ترامب نفسه مدافعا صلبا عن الاقتصاد الأمريكى فى مواجهة العملاق الصيني. عندما كتبت عنوانا لمقابلة مع فرانسيس فوكوياما قبل 13 عاماً »نهاية مفتوحة للتاريخ!« ابتسم الرجل عندما التقيته بعدها، واليوم أعتقد ان مسار ما يجرى فى العالم ربما يجعل عالم السياسة الأمريكى يتخيل أن هنتنجتون قد انتصر عليه بالضربة القاضية، وأن ترامب نصب من الولايات المتحدة زعيمة للغرب فى حرب أيديولوجية ضد الإسلام، بينما واقع الحال يقول إن هناك درجات عديدة للصراعات الدولية تقع ما بين الأبيض والأسود ولا يمكن تصنيف كل ما يحدث على أن هناك طرفا ضد آخر لأسباب عديدة: - شروط الصراع الحضارى بين دول تقود مجموعة دينية أو عرقية وبين مجموعة أخرى من الدول هو التكافؤ فى الصراع حتى يمكن تسميته بـ «الصراع». فمازال التفوق العسكرى والاقتصادى والتأثير الثقافى فى مصلحة مجموعة الدول الغربية ومصالحهم فى العالمين العربى والإسلامى ظاهرة للعيان وعلاقاتهم مع أنظمة الحكم أقرب للتعاون من الصراع وهناك صراعات محتدمة بين الغرب ودول على خلفية مصالح اقتصادية ومنافسة على مناطق النفوذ مثل روسيا والصين أكثر تأثيرا فى النظام الدولى من غيرها. - الأقرب هو الصراع بين رؤية جديدة للقيادة الأمريكية للعالم والخوف من صعود قوى أخري، وبين تلك الدول التى ستدخل فى مواجهات مع واشنطن وعلى رأسها الصين وهو يفسر هجوم كبار مساعدى ترامب على الصين خاصة كبير المستشارين الإستراتيجيين ستيف بانون على بكين وتوقعه حرباً جديدة فى بحر الصين الجنوبي. وبالمثل هناك استقطابات ستقوم بها الإدارة بين الدول العربية فى منطقة الخليج والبحر الأحمر لتحجيم التمدد الإيرانى وهو ما يعنى أن ترامب نفسه يشكل جبهة حلفاء من الدول ذات الأغلبية السنية لتحقيق هدفين: مواجهة التنظيمات الراديكالية وطموحات الهيمنة الإيرانية. بما يعنى أن الحديث عن صدام الحضارات أو صدام الأديان مثلما تلوح بعض الصحف والمحطات التليفزيونية الليبرالية غير منطقى وغير قابل للتحقق لمجرد أن هناك رفضا لسياسات ترامب! - الجدل حول فكرة »نهاية التاريخ« قائم بالفعل بين النموذج الغربى المتراجع فى حدوده، قيم الليبرالية الاقتصادية التى اختلت فى السنوات الأخيرة بسبب تزايد الفجوات بين الأثرياء والفقراء، وبين نموذج يفرض نفسه بقوة على الساحة مثل حالة الصين التى تمثل من وجهة النظر الغربية حالة «سلطوية» تهدد أنماط الحرية وتغير فى معايير العلاقة بين الدولة والفرد ويعضد صعود روسيا فى السياسة الدولية توجه الدولة السلطوية المرفوض من فريق كبير فى المعسكر الغربي. - مساحات التضامن فى اوساط المجتمعات الغربية مع اللاجئين ومع المسلمين المهاجرين وغيرهم ينفى مسألة «صدام الأديان أو الحضارات» وقد كانت المبادرات الأخيرة من كل الاتجاهات الدينية والثقافية تعنى الكثير لمبدأ التعايش المشترك بين كل اصحاب الديانات والمعتقدات والرغبة فى وجود بوتقة تحمى الجميع دون استثناء مع وجود أصوات تدعو إلى التدقيق والتقنين لسفر أشخاص بعينهم عبر الحدود، وهو مطلب يشترك فيه كل الدول التى تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة فى إطار استراتيجيات مواجهة التنظيمات الدموية مثل داعش والقاعدة وغيرهما وليس أمرا مقصورا على ترامب وإدارته وهو ما لم يستوعبه سياسيون أو إعلاميون سواء فى الغرب أو فى مجتماعتنا: قبل أن تهاجم ترامب حاول أن تجيب عن الأسئلة الحرجة التى تعيد الطمأنينة لمن يشعرون بالتهديد من المهاجرين غير الشرعيين أو اللاجئين الذين يمكن أن يخترقهم بعض الإرهابيين مثلما حدث فى موجة النزوح الأخيرة إلى أوروبا من منطقة الشرق الأوسط. - الصدام الحالى بين دول تتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة وبين تنظيمات خارج الدولة فى الشرق الأوسط دونا عن سائر أنحاء العالم بعد انتهاء حروب الوكالة بنهاية الحرب الباردة، ولكن ظهرت تلك التنظيمات التى تتستر برداء الدين من مخلفات تلك الحرب، ولو أرادت الإدارة الأمريكية الجديدة أن تبنى سياسة جديدة فعليها كشف كل ملابسات العلاقة بين الولايات المتحدة وتنظيمات الإسلام السياسى فى السنوات الثمانين الأخيرة، وهى مهمة سوف تحسب لتلك الإدارة وتضرب من يروجون لصراع الحضارات أو الأديان فى الصميم لأن بداية العلاج للظاهرة الكارثية بأن تكون الولايات المتحدة طرفا «شفافا» فى تلك المواجهة ولا تدير صفقات جديدة فى الخفاء. رغم كل ما يكتب هنا أو هناك عن المشهد فى واشنطن أو عن العلاقات الدولية المتغيرة والمتجددة فى عهد ترامب فإن هناك غياب كثير من البدهيات والمسلمات فى طبيعة العلاقات بين الدول والشعوب اليوم وهى بالتأكيد تختلف كثيرا عما كان عليه الحال فى أثناء الحرب العالمية الأولى أو الثانية وحتى فى فترة الحرب الباردة، فالعالم أكثر انصهارا وقربا من بعضه بعضا عما كان عليه الحال قبل سنوات، ولم يعد من الممكن الجزم بانتصار فكرة على أفكار أخرى وإلا لما كنا قد قرأنا فى الأيام الأخيرة عناوين فى الصحف الغربية تمنح المهاجرين حقهم وتدافع عن الانصهار الحضارى! [email protected]لمزيد من مقالات عزت ابراهيم;