رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

قوة النيران وقوة الأفكار

بدأ حفل تنصيب ترامب وكأنه قيصر روما المعاصرة الذى يحكم العالم أجمع . وبدا خيالى يجسد معظم حكام الأرض وهم يقفون على أطراف أصابعهم والسؤال المعلق فى قلب كل منهم «ما الذى سيفعله هذا القادم من دنيا رجال الأعمال ليتحكم فى جهاز دولة كبرى تمتلك أكبر قوة نيران على ظهر الكرة الأرضية ؟ وعنده أساطيل من مراكز الأبحاث ينطبق عليها قول نساء قريتى أصحاب عقول تجعل الفسيخ شربات وردة».



خرجت من ساحة خيالى الى أرض الواقع؛ فرأيتنى وأنا أعض أصابع الرغبة فى ايقاظ حلم لم انسه ابدا ؛ حلم أهداه لنا بعد انتصار أكتوبر 1973 الراحل الجليل محمود رياض أمين الجامعة العربية الأسبق فقد طالبنا الرجل بأن نضع موضع التصديق ضرورة الايمان بأحقية عالمنا العربى فى ان يكون القوة الرابعة فى العالم بعد أمريكا وروسيا وأوروبا مجتمعة ، لنشارك فى صنع عالم مختلف ، ونحمى أنفسنا من اية أخطار قادمة؛ كان الرجل قد طلب عقد قمة عربية تناقش » ماذا يمكن ان تفعل أمة العرب بعد أن قال زايد بن سلطان آل نهيان الدم العربى أغلى علينا من بترول العرب»، وكان ذلك تأكيدا لما طبقه فيصل بن عبد العزيز عمليا عندما قطع البترول عمن يساعد اسرائيل فى قتالها ضد مصر وسوريا ، وهو من رفض اقتراح كيسنجر بتأسيس صندوق للمال الخليجى وألا يتم الصرف منه الا بموافقة مجموعة من الدول الكبري، فرفض فيصل قائلا «مصحفنا يقول : لاتؤتوا السفهاء أموالكم» ونحن لسنا سفهاء ليفرض علينا غيرنا أسلوب صرف أموالنا » . وفهم كيسنجر أن عرضه مرفوض .. ولم يمهلنا القدر كثيرا فتاهت فكرة محمود رياض، ثم جرى اغتيال فيصل بن عبد العزيز ، وبدت الأمة العربية فى ارتباك يسرى بجراثيم الفرقة ، فرأينا صدام حسين يجسد نفسه كبديل لعبد الناصر ، وراح معمر القذافى ينافسه على لقب «زعيم الأمة العربية» ، ومضى كل منهما يردد «امة عربية واحدة .. ذات رسالة خالدة» وشاركهما حافظ الأسد فى لعبة الخناقة على لقب الزعامة ، وبقيت مصر خارج تلك اللعبة لأنها استوعبت عجز فهم أشقائها لما سبق وقدمته لهم من أفكار مجسدة بسلوك وخطوات 23 يوليو ، ولم يستوعب بعض العرب رحلة مصر بقيادة عبد الناصر وكيف أخرجت ثلاث قارات من أنياب الاستنزاف ، فتحررت معظم بلدان آسيا وإفريقيا وجزء حار ومهم من أمريكا الجنوبية. وغرق العديد من أهل القمة فى بلدان العرب فى الاستمتاع بما حققه النصر المصرى لأمة العرب . وبدت الذاكرة العربية فى نسيان محاولات أقطاب الاستعمار القديم فى محاصرة مصر ؛ سواء فى حياة عبد الناصر وعدم الاستجابة لنداءاته بالقومية العربية أو ما جرى بعد رحيله؛ فهذه القومية العربية هى التى خرج فيها مقاتلون مصريون لينقلوا اليمن من القرون الوسطى الى القرن العشرين ؛ وفى ظلال تلك الدعوة تآمر بعض من العرب ضد عروبتهم ونجحوا فى فك الوحدة العربية بين مصر وسوريا . وشهدت العروبة سنوات من التآمر المتبادل ، فجاءت هزيمة يونيو التى لحقت بثلاث دول عربية هى مصر وسوريا والأردن ، وارتفع العلم الصهيونى على ضفة قناة السويس وفوق هضبة الجولان ، وعلى أعلى سارية فى القدس؛ وصار لزاما على مصر تحت قيادة عبد الناصر أن تعمل على اعادة تحرير الأرض؛ ولن أنسى شهادة صديق كان يعمل ضابط اتصال بين الصليب الأحمر وبين الخارجية المصرية، وهو العميد عدلى شريف وكانت دموعه تتساقط يوم ابلغنى باستشهاد العقل المتفوق عبد المنعم رياض، ومن خلال صداقته معى كان يحمل لى بعضا من لمحات حرب الاستنزاف ؛ وكيف كان المقاتل المصرى يلقن اسرائيل وحلفاءها الدروس تلو الدروس , وعندما توقفت حرب الاستنزاف قليلا ليتم نقل قدرات الدفاع الجوى استعدادا لحرب أكتوبر ، كانت رعونة بعض فصائل فلسطينية تعايرنا بتوقف القتال المؤقت ؛ وراح بعضها يقاتل بعضا عربيا آخر ؛ فرأينا معارك محتدمة فى الأردن، وصراخا على صحف لبنان ، لكن المقاتل المصرى لم يتوقف عن استكشاف طريقه الى نصر أكتوبر المحتوم . ومازالت الذاكرة تحمل شجن وعطر تلك الأيام ، وعلى الرغم من كثرة ما كتب عن حرب اكتوبر فإن حكاياتها على ألسنة مقاتليها لم تكتب كاملة .

وعندما تحقق نصر أكتوبر 1973 جاءت دعوة محمود رياض بدراسة كيفية تحويل القوة العربية لتحتل الموقع الرابع من قوى الكون ؛ ولم يلتفت القادة الى ما كانت عقول الخصوم تدرسه بحثا عن ثغرات فى الواقع العربي؛ ولم نبخل نحن العرب على الخصوم بثغرات فاقت خيال الخصوم ، ولعل أهمها هو نسيان الهدف الأساسى الذى حدده محمود رياض امين جامعة الدول العربية فى ذاك الزمان . وهو لمن لا يعرف او لا يتذكر كان من ضباط الجيش المصرى وكان من اوائل من فاوضوا الاسرائيليين فى رودس بعد نهاية حرب 1948 أى أنه واحد ممن استوعبوا رحلة المواجهة لا مع اسرائيل فقط ، ولكن مع من يقفون وراء اسرائيل. وكان الرجل يحلم بأن نستثمر المال العربى على أرض العرب من المحيط الى الخليج؛ فصراعنا مع اسرائيل ان أخذ بعد التنافس على التنمية ؛ فلابد من ان ينتصر العرب .

راح زمن محمود رياض لكن حلمه ما زال يبرق فى رأس من عرفوا الرجل ؛ ولابد ان يطل حلمه فى أيامنا تلك ؛ حيث إن مواجهة حالية تحدث ؛ وظلال اقتراب معركتين تطل علينا خلال الأيام المقبلة ، معركتان هما من ناتج تفتت رؤيتنا لأنفسنا ، المعركة الأولى هى اقتراب نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب الى القدس ، وسنجد طبعا من يثرثر فى عالمنا العربى ليتبادل اتهامات مع أشقائه العرب خصوصا ممن ينتظرون مثلى اعتبار تنظيم الأخوان المسلمين تنظيما ارهابيا؛ فقوة محاربة الولايات المتحدة للتنظيمات الارهابية تتطلب منا قبولا وحسن فهم ؛ وفى الوقت نفسه ماذا سوف يفعل بعض من قادة العرب عندما تفرض عليهم الولايات المتحدة أثمانا باهظة نتيجة وجود قواعد أمريكية بدعوى حماية تلك الأقطار من خصومها وخصوصا تلك الخصومة بين ملالى ايران وأنظمة الخليج ؟

ولعل ما أتمنى الحذر منه فى أيامنا تلك بعد تولى دونالد ترامب هو تخلف التقاتل بين من بقى من قوة الامة العربية ؛ فى ساحات القتال الاعلامية العربية والخصومات السياسية ؛وفى الوقت نفسه نسيان وتجاهل ما يمكن ان تمتصه الولايات المتحدة من مدخرات العرب مقابل حماية بعض من دولنا من أنياب ايران أو داعش او القاعدة ؟

والسؤال البسيط والقاسى الذى يدور فى رأسى ألا يستطيع أحمد أبو الغيط أمين جامعة الدول العربية الحالى أن يصل ما انقطع بحكم الزمن بيننا وبين افكار محمود رياض أمين الجامعة ابان حرب اكتوبر وما بعدها ؟ والوصل لما انقطع هو ايقاظ لقوة الأفكار فى مواجهة قوة النيران التى يمكن ان تنفتح علينا لا من خصوم امتنا فقط ، ولكن من نيران نفتحها بأيدينا عبر مدفعية التنافر الحالى .

لمزيد من مقالات منير عامر

رابط دائم: