رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

فرصة لم ننتهزها!

كنت أود أن أعبر فى هذه المقالة عما عنّ لى من خواطر وأفكار بعد أن قرأت النص الكامل للحكم التاريخى الذى أصدرته المحكمة الإدارية العليا فى قضية تيران وصنافير،

فقد جمع هذا الحكم بين الثقافة القانونية الراسخة، والثقافة الوطنية والإنسانية التى تطرق فيها لشخصية مصر ومكانها فى العالم وتاريخها، وللفكر السياسى ونظرياته القديمة والحديثة، فضلا عن لغته المشرقة الحية، ومنطقه الواضح المستقيم، لكنى رأيت أن معرض القاهرة الدولى للكتاب على الأبواب، والمعرض يذكرنا بحال الثقافة المصرية المعرضة هى الأخرى لما تعرضت له الجزر المصرية، والمحتاجة مثلها لأيد تمتد لإنقاذها بعد أن بلغ السيل الزبى وتجاوز الخطر حد التهديد من بعيد، وأصبح داء مقيما، وتراجعا شاملا نراه فى الإنتاج الأدبي، والإنتاج الفني، فى تعاملنا مع الأجيال الجديدة، وتعاملنا مع تراثنا القديم، فى لغة الحديث، ولغة الكتابة، فى مستوى التعليم، ومستوى الإعلام بل نحن ننظر حولنا فنرى أن الثقافة السائدة الآن حتى فى أوساط المتعلمين، هى الثقافة المضادة التى حلت محل ثقافة النهضة فى التفكير، وفى التعبير، وفى العمل، وفى السلوك.

الثقافة الطائفية استعادت سطوتها التى كانت لها فى عصور الظلام، وحلت محل الثقافة الوطنية التى عرفناها فى نهضتنا الحديثة، فتاوى السلفيين تتطاير كما تتطاير الخفافيش على رءوس النساء، ورءوس المسيحيين المصريين، وميكروفونات الجمعة تزلزل الأرض بما تشيع من تعصب ذميم، وتثير من كراهية، والمعاهد الأزهرية، والمدارس الأجنبية تحاصر المدرسة الوطنية المصرية، وتغزوها فى عقر دارها.

وهكذا تراجعت الثقافة المصرية وتجاوزت فى التراجع حدود القرن التاسع عشر، وعادت القهقرى إلى حيث كانت فى العصور المظلمة التى اطلعت ابن عبدالوهاب وابن تيمية وأمثالهما، وحين يصل التراجع إلى هذا الحد لا يكون الخطر الذى نواجهه محصورا فى الثقافة، بل يتجاوزها ليهدد وجودنا الوطنى كله، والا ففى ظل هذ التراجع الشامل، وتحت وطأته كيف يكون وعى وطني؟ وكيف يكون إنتاج حديث؟ كيف يكون نظام ديمقراطي؟ وكيف تكون حياة داخل بلادنا ومع غيرنا من شعوب العالم التى تعيش فى القرن الحادى والعشرين، ونعيش نحن فى تلك القرون التى يأخذنا لها السلفيون، لا لنتفرج على ما كان فيها، كما نفعل فى المسرح، ثم نعود إلى عصرنا، بل لنبقى هناك نفكر بعقليتها، ونتكلم بلغتها، ونتزيى بأزيائها.

باختصار.. الثقافة المصرية تواجه الآن أخطارا ماحقة، تهدد وجودنا كله، وإذن فالحديث عنها الآن ليس مجرد حديث فى الشعر والنثر، وإنما هو حديث فى الوجود والعدم، والسؤال الآن إذن، ومعرض القاهرة الدولى للكتاب يبدأ نشاطه غدا: أين هذا المعرض من هذه الأخطار التى نواجهها؟

أعلم بالطبع، كما يعلم الجميع، أن هذه الأخطار التى نواجهها فى الثقافة، وفى حياتنا كلها، نتاج حتمى لحماقات تواصلت، ومفاسد تراكمت، وحكومات مستبدة عشنا فى ظلها طوال العقود الماضية، وأنا إذن لا أتهم أشخاصا بالذات، وإنما أتهم سياسات أوصلتنا إلى ما نحن فيه، وأصبح من واجبنا اليوم قبل الغد، أن نراجع ما حدث، وأن نصحح ما وقعنا فيه من أخطاء، فماذا فعلنا لنؤدى هذا الواجب الثقافى والوطني؟

هل سننتهز هذه الفرصة التى يخرج فيها المصريون من عناء أيامهم ساعات، ويلتفتون فيها للثقافة، ويتوافدون فيها على المعرض، ويسألون عن الكتب، ويحضرون الندوات الفكرية، والأمسيات الشعرية، هل سننتهز هذه الفرصة الذهبية لنطرح القضية عليهم، ونتحاور حولها، ونرسم معهم طريق الخروج مما نحن فيه؟

وما هو البرنامج الذى أعددناه للمعرض وحسبنا فيه لهذه القضية حسابها؟

نحن لا نملك أبسط الأدوات أو المعلومات التى تمكننا من القيام بمراجعة أنفسنا.. لا نملك إحصاءات عمن يقرأون الكتب والمجلات، ويشاهدون الأفلام والمسرحيات، بل نحن لا نعرف شيئا عن النظم والشروط التى تتبعها مؤسساتنا الثقافية فى ممارسة أى نشاط، أو أى عمل تقوم به.

الكتب تصدر ولا نعرف إن كان صدورها مبنيا على خطة تحدد ما نحتاج إليه فى كل مجال من مجالات المعرفة، وتضع الشروط التى لابد أن تتوافر فى العمل المقدم، وفى صاحبه، وهل توجد لجان للقراءة نعرف أعضاءها، ونثق فى قدرتهم على التمييز والتفضيل؟

أنا لا أستطيع فى الجواب على هذه الأسئلة، أن أرجع لوثائق مكتوبة، أو خطط وشروط معلنة، لأن العمل فى المؤسسات الثقافية كما هو فى معظم مؤسساتنا يتم بما يعبر عنه المسئول من رغبات، وبما يمليه من أوامر، فإذا كان لى مع هذا أن أجد إجابة أطمئن لها، فهى فى برامج المعرض الذى يحمد لمن أعدوا له اختيارهم صلاح عبدالصبور لتقام باسمه هذه الدورة، فصلاح عبدالصبور الذى أدى فى حركة تجديد الشعر دورا مشهودا يستحق هذا التكريم، خاصة وقد انتصرت حركة تجديد الشعر، وأصبحت القصيدة الجديدة تراثا قوميا، لكن برنامج المعرض لم يظهر بعد لنعرف ماسوف يقدم فيه من صور التكريم والاحتفال.

هل هناك دراسات جديدة سوف تصدر عن قصائد صلاح أو عن مسرحياته؟ هل سيقدم المعرض لجمهوره عرضا لإحدى هذه المسرحيات؟ وهل يتضمن البرنامج ندوة حول حركة التجديد الشعرية وما حققته حتى الآن؟

سمعت أن مسرحيات صلاح ستصدر فى طبعة جديدة، وأن أعماله ستناقش فى عدة ندوات لم يخطرنى بها أحد، وهو مالم أستطع تفسيره الا بأنه تصرف صبيانى، خاصة والجميع يعرفون أن الحديث عما قدمه صلاح يستدعى الحديث عما قدمه سواه من رواد التجديد ابتداء من أحمد زكى أبو شادى، وخليل شيبوب، ولويس عوض حتى الشرقاوى، وصلاح، وكاتب هذه السطور.

كل ماوصلنى من هيئة الكتاب دعوة بالتليفون وجهها لى شاب لا أعرفه طالبا مشاركتى فى أمسية ضمت أحد عشر مشاركا. وهو تصرف صبيانى آخر يضاف لسابقه.

وقد اعتذرت عن عدم المشاركة. لأنى لم ألمس فيما رأيته شعورا بالمسئولية، أو إدراكا للأخطار التى تهدد ثقافتنا ووطننا، أو جهدا مبذولا فى مواجهتها والتغلب عليها.

لمزيد من مقالات أحمد عبدالمعطى حجازى

رابط دائم: