رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

كونوا رجالا

بينما أنت فى خضم بحر الشكوى تتقاذفك أمواج التذمر لتلقى بك على شطآن اليأس، أينما وليت وجهك وجدت الصارخين من لهيب الأسعار، والمطحونين فى طريقها للصعود، تذكر هذه الكلمات جيدا .. ما هذا الضيق إلا حصاد ما فعلت.. ولا مُخرِج لك منه بعد الله إلاك.



أما حصاد ما فعلت فهو أن الثورة هزت أركان العالم، فقلبت أنظمة، وأسقطت كيانات عملاقة، وانقلبت لصراعات مسلحة، وصرفت الميزانيات للحروب والتسليح، وخفضت أسعار النفط، ومعها حركة التجارة، وانهارت بأسواق المال، وعطلت تدفق الأعمال، وأخرجت الإرهاب من مكامنه، وأوقفت السياحة، وصدرت للغرب أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، وأخطر تنظيم إرهابى فى التاريخ الحديث، ودفعت بريطانيا للانفصال عن أوروبا، وأوصدت أبواب قلاع الديمقراطية الغربية العتيدة بالخوف من الآخر، ورفض العرب والمسلمين، وقادت العالم لمزيد من الانغلاق والتشدد.. هل تدرك حقيقة ما فعلت؟

سيملأون رأسك كثيرا بأن البرازيل خاضت ثورات متعاقبة وصولا للاستقرار السياسي، لكن قليلين سيخبرونك بأن نهضة البرازيل الاقتصادية، ذات الـ20 مليون نسمة أو ما يزيد، لم تتحقق إلا بعد نحو 10 سنوات كاملة، من الكد والعمل والصبر والجلد، حتى تحولت من دولة مدينة لصندوق النقد الدولى إلى دولة مقرضة له. أم حسبت يارفيقى أن الثورة هى تغيير نظام بنظام؟ تنهمر بعده الأموال وينصلح الحال؟ أم هو الفساد لا يزال متغلغلا فينا حتى النخاع لا تغيره أنظمة؟ أم هو الضمير صار سلعة نادرة مخفية لا يستطيع معها حاكم أن يضع شرطيا على ناصية كل مصنع وأمام باب كل دكان؟

هل تعلم أن مصر فى ذيل دول العالم فى مؤشر »العطاء«.. ذلك الذى يقيس مشاركة رجال الأعمال فى التبرع للخير .. نحتل فيه المرتبة الـ 122 بين 145 دولة؟

رجال الأعمال مدعوون اليوم أكثر من أى فترة مضت لمد أيديهم التى طالما أخذوا بها، استثمروا اليوم قبل الغد وتوسعوا ولا تخشوا المخاطرة، افتحوا أبواب الرزق لمزيد من شباب العاطلين، فخلف كل منهم أسرة وأمام كل منهم مستقبل، كافئوا المجدين وراعوا ظروف المعسرين، ارفعوا رواتبهم وامنحوهم الأمان بعقود العمل، لا تلقوا على ظهورهم بخطايا السنين الماضية ولاتشتروا أثمن ما ملكوا بأرخص ما تملكون، تكفلوا بهم واسمعوا لهم وانفتحوا على أفكارهم، اجعلوهم شركاء فى المكاسب، فلطالما حملتموهم الخسارة، ثقوا بهم فما كانت ثرواتكم لولا جهدهم.

مشاهير مواقع التواصل الاجتماعى ورجال الإعلام الذين امتهنوا النقد نيابة عن الفقراء من أجل أن يشاهدهم الفقراء فيزدادون شهرة ونفوذا، الفقراء بحاجة لبدائلكم وحلولكم ومقترحاتكم، فهم أدرى منكم بالعويل وأقدر منكم على السب واللعن والمعارضة، افتحوا أمامهم أبواب الأمل، اخرجوا إليهم والتقوا بهم ومدوا حبال الخير لإنقاذهم بالدعم والمساعدة وحملات التكافل.

كان آخر عهدنا بمن غنوا لدعم مصر فى أزماتها الاقتصادية أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ ونجاة، أما الآن فأجور معظم الممثلين الخرافية لا تخرج من أرصدتهم البنكية إلا لترفهم، وعوائد حفلات غالبية المطربين الغنائية لا نعرف عنها سوى أرقامها الفلكية، أين الحفلات الخيرية من أجل المشروعات والمرضى والفقراء والغارمين؟ أين مساهماتكم المعلنة لتحل محل أنباء تهربكم من الضرائب؟ وإن لم تمدوا أيديكم لوطنكم وجمهوركم الذى صنعكم الآن.. فمتى تفعلون؟

الأعوام التى عصفت بنا كشفت حقيقة مؤلمة، أن الوطن لا يتغير إلا بضريبة ندفعها جميعا، بأن نخلع عن أنفسنا كثيرا من المظاهر والعادات التى أرهقتنا وأثقلت كاهلنا بالأعباء، بأن نتجلد ونخشوشن ونتقشف، بأن نتخفف قليلا من الهواتف الأحدث والسيارات الأغلى ومتطلبات الزواج الزائدة، بأن نحلم على قدر إمكاناتنا فلا نيأس، بألا يعمينا طموحنا عن واقعنا فنضل الطريق، بأن نمد أرجلنا على قدر أغطيتنا فلا نشكو البرد، بأن نشترى قدر حاجتنا فلا يطولنا العوز، بأن نقدر أنفسنا ونحترمها مهما قلت أملاكنا, فالفقر ليس عيبا، بأن نعطى محتاجا أكثر فالوقت جد عصيب.

إن تحدثت عن ماليزيا ونهضتها، فتذكر أن خروج هذه الدولة المعجزة ذات الـ25 مليون نسمة من نفق الفقر المظلم إلى واحدة من أكبر اقتصادات آسيا الصاعدة بعد الصين واليابان والهند، استغرق قرابة الـ 20 عاما من العمل والتضحية والتخطيط والبناء.

لن يتغير الحال أبدا بالدوران حول أنفسنا فى دوائر غضب مفرغة تطيح بالمسئول لتبقى المشكلة، يستلزم الانتقال إرادة جماعية يشترك فيها، كل فى مكانه، بتحمل الأعباء والمسئولية والعمل والعطاء، ولو جاء أفضل خبراء العالم لحل أزماتنا ما استطاعوا دون جهد منا وتضحية، وقد خرجنا يوما لميادين الثورة، حاملين أرواحنا فوق أكفنا من أجل إصلاح هذا البلد، فما لنا نصرخ باخلين كلما اقترب ثمن الإصلاح من جيوبنا؟ وإن لم نحتمل نحن بمزيد من العمل والرضا بقليل العائد فمن سيفعل؟ وإن لم نغيرها بأيدينا كما هتفنا من أجلها فمن سيفعل؟ وإن لم نكن نحن رجالا.. من سيفعل؟.

لمزيد من مقالات أحمد هوارى

رابط دائم: