رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
وتكمن خطورة هذه المسالة فى كون الحكومة المصرية هى المنتج الرئيسى للعديد من السلع والخدمات كما أنها المستهلك الأساسى لها، من هنا اتسع نطاق المعاملات الحكومية بصورة كبيرة، إذ لا يقتصر على مجرد شراء السلع والخدمات التى تحتاجها أجهزة الدولة والتى تظهر ضمن الباب الثانى للموازنة (شراء السلع والخدمات)، ولكنها تمتد لتشمل كذلك الباب السادس (الاستثمارات) حيث ترتبط بكل المشروعات الاستثمارية التى تقوم بها أجهزة الدولة مثل مشروعات البنية الأساسية كالطرق والمرافق وكذلك شبكات السكك الحديدية والموانى والمطارات، كما تشمل كذلك الخدمات العديدة مثل نقل البضائع والركاب وغيرها. هذا مع الأخذ فى الحسبان الحجم الهائل للقطاعات العامة التى ينطبق عليها هذا الوضع، وبعبارة أخرى فالمشتريات الحكومية تتضمن بالإضافة إلى الأعمال التى تقوم بها أجهزة الدولة المعنية(الجهاز الإدارى للدولة أو الهيئات الخدمية والمحليات) جنبا إلى جنب مع الهيئات الاقتصادية وكذلك شركات قطاع الأعمال العام أو شركات القطاع العام فضلا عن الشركات القابضة المملوكة للدولة. ويضاف إليهم المشروعات المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص. من هذا المنطلق نرى أن سوء الأوضاع التنظيمية للمشتريات الحكومية يؤدى إلى المزيد من الفساد وذلك فى ضوء المعاملة غير المتساوية للأطراف المختلفة إذ يتم تفضيل البعض على حساب الآخر وفقا للعلاقات الشخصية أو بغية الحصول على مزايا شخصية على حساب المصلحة العامة. وتزداد هذه المسالة إذا ما علمنا أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالمسائل والأوضاع السياسية والاقتصادية بالمجتمع فهى من ناحية تعكس تضارب المصالح القائم فى المجتمع والذى يكمن فى وجود بعض الجماعات أو الأفراد، الذين يهدفون إلى تحقيق امتيازات معينة أو الحصول على بعض المكاسب الاقتصادية والمالية من خلال قنوات الاتصال بالدولة والحكومة، حيث تسيطر بفاعلية على العملية التشريعية، وتسود المحسوبية الواضحة فى صنع القرارات وتطبيقها فيما يمكن تسميته بنظم «رأسمالية المعارف والمقربين» وعلى الرغم من أوجه الشبه الكبيرة بينها وبين النظم الرأسمالية الحديثة فإنها تفتقر إلى المبادئ الأساسية كالعدالة والشفافية. وقد أدت هذه العملية إلى ظهور بعض جماعات الأعمال أو الأفراد الذين استطاعوا من خلال علاقات متشابكة شديدة الصلة بصانعى السياسات والمسئولين الى قلب كفة الموازين لتميل لصالحهم مما جعلهم يثرون على حساب المجتمع وذلك كله باستغلال الثغرات القائمة فى نظم المشتريات الحكومية. فالاختلالات فى نظم المشتريات الحكومية تمكن البعض من استخدام السلطة العامة لتحقيق أهداف أو مصالح خاصة، وهى نتيجة رئيسية لنمط معين من التداخل بين السلطة والقطاع الخاص، او بين الدولة وجماعات المصالح الحاضرة فى الساحة الاقتصادية وهو تداخل يجعل المعايير السياسية وليس القوانين الموضوعية أو التشريعات المحايدة للسوق هى القوة الدافعة للتراكم والرافعة المتحكمة فى الفرز بين مختلف جماعات المصالح المتنافسة فى السوق. فإذا كان الفساد «هو إساءة استعمال الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب شخصية». كما عرفه البنك الدولى فإنه يحدث عندما يقوم موظف عام بقبول أو طلب أو ابتزاز لتسهيل عقد أو إجراء طرح مناقصة عامة، كما يتم عندما يقوم وكلاء أو وسطاء لشركات او أعمال خاصة بتقديم رشاوى للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على منافسين أو تحقيق أرباح خارج القانون المطبق. فالفساد وفقا لهذا التعريف يأخذ أشكالا محددة مثل العمولات والرشاوى والتهرب الضريبى وأيضا التهريب الجمركى وتهريب الأموال أو إفشاء الأسرار ناهيك عن الوساطة والمحسوبية. وبالتالى يرتبط ارتباطا وثيقا بالتعامل مع الحكومات وعمليات الشراء الحكومى فى المسائل التجارية والمالية بصفة عامة. وتزداد أهمية هذه المسالة فى ضوء خصائص الإيرادات الريعية والناتجة عن امتلاك الدولة موارد أو ثروات استثنائية بحكم السيادة وأنها تؤول لخزينة الدولة تلقائيا دون الاعتماد على رضا أو تعاون اى طرف آخر فى المجتمع، كما أن هذه الدخول تمر للخزانة العامة مباشرة دون أن تعرضه للمحاسبة أو المساءلة. ولذلك يرى البعض أن هناك علاقة وثيقة بين الإيرادات الريعية وسوء الحكم والفساد حيث تؤدى هذه الثروات إلى العديد من الإغراءات مثل عرض المناصب الحكومية على الأفراد او إرساء عطاءات حكومية معينة على بعض رجال الأعمال. ولذلك يتحول اهتمام رجال الأعمال والمستثمرين إلى تعظيم استفادتهم من هذه المسالة عن طريق التعامل مع الحكومات بدلا من الاتجاه إلى الادخار والاستثمار فى المشروعات الإنتاجية الإنمائية. وهو ما اعتبره المقريزى أصل الفساد حين أشار إلى أن ولاية الخطط السلطانية والمناصب الدينية بالرشوة كالوزارة والقضاء ونيابة الأقاليم وولاية الحسبة وسائر الأعمال، بحيث لا يتم التوصل إلى شيء منها إلا بالمال الجزيل. فتخطى لأجل ذلك كل جاهل ومفسد وظالم وباغ إلى ما لم يكن يأمله من الأعمال الجليلة والولايات العظيمة. وتتم هذه المسالة بعدة طرق منها ان تقوم الحكومات بإيجاد حالة من النقص المصطنع فى سلعة ما، عن طريق فرض حظر على الاستيراد وقصره على منتجين معينين. أو منح احتكارات فى مجالات معينة لأفراد بعينهم والحد من المنافسة، وفى هذا المجال تنفق الشركات الخاصة مبالغ طائلة فى محاولة لإقناع المشرعين بمنحهم احتكارات محددة. وفى بعض الأحيان يناور الأشخاص لوضع أنفسهم فى مركز يمكنهم من تقاضى الرشاوى او إصدار التراخيص أو الموافقة على اعتماد نفقة ما وغيرها، مع الأخذ بالحسبان أن بعض هذه الأنشطة قد تكون قانونية تماما وبعضها غير قانوني. لكل ما سبق فإن الفساد فى المشتريات الحكومية يؤثر بالسلب على المجتمع ككل إذ يؤدى إلى تقليل المنافسة والحد من المتقدمين إلى العطاءات الحكومية، مما يزيد من تكاليف الحصول على الخدمة أو السلعة الحكومية مع ما يؤديه ذلك من زيادات فى التكاليف والأعباء على المالية العامة للدولة. ومن ثم يعيق عملية النمو الاقتصادي. إذ يضر بمناخ الاستثمار وبيئة الأعمال. حيث يشوه عملية وضع السياسات على نطاق واسع وتقوض مصداقية الحكومة. لمزيد من مقالات عبدالفتاح الجبالى