رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

للأمن مضامين أخرى أكثر تعقيدا

شاءت الأقدار ألا يمر عام 2016 دون أن يتلقى مجلس التعاون الخليجى صدمته الأمنية الثانية من الحليف التركي. الصدمة الأولى جاءت من الحليف الدولى (الأمريكي). المؤشرات الأولى لهذه الصدمة من الحليف الأمريكى جاءت خلال لقاء قادة دول المجلس مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى واشنطن ثم فى منتجع كامب ديفيد (13 و14 مايو 2015)، عندما رفض الرئيس الأمريكى الاستجابة لمطلب دول الخليج بالتوقيع على «معاهدة دفاع مشترك» على غرار معاهدة حلف شمال الأطلسى (الناتو)، وأن تتبنى واشنطن الرؤى والمطالب الخليجية وبالذات «احتواء إيران والتعامل معها كمصدر أساسى للتهدي».

أوباما تعهد بالدفاع عن الدول الخليجية الست ضد أى اعتداء، لكنه لم يرفض المطلبين الخليجيين فقط، بل أظهر انحيازاً واضحاً لإيران، حيث كان قد أكد فى حوار له مع صحيفة نيويورك تايمز (4/4/2015) أنه «لا يرى أن إيران مصدراً للتهديد بالنسبة للسعودية ودول الخليج، وأن مصادر التهديد الحقيقية لهذه الدول كامنة فى داخلها، بسبب إخفاق السياسات، وإخفاق احتواء طموحات ملايين الشباب، والعجز عن إشباع احتياجاتهم»، وقالها أوباما بوضوح سافر أنه «لا يرى فى الخليج غير قوتين أساسيتين هما إيران وإسرائيل».

أوباما كان أكثر وضوحاً فى رؤيته تلك مع موقع «بلومبرج»، فعندما سُئل عن العرب وإيران قال: «عندما تنظر إلى السلوك الإيرانى ستجد أن الإيرانيين إستراتيجيون.. يملكون رؤية عالمية، ينظرون إلى مصالحهم، ويستجيبون لعوامل (التكلفة والعائد)». لم يكتف أوباما بذلك بل أنه اعتبر أن إيران «دولة كبيرة وقوية، ترى نفسها لاعباً مهماً على المسرح العالمي، لا أظن أنها تملك رغبة انتحارية، بل تملك الاستجابة للحوافز«، لذلك دعا دول مجلس التعاون إلى التخلى عن هواجس الصراع مع إيران والانخراط فى سلام معها، «حتى ولو كان سلاماً سلبياً»، وكان واضحاً أنه يسوق لاتفاقه النووى مع إيران لذلك عبر عن رغبته لتأسيس «وفاق قوى إقليمي» بين الشركاء القدامى (السعودية ودول المجلس) والشركاء الجدد (إيران).

كانت هذه هى الصدمة الأولى من الحليف الدولى «الأمريكي»، وجاءت الصدمة الثانية من الحليف الإقليمى «تركيا» التى ضربت عرض الحائط بكل «شراكاتها الإستراتيجية» مع السعودية، ودول المجلس وقاعدتها العسكرية فى قطر، واتجهت للدخول فى شراكة مع إيران التى يعتبرها الشركاء الخليجيون «العدو الأهم».

تركيا دخلت فى شراكة مع إيران ضمن علاقة جديدة محورها الحليف الروسى المشترك من خلال الإشراف على مفاوضات بين النظام السورى والمعارضة للوصول إلى حل سلمى للأزمة السورية يؤمن لتركيا مصالحها فى سوريا، وبالذات إنهاء أى طموح لأكراد سوريا بتأسيس «فيدرالية كردية شمال سوريا»، ويمكن تركيا من إقامة منطقة آمنة فى شمال سوريا تحمى تركيا من خلالها حدودها الجنوبية.

صدمتان هائلتان لمنظومة «الأمن بالوكالة» التى ظلت مسيطرة على الإدراك الإستراتيجى لدول مجلس التعاون من خلال معالجة اختلال توازن القوى لغير صالحها فى الخليج من خلال الارتباط بـ«موازن خارجي»، ويبدو أن تردد دول مجلس التعاون الخليجى فى إعلان نهاية هذا الإدراك الإستراتيجى لأمن الخليج قد أغرى إسرائيل لتطرح نفسها موازناً إقليمياً بديلاً ليس فقط للموازن الإقليمى التركي، بل وأيضاً للموازن الدولي، أى الولايات المتحدة.

فكبار القادة والمسئولين فى الكيان الصهيونى لم يترددوا عن الدعوة إلى هذا الخيار لملء فراغ «الانسحاب الأمريكي» انطلاقاً من قناعة مفادها أن وجود إيران كعدو مشترك للطرفين الإسرائيلى والخليجى يفرض عليهما التحالف ضد هذا العدو، حسب ما عبر عن ذلك اللواء يعقوب عميدور رئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى الأسبق بقوله إن «السعودية والدول الخليجية تبحث عن مرساة من أجل تحقيق الاستقرار.. وإسرائيل هى هذه المرساة». وإذا كان عميدور قد اعتبر أن إسرائيل «ضمانة إستراتيجية للسعودية» فإن «أيوب قرا» نائب وزير التعاون الإقليمية الإسرائيلى (وزارة جديدة مهمتها توسيع علاقات التعاون مع الدول العربية) قد تباهى فى حديث له مع صحيفة «ذا ماركر» (النسخة الاقتصادية لصحيفة هاآرتس) بأن «لدى إسرائيل علاقات تقريباً مع كل دول الخليج، وهى تتطور مع الوقت». ووفقاً لتقديراته فإن العلاقات بين إسرائيل والدول العربية «ستتطور بعد ما يتولى الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، وستشهد اتفاقاً يضم إسرائيل إلى جانب هذه الدول حول آلية دفاع (مشتركة) وجهاز ضد الإرهاب، وآخر ضد إيران».

هذه الأفكار، حتى ولو كانت مجرد طموحات أو حتى خيالات لدى الإسرائيليين، فإن لها ما يدعمها من وعى بأن الدول العربية الخليجية، إذا استمرت على ما هى عليه من ثقة فى خيار «الأمن بالوكالة» الذى يعتمد على «موازن خارجي»، فإنها ستكون حتماً فى حاجة إلى «موازن بديل» وأن إسرائيل مهيأة للقيام بهذا الدور، وتدرك أن هذه الحاجة الخليجية لإسرائيل ليس لها بديل آخر.

هل هناك من مخرج لهذه الكارثة؟

المخرج موجود بالطبع، لكنه فى حاجة إلى إرادة سياسية تقتنع أولاً باستحالة الاستمرار فى النهج التقليدى للأمن، وأن، مثل هذا الأمن لم يعد له وجود، وأكبر دليل على ذلك ما جاء على لسان الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب بأن الولايات المتحدة لم تعد مستعدة للدفاع عن أحد أو الحرب لحساب أحد، وأن من يريد المساعدة عليه أن يدفع الثمن، وتدرك ثانياً أن الأمن لم يعد عسكرياً فقط، لأن مصادر التهديد باتت متعددة الأنواع، هناك مصادر جديدة «فوق تقليدية»، مثل التغييرات المناخية، والأوبئة والكوارث الطبيعية، وأمن الموارد، والإرهاب العابر للحدود وغيرها، وأن تعى ثالثاً أن هناك مصادر داخلية تهدد الأمن، كما أن له مصادر خارجية، وأن مواجهة مصادر التهديد الداخلية باتت تحظى بأولوية كبرى تفوق مواجهة مصادر التهديد الخارجية، وهذا ما اهتم الرئيس باراك أوباما بتأكيده، عندما لفت نظر قادة الخليج إلى أن «الخطر عليهم من داخلهم وليس من إيران».

هذا يعنى أن الأمن باتت له مضامين أعمق وأوسع شمولاً وأكثر تعقيداً، ومن ثم فإن تحقيقه يفرض الأخذ بإستراتيجية أمنية شاملة متعددة الأبعاد تجمع ما بين هو عسكرى وبين ما هو سياسى واقتصادى واجتماعى وثقافى وعلمي، بل وتربوي. وإذا كانت مواجهة مصادر التهديد الخارجية تعطى أولوية للأدوات العسكرية إلى جانب أدوات أخرى، فإن مواجهة مصادر التهديد الداخلية تتركز بصفة أساسية على تحقيق العدل، ولكن العدل بمفهومه الشامل: القانونى والسياسى والاقتصادى والاجتماعي، وكفالة الحقوق والحريات، والتى بدونها يبقى الأمن مفرغاً من مضامينه.

لمزيد من مقالات د‏.‏ محمد السعيد إدريس;

رابط دائم: