رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أطفال وفلاسفة

فى عام 1950 أوصت منظمة اليونسكو جميع الدول الأعضاء بها أن تجعل الفلسفة مادة أساسية فى السنة النهائية للتعليم الثانوى. وعملت جميع الدول بهذه التوصية. أما عن السبب فى ضرورة تعليم الفلسفة فذلك لأن المرحلة التالية هى الجامعة التى يتم فيها التخصص العلمى والمهنى، وبالتالى يجب أن يتعلم الطالب القدرة على فهم المصطلحات وعلى الصياغة الدقيقة لأفكاره، ومعرفة قواعد التفكير المنطقى اللازمة له قبل أى تخصص. أما عن السبب فى ارجاء تدريس الفلسفة الى السنة النهائية للتعليم الثانوى، فذلك لأن هناك اعتقادا بأن الفلسفة مليئة بالمصطلحات المجردة مثل المادة والصورة والجوهر والماهية مما لا يستطيع ادراكه عقول الصغار. وهكذا نظر الى تعليم الفلسفة على أنه تتويج لمسيرة التعليم وعلامة على النضج الفكرى. ولكن لماذا لا يتم تدريس الفلسفة للأطفال؟ كان لابد أن يطرح أحدهم هذا السؤال حتى تتم مراجعة هذا الاعتقاد الذى ترسخ عبر قرون طويلة. وفى الولايات المتحدة قام عالم التربية ماثيو ليبمان بصياغة منتج تربوى يهدف الى تدريس الفلسفة للأطفال فى المرحلة الابتدائية، ويقوم هذا المنهج على تأليف قصص فلسفية يتناقش حولها التلاميذ بحرية. وبدأ الحماس يزداد لتعليم الفلسفة للأطفال، وقامت بلاد كثيرة بترجمة قصص ليبمان الفلسفية وتطويعها بحسب الثقافة المحلية. وفى اطار هذا المنهج يمكن من خلال قصة الذئب والحمل مناقشة مفهوم الخير والشر، فهل الذئبة الأم التى تقتنص حملا لتطعم صغارها هى أم شريرة أم خيرة؟ أو الضفدع الذى يسدى للعقرب خدمة بأن ينقله على ظهره للشاطئ الآخر من النهر فيلدغه العقرب عند الوصول وحين يلومه الضفدع يقول له بأن لا أحد يستطيع أن يغير طبيعته، فيدرك الطفل أن خطأ الضفدع أنه لم يدرك مع من يتعامل. وقام تربويون آخرون فى فرنسا وألمانيا بطرح وسائل مختلفة لتعليم الأفكار الفلسفية. ففى فرنسا يقوم هذا التعليم على وسيلة النقاش الديمقراطى الذى يعتمد على توزيع حق الكلام بين التلاميذ ثم قيامهم بصياغة ما توصلوا اليه عبر نقاشهم الحر. والهدف أن يتعلم التلميذ القدرة على وضع مفاهيم وتحديد المشكلة وصياغة حجج عقلانية للدفاع عن الرأي. ويكون دور المعلم هنا محدوداً، فعليه فقط أن ينبه التلاميذ الى العودة الى الموضوع اذا خرجوا عنه. فيطرح المدرس مثلا للنقاش موضوع الحقيقة، فيقول تلميذ أن صديقه لم يقل له الحقيقة حينما زعم أن والده ضابط فى حين إنه عامل، ويقول الآخر إن الناس يظنون الأرض مسطحة فى حين أنها فى الحقيقة مثل الكرة، وهكذا يتعلم التلميذ المعانى المختلفة لكلمة الحقيقة. وهناك منهج آخر يقوم على طريقة التهكم والتوليد السقراطية، حيث يقوم المعلم بطرح الأسئلة ويمتنع عن اعطاء اجابات مستهدفاً توليد الأفكار والحقائق الموجودة أصلاً فى عقول التلاميذ. المناهج كثيرة ومتعددة بسبب الطابع التجريبى الذى يتسم به هذا الموضوع فى بداياته الأولى، وبالرغم من ذلك فإن الموضوع قد اتسع جغرافياً وامتد الى بلدان كثيرة، فبعد أمريكا جاءت دول أوروبا فاليابان والأرجنتين وغيرها، ولهذا جاءت توصية اليونسكو فى عام 1998 تطالب هذه المرة الدول الأعضاء بتدريس الفلسفة فى المرحلة الابتدائية. وصارت هناك خبرة ممتدة زمنياً لهذه الممارسة فى تدريس الفلسفة للأطفال بما يسمح باستخلاص نتائج. فى أحد البرامج التليفزيونية قال طفل معبراً عن رأيه فى درس الفلسفة: هذه أول مرة أتكلم فى الفصل دون أن أخشى أن يقال لى اجابتك خطأ. يبين لنا هذا التعليق أن تدريس الفلسفة للأطفال يخرج عن اطار التلقين وعن اطار نقل المعارف، انه تعبير عن الذات وسماع للرأى الآخر وقبول التسامح وممارسة للحرية. وبينت الدراسات التأثير الايجابى لتدريس الفلسفة على شخصية الطفل حيث تزداد ثقته بنفسه ويحسن التعبير عن أفكاره ويستطيع الاندماج بسهولة مع زملائه فى الفصل .وفى دراسة أجريت فى بريطانيا خلال عام دراسى 1913- 1914 أثبتت أن التلاميذ الذين تلقوا تعليماً فلسفياً زاد ترتيبهم الدراسى العام كما حققوا تفوقاً فى القراءة وفى تعلم الرياضيات مقارنة بالتلاميذ الآخرين الذين لم يتلقوا تعليماً فلسفياً. نقول كل ذلك لا لكى نحكى عما يحدث لدى الآخرين ولكن لنلفت الانتباه الى ما يعانيه تعليم الصغار عندنا من تخلف. ولو اقترحنا تجربة هذا الأمر عندنا لنظر الينا على اننا «حالمون طوباويون» لأننا نسينا كثافة الفصول الهائلة وانعدام المعلمين المؤهلين ومنهج التلقين السائد فى كل المواد. نعرف كل ذلك.. لكننا نعرف أيضاً أننا تعودنا على أن نصدّر هذه الصعوبات لكى نقطع الطريق على كل اصلاح. نعم هذه هى ظروفنا ولكن تجربة تدريس الفلسفة للأطفال فى بلاد العالم المختلفة أثبتت أنها مفيدة بل وضرورية، فماذا نحن فاعلون ؟.

لمزيد من مقالات د.انور مغيث;

رابط دائم: