رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الأمن المركزى فى مسرح «الطليعة»!

(الأمن المركزي قافل مداخل المسرح)، هكذا صرحت الممثلة «إيناس شيحة» بعد أن اقتحمت غرفة الفنان «أحمد صيام» بمسرح الطليعة، كنت قد سبقتها إلى الدخول بدقائق قليلة وكان كل شىء حول المسرح في «العتبة» هادئا وطبيعيا، حيث الباعة الجائلون يفترشون كل الطرق المؤدية إلى الصرح الفني العتيق الذي يضم المسرح القومى! وبحكم الأحداث الكثيرة التي باغتتنا كشعب منذ ثورة يناير 2011 وحتى اليوم، تدافعت التأويلات إلى رأس العبد لله، وكان الاحتمال الأقرب والأسرع أن (شرطة المرافق) قد قررت تطهير محيط المسرح القومي من الباعة، وطبعاً كان الاندهاش سيداً للموقف –في ذهني- خاصة أن توقيت الفعل يتزامن مع بداية العروض المسرحية؟. قطع حالة التداعي التي لفت رأسى، صوت (صيام) يقول مبتسماً (كويس والله ومعلش يا ستي نستحمل شوية زحمة)، شخصياً بدأت مع هذا التبرير إعادة تقييم الموقف من الدعوة لحضور العرض المسرحي (واحد تانى)، وقلت في نفسي (صيام بيبرر تصرفات غير مسئولة)!

هكذا تماماً كان الحال داخل غرفة (صيام) التي دخلتها مدعواً من قبل الفنان القدير (عهدي صادق)، الذي يتعهد دعوتي كل حين لمشاهدة عرض مسرحي، في رحلة دورية للبحث عن فنون مصر التي كانت. ثم كانت المفاجأة حيث اكتشفت أن (الأمن المركزي) الذي يغلق مداخل مسرح الطليعة، قد حضر في حافلات خاصة، وأن الجنود قد جاءوا بزيهم المدني، وأن الهدف هو حضور العرض المسرحي، وأن هذه الدفعة من جند الأمن المركزي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وفي حواري الداخلي مع نفسي (اعتذرت كثيراً لأحمد صيام). غير إن التساؤل الذي ظل يطرق باب عقلي، كان (كيف لجمهور الأمن المركزي أن يتفاعل مع عمل مسرحي على مسرح الطليعة؟)، إنه سؤال المنطق في واقع ساد فيه (أشباه الأشياء) على كل المستويات، ومعلوم للجميع أن عساكر الأمن المركزي معظمهم أميون، وبالتالي نحن نتحدث عن جمهور علاقته بالمسرح تنحصر في (اسكتشات) مسارح الفضائيات نفطية التمويل، ومعلوم أيضاً أن (مسرح الطليعة) واحد من أهم قلاع المسرح المصري منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وهو الخشبة المسرحية المتسمة بالتجريب والخروج عن المألوف من قوالب العروض، إنه المسرح الذي أسسه الراحلان الكبار (محمد توفيق ومحمود السباع)، وتعاقب على إدارته أسماء علامات في دنيا المسرح.

حين احتوتنا صالة المسرح كان عساكر الأمن المركزي قد استقروا في أماكنهم محتلين ثلث المقاعد إلى جهة اليسار بينما الجمهور إلى جوارهم وبدأ العرض الذي كتبه القدير (مصطفى سعد)، وأخرجه الفنان شادي سرور الذي أصبح مساء الخميس الماضي مديرا لذات لمسرح. واستطاع فريق عمل مسرحية (واحد تانى)، أن يحكم سيطرته منذ اللحظة الأولى على الجميع حتى الأطفال الصغار، حملوا الجميع مباشرة إلى رحلة في عالم ملىء بعلامات الاستفهام، يخوضها المسافر (أحمد صيام) داخل (فندق) يلتقي فيه مع شخصيات متعددة يؤدي كل منهم أكثر من دور في واقع العرض، يتحول كل منهم من شخص إلى آخر، وينكر كل آخر علاقته بشخصيته الأولى، (البرنس) يصير (خادماً)، و(البرنسيسة) تصبح (بائعة هوى)، و(رجل الأعمال) يتحول إلى (داعشى)، و(اللص) يصبح (ضابطاً)، هذه التحولات بما تحدثه من صدمة وما تستدعيه من ضحكات، استطاعات أن تخضع الجميع لسلطانها.

ثار (واحد تانى) على انكسارات المسرح حالياً، وأعمل ثورته عرضاً متكاملاً، صنعته أفكار مؤلف يمتلك أدوات الرؤية والطرح، وجسدته رؤى مخرج من جيل جديد يؤكد أنه لم ينفصل عن جذور المسرحيين الكبار، وعايش شخوصه ممثلون ينتظرون الفرصة ليؤكدوا أن الإسفاف ليس هو البضاعة الفنية الرائجة، (عمرو عبد العزيز، مجدي البحيري، هاني سعد، إيهاب بكير، مازن المونتي، طارق هاشم، نهى الكيال، محمود كابو، محمد عبد العزيز، إسماعيل محمد، ياسر زهدي، محمد عبد الوهاب). إنها كتيبة الفن المصري المركزي التي قدمت فعلاً مسرحياً يضعنا أمام أحلام أوطاننا المجهضة بفعل الفساد والجهل والتطرف.خلال العرض تفاعل معه جمهور العساكر والعامة مع النخبة على قدر واحد، وحين انتهى العرض تذكرت القاعدة التي علق عليها كل متاجر بقيم هذا الوطن أطماعه (الجمهور عايز كده)، وألح على المشهد (مسرح الفضائيات) نفطي التمويل الذي يفرض قواعداً جديدة على صناعة الوعي المسرحي، وحين غادرت لم تغادرني دهشة اكتشافي لمسرحي من العيار الثقيل هو (أحمد صيام) ولأننا كنّا قبل يومين من احتفال رأس السنة تذكرت مشهده البائس في فيلم (جاءنا البيان التالى) حين سأله (محمد هنيدي) أين سيقضي ليلة رأس السنة؟ فأجابه (إنت عبيط يا وله ولا إيه؟ إنتو مش دريانين بالناس)، وبالتأكيد يمكن للدولة أن تنجو من هكذا تهمة لو أنها فتحت أبواب مسارحها من جديد ليدخلها الجميع، فنحن بحاجة إلى أن يكون الشعب مع العساكر والفنانين في الطليعة، فهكذا تنجو مصر من كل (واحد تاني) بها يتربص.

لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى;

رابط دائم: