هذا العام وجدتنى أكثر اشتباكاً مع أزمات الحياة اليومية والمستقبل القريب، فجلست أتأمل «دعاء الطامعين» فى رحمة الله أن يعطيك المال لتنفق فى مرضاته وأن يستجب دعاءك وكلامك مادام فى الحق، والمحصلة أن تتبوأ موقعك مع الداخلين فى جنته، واكتشفت أن الدعاء الذى كنا نسمعه زمان فى مطالع السنين وفى ليلة القدر، صار له طعم ومفهوم مختلف وأصبح يدور حول مغانم دنيوية، بداية من السلطة والمناصب وحتى العثور على كيلو سكر وزجاجة زيت.. فاللهم اجعل دعواتى التالية بصلاح الأحوال لأولي الأمر منا فى قراراتهم طريقنا لنيل حسن الختام:
ـ اللهم امنحنا الصبر على تحمل نتائج قرارات تعويم الجنيه ولا تجعل كل هم الجهاز المصرفى أن تستحوذ البنوك على العملة الحرة التى تضاعفت عشر مرات، وأن تستوعب شهادات الادخار الجديدة كل مدخرات المصريين دون أن يظهر أى دليل على صحة الجنيه المصرى فى جيوب الناس بعد أن تدهورت حالته وتكاد تنعدم قدرته الشرائية فأصيبت الأسعار بالجنون وأصيب الناس بالهموم.
ـ اللهم ابعد عن الغلابة من مرضى الأمراض المزمنة شبح اليأس الذى تدفعنا إليه تصريحات وزير الصحة الذى لم يتعظ بالحكمة القائلة «إن الضرب فى الميت حرام».. فاختار ليلة رأس السنة لإشاعة النكد بدلا من البشرى التى كان يفضلها السابقون، حين أعلن عن رفع أسعار الدواء 15% للأدوية المحلية و20% للمستوردة، لتكون شرائح الزيادة الثلاث بالترتيب 50 % و40% و30% للأدوية التى يصل سعرها خمسون جنيها ومائة جنيا وأكثر من ذلك، وبدلا من أن يخفف وطأة قرارات الزيادة بتعبيرات سياسية دفعه سوء التقدير للإعلان أن هذه الأسعار تطبق بعد تلقى طلبات الشركات عن الأدوية المرشحة للزيادة وهو نفس الفكر الذى يبيع المرضى فى المستشفيات التكاملية للمستثمرين، والأدهى أنه أعلن أن هذه الأسعار سيتم مراجعتها بعد 8 شهور طبقاً لسعر صرف الدولار الذى قفز من 8 جنيهات وكسر إلى عشرين وكسور في شهرين!
ـ اللهم وسع فى رزق السيدة الوزيرة غادة والى باستعادة أموال التأمينيات الضائعة حتى تستطيع إعادة الحقوق لأصحاب المعاشات البائسين بعد أن صرت أحد رعاياها، ووسع فى دائرة المستفيدين ووفقها يا كريم لتطبيق خطتها بمد شبكة الحماية الاجتماعية لتشمل ليس فقط 5.4 مليون مواطن بل تشمل بحنانها الطبقة الوسطى التى انضمت للبائسين، لعلها تنجح فى الحد من الآثار الاجتماعية والنفسية والحياتية التى خلفتها سياسة تحرير سعر الصرف، ووفق السيدة الوزيرة للوفاء باحتياجات الأسر التى تعانى الفقر والبطالة والمرأة المعيلة والأرملة والمطلقة.
ـ اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا من رجال الأعمال الذين يرغبون فى تحويل كل شىء الى سلعة تباع وتشترى وامتصوا فرق سعر العملة من قوت المستهلك الغلبان، وانتقم من كل جبار كما انتقمت من عاد وثمود ومؤسس المصريين الأحرار الذى صرح بعنجهية ذات نهار كيف تشترى الحكومة القمح من الفلاح بضعف سعره العالمى ولماذا لا تستورد الرخيص بالروبية أو بالدولار؟ ـ اللهم لا تجعل مصر ورشة عمل لتصدير العمالة المضطرة الى السفر برخص التراب، واغننا بحلالك من العمل فى المشروعات القومية التى غطت كل أنحاء المحروسة، واجعل غذائنا من صنع أيدينا واصرفنا عن أن يصنع شبابنا فى الغربة سلعاً يجنى من ثمارها الغرباء ولا يصل إلينا منها إلا المسرطن أوما ترفضه الأسواق الأخرى!
ـ اللهم لا تجعل الاستجابة للضرورة المحلية والوصفة الخارجية للإصلاح الاقتصادي والمالي التي أشار إليها البنك وصندوق النقد الدوليان، سبباً فى رفع الدعم كلياً عن الغذاء والكساء والتعليم عن الفقراء بدعوى التخفيف من الأعباء، ولا تجعل حاجتنا إلى تشجيع الاستثمار بالإعفاءات الضريبية والجمركية تصب خير البلد فى جيوب الأغنياء !
ـ اللهم ارفع عن بلدنا حالة الملل والاكتئاب الجماعى التى أصابت فرنسا عام 1968 وجعلت ديجول يقول أن فرنسا لم تعد تريدنى، فنحن ماذلنا في حالة وعي والمناقشات تبحث عن حل على طول عالمنا العربي وعرضه ، وفى كل ركن مناقشة وفى كل محفل حوار وتوصيف للحالة، فهذا معناه أن الأمل موجود ومعه رغبة عارمة للنجاة من المؤامرات والأزمات ولكن فقط إذا تم التشخيص السليم .
ـ اللهم أنر بصائر خبرائنا وأولى الأمر منا ليتذكروا أن أُس البلاء والإرهاب حين حدثت تلك الأجواء المتوترة والقلقة في الثمانينيات والتسعينيات وجعلت كثير من أغنياء الانفتاح يتركون أموالهم تهاجر إلى النظام البنكي العالمي، وأن كثيرين من الفقراء لم يتبق لهم غير الهجرة إلى الله يبحثون عنه مع العلاج والتعليم فى المساجد والزوايا والأضرحة، بينما كانت الطبقة المتوسطة تنضغط وتختنق وينجرف قطاع منها إلى أوهام التطرف الدينى بينما انزوي قطاع عريض يدعون «يارب مال ما ينعد وكلمة ما تترد وباب الجنة لا يغلبنى عليه أحد» .. قادر يا كريم.
لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف; رابط دائم: