رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
.. وفى أروقة القصور الملكية والرئاسية الفخيمة؛ وعلى طاولات الاجتماعات الوثيرة، أو ربما على صالونات اللقاءات الصامتة التى تطالعها الناس متشوقة على شاشات التلفاز؛ يحفها المصورون من جميع الجوانب؛ تخطف الأبصار خلالها ومضات من فلاشات الكاميرات المتزاحمة أمام جلال المشهد و أناقته؛ تلتقط ابتسامة مغلفة هنا أو هناك، أو إيماءة ظريفة ليست بالضرورة معبرة عن حقيقة المشاعر... فى هذه الأروقة، وحين ينصرف الناس ولا يبقى فى المشهد سوى المعنيين بالأمر، ويطمئن هؤلاء إلى خلو القاعة من المتلصصين؛ تخرج الأوراق السرية من حقائب شديدة الخصوصية تفترش المناضد؛ وليأخذ جدول الأعمال مجراه الطبيعي؛ ويسير الحديث على نحو تصاعدى ليبلغ منتهاه... وما أدراك ما منتهاه؟ وبين ثنايا الأحاديث الممتدة على طاولات الاجتماع ربما يكون المطلب فى متناول اليد, وربما يكون المطلب خارج حدود (الخيال), وحينئذ ليس الرفض دائما حلا نهائيا للأزمة؛ فكمثل ما قد يكون القبول أزمة , قد يكون الرفض أيضا فى حد ذاته (أكبر أزمة) !! فالمصالح متشابكة, والخسائر قد تفوق حد الوصف، والمسئوليات جسام، والبدائل ليست بالضرورة فى متناول اليد... وهنا تكمن المأساة فى معظم الأحيان؛ ولتعلم أن من يأتى بمطلب فى مثل هذه الأجواء هو على يقين تام من أنه اختار الوقت المناسب لينقض على (مغانمه)، وإلا لما جاء فى هذا التوقيت بالذات أصلا !! والقائد حين يركن إلى مخدع رأسه متأملا فيما يستلزم اتخاذ القرار بشأنه، تجده يسعى سعيا حثيثا نحو إيجاد مخرج من هنا أو هناك ، ثم يا لها من لحظة فارقة تلك عندما يرى القائد فى الأفق البعيد بادرة أمل... وهذا هو الفارق الرهيب بين الدول ! ففى الدول الصغيرة ذات العروش الواهية، صحيح أن القرارات الجوهرية تكون حكرا على شخص الفرد القائد؛ وصحيح أن المجد يكون بمثابة شهوة جامحة لهذا الفرد فى هذا السياق؛ يغترف منه كيف يشاء ومتى يشاء بغير حساب ليرضى غروره، أما فى الدول الكبيرة العريقة ذات التاريخ وذات المؤسسات، فإن المؤسسات وإن شكلت عائقا كبيرا أمام نشوة الشخص الفرد فى أن يغترف من منهل المجد وحده ، فإن هذه المؤسسات تكون فى حد ذاتها فيصلا فى إيجاد الحل؛ ومخرجا لكثير من الأزمات . و فى هذا، فقد تجد رئيسا كمثل رئيس الولايات المتحدة ــ على عظم مكانته وقدره ــ يقف عاجزا عن اتخاذ قرار شديد الإلحاح لمجرد اعتراض الكونجرس على هذا القرار؛ ما يستدعى مداولات ومناقشات وجهدا جهيدا من أجل تكوين تكتلات لدعم هذا القرار أو ذاك وإلا لذهب قراره سدى؛ أما فى (أشباه الدول)، فإن القرار يكون فى الغالب الأعم ذا طابع انفعالى فردى لا مرجعية له ولا مراد لمغبته.. وهذا هو الفرق! وبالتالى فحينما تأتى (أشباه الدول) إلى (الدول ذات المؤسسات العريقة القديمة) تفرض عليها إرادة بعينها بغية الحصول على مكسب هنا أو هناك ، و تلوح بإنزال عقوبة أو أخرى وتلعب بكارت رخيص أو آخر، ومع حجم الضغوط و(عظم المسئوليات) وحجم التبعات التى لن ترحم ولن تذر، فإن المخرج الوحيد يكون متمثلا فى الارتكاز إلى ــ أو قل الاستنجاد ــ بمؤسسات الدولة العريقة (قضائية كانت أم برلمانية أو ما شابه) كمخرج وحيد (أوحد) لحل الأزمة و(تبرير رفض العرض)، ولكن للأسف، إذا بالغوغاء من كل صوب وحدب ينسلون؛ حناجرهم سهام موجهة، صوتهم مرتفع، يفترشون ساحات القضاء بأوراقهم البالية وحججهم الأكثر بلاء ؛ يتصورون أنهم (جابوا الديب من ديله)؛ وأنهم امتلكوا ناصية المنطق وبلغوا من العلم مبلغا بعيدا؛ تناصرهم جوقة من عناصر ضالة ممن يستمعون القول فيتبعون أتفهه ـ للأسف ــ يبحثون بنهم عن قضية تلهب القلوب والحناجر؛ ليمتطوا بها أكتاف (العواطلية) مسرعين؛ يجوبون عليها وعليهم الشوارع والحارات والساحات طمعا فى اعتلاء أى موجة فى أى اتجاه والسلام ! إن لهذا البلد قائدا ائتمنه الناس على أرواحهم وأعراضهم وأبنائهم ومستقبلهم؛ وليس يصح بأى حال من الأحوال أن يتسرب الشك إلى القلوب المريضة خلسة؛ أو أن يعلو صوت الهلاوس على صوت المنطق.. فلا أحد يعلم ماذا دار فى الأروقة المغلقة، ولا أحد يعلم ماذا تخفى الصدور؛ ولا أحد يعلم حجم الضغوط التى مورست أو مدى الخطر، ولا أحد يعلم كيف حاك الرجل الشرك للانتهازيين ممن جاءوه يضمرون الشر ضاحكين ؛ليخرجنا جميعا مما أرادوا أن يوقعونا فيه.. وحسبنا أن الرجل قد أثبت فى كل مرة أنه بارع فى الإفلات من خصومه؛ و أنه قادر على إعادة السهام إلى نحور من أطلقوها قوية مدوية فاجتنبوا الظن إن بعض الظن إثم. أما أنت، فأكاد قريبا جدا أراك تقف مبتسما (فخورا بنفسك) بعد أن تمر الغمامة ، وقد عاد أصحاب الحيل أدراجهم خائبين؛ و(توهم) أصحاب الحناجر أنهم أصحاب الفضل فيما آل إليه الأمر بعد شهور من (الردح المتواصل) متصورين أنهم زادوا عن الأرض بحناجرهم العصماء، والله يعلم ثم أنت ، كم كنت وطنيا عملاقا فيما فعلت!! لمزيد من مقالات أشرف عـبد المنعم;