رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
وذلك فى ضوء الاوضاع التضخمية التى يعانيها المجتمع المصرى أخيرا. وهنا يشير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء الى ان معدل التضخم (وفقا للأرقام القياسية لأسعار المستهلكين)قد ارتفع خلال شهر نوفمبر الحالى الى 20% مع احتلاقه فى الريف (21.1%) عن الحضر (19.4%)وهى اعلى نسبة تتحقق منذ عدة عقود ناهيك عن الزيادة فى أسعار الطعام والشراب والتى وصلت الى 22.5% فاذا ما اخذنا بالحسبان ما يحدث فى الأسواق حاليا لاتضح لنا ان التضخم فى طريقه الى الزيادة مرة اخري. ومع تسليمنا الكامل بأن مشكلة التضخم فى مصر ترجع بالأساس الى عوامل عديدة ومتنوعة بعضها يتعلق بالسياسة الاقتصادية الاخيرة مثل التخفيض المستمر فى قيمة الجنيه المصرى ورفع الدعم عن بعض السلع والخدمات مثل البترول والكهرباء والمياه وأيضا السياسة الجمركية، والبعض الآخر يتعلق بأسباب هيكلية فى بنية الاقتصاد القومى والتى يأتى على رأسها تراجع النمو وانخفاض إنتاجية العديد من القطاعات السلعية خاصة الزراعة والصناعة وازدياد الطاقات العاطلة فى العديد من المنتجات، الامر الذى ادى الى تزايد الحاجة للاستيراد لتغطية الاستهلاك المحلي، خاصة من المواد الغذائية ومستلزمات الإنتاج مما انعكس بدوره على المستوى العام للأسعار، الا ان هناك العديد من الأمور الأخرى التى اشعلت نيران التضخم يأتى على رأسها الاحتكارات السائدة بالأسواق،والتى أصبحت سمة أساسية من سمات السوق المصرية ولم تصبح مقصورة على قطاع محدد بل امتدت بآثارها لتشمل معظم قطاعات الاقتصاد،خاصة الاستراتيجية منها مثل الحديد والاسمنت والغذاء والجلود والدواجن وغيرها. ومما يزيد من تعقيد المشكلة تزامنها مع زيادة نسبة الفقر فى مصر، حيث ارتفعت الى 27.8% عام 2015. والأخطر هو زيادة نسبة الفقر المدقع والتى تصل إلى 5.3%من السكان ويرجع ذلك أساسا الى ارتفاع اسعار السلع الغذائية. ومما يزيد من تعقيد المشكلة ان هناك شريحة لا بأس بها تقع فوق خط الفقر مباشرة، أى الطبقة الوسطى الدنيا، وهى أكثر حساسية لأى تقلبات تحدث فى الأسعار والدخول وأكثر عرضة للانزلاق إلى الفقر حال تغير دخولهم. وعلى سبيل المثال فلو انخفض دخل هؤلاء بنحو 20% سنويا سوف يتضاعف عدد الفقراء إلى الضعف، وسوف يتضاعف مرة أخرى إذا انخفض دخل هؤلاء بنسبة 30% ( وذلك وفقا لبحث الدخل والانفاق). وكما هو معروف فان التضخم يؤثر بالسلب على أصحاب الدخول الثابتة مثل متحصلى الأجور وأصحاب المعاشات والمتعطلين أو الذين يعملون فى أنشطة هامشية ذات أجور منخفضة، بينما يفيد أصحاب الثروات والتجار والمهن الحرة وغيرهم من أصحاب الدخول المتغيرة. من هذا المنطلق تأتى خطورة الأوضاع الاحتكارية بالسوق المصرية وهو ما ظهر أخيرا فى العديد من الممارسات فحين قررت الحكومة اعفاء الدواجن المجمدة من الرسوم الجمركية حتى تتحقق المنافسة بهذه الأسواق خاصة وان التخفيض فى قيمة الجنيه كان اعلى بكثير من نسبة الجمارك المفروضة عليها مما اثر بالسلب على أسعار هذه السلعة الا ان الحملة الضارية التى تعرض لها هذا القرار أدت الى تراجع الحكومة عنه مع تعهد المنتجين بضمان تخفيض أسعار الدواجن وهو ما لم يحدث بل العكس ارتفعت أسعارها مرة اخرى واصبح المستهلك خاضعا لهذه الممارسات. وكان قد سبقه احجام المستوردين عن استيراد السكر نتيجة لارتفاع أسعاره مما ادى الى نقص شديد فى المعروض بالأسواق وارتفاع أسعاره، ناهيك عن قيام شركات الحديد برفع الأسعار بصورة كبيرة وغير مبررة على الاطلاق، وغيرهم الكثير من الممارسات التى تؤكد الاضرار البالغة على الاقتصاد القومى نتيجة لسيطرة مجموعة معينة على أسواق سلعة محددة فيما يطلق عليه احتكار القلة. وعلى الرغم من وجود قانون لمنع الممارسات الاحتكارية، الا انه اغفل تماما العوائق التى قد تحول دون تحقيق المنافسة فى السوق اذ قد تمنع اللوائح والقوانين القائمة الشركات من الدخول للأسواق إما من خلال قيود مباشرة على تأسيس شركات جديدة او من خلال فرض شروط مبالغا فيها للدخول للسوق واستخدام الوسائل غير المشروعة فى صنعها، ناهيك عن سيطرة هؤلاء المحتكرين على منظمات الاعمال ومن ثم القدرة على التأثير فى صنع القرار الاقتصادى وهكذا تتخذ القرارات فى الشأن العام وفق اعتبارات المصلحة الخاصة، وليس وفق اعتبارات المصلحة العامة. وبعبارة اخرى فهناك مجموعة معينة تقوم بالتحكم فى الأسعار او الاسواق وتعمل على إقصاء المنافسين من السوق ويصبح من الصعوبة الدخول أو الخروج من السوق. وهنا يصبح من الضرورى العمل على مواجهة السلوك الاحتكارى والوقوف على افضل السبل لتحقيق الكفاءة الاقتصادية للمجتمع والحيلولة دون الممارسات الضارة بالمجتمع. مما يساعد على كفاءة عمل الأسواق ويحد من الضغوط التضخمية. وهنا تجدر الإشارة الى ان هناك خطأ شائعا فى المجتمع يرى ان اقتصاد السوق يعنى الحرية المطلقة لأصحاب الاعمال والتجار وغيرهما من اللاعبين الأساسيين فى فرض سطوتهم على الأسواق والتحكم فى الأسعار، وهو غير صحيح على الاطلاق اذ ان المفهوم الصحيح لاقتصاد السوق يشير ببساطة الى تفاعل قوى العرض والطلب فى إطار مؤسسى وقانونى سليم يضمن عمل الأسواق بطريقة صحيحة وهو ما يتطلب وجود إطار مؤسسى قوى ينظم هذه العملية. مما يساعد على خفض معدل التضخم، وتدعيم المؤسسات التى تضمن عدم تفاقم الضغوط التضخمية الناجمة عن هذه العملية ووضع الضوابط التى تحول دون تفاقم التضخم. وإزالة المعوقات القائمة التى تعوق قدرة بعض المؤسسات على الاضطلاع بمهامها. كل هذه الأمور وغيرها تمكن الاستثمار الجاد من التفاعل مع آليات السوق والمنافسة فى ظل مناخ يتسم بالشفافية، وبالمزج بين المساندة والرقابة الفعالة من مؤسسات الدولة. من هذا المنطلق فان مواجهة مشكلات التضخم تحتاج الى ارادة قوية تعمل على تفعيل دور الدولة لتعويض أوجه النقص فى عمل نظام. السوق. وهو ما يتطلب بالضرورة إطارا قانونيا سليما يضمن تفعيل المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وضمان حماية المستهلك،وضمان انضباط الأسواق ومحاربة التضخم وهى إحدى الآليات الجوهرية لحماية حقوق جميع الأطراف فى المجتمع، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال وجود رقابة فعالة على الأسواق تهدف الى مواجهة الأفعال والتصرفات الضارة بالسوق ذاتها، وكذلك لمواجهة الآثار السلبية الناشئة عن أفعال تهدف إلى الأضرار بالمستهلك. لمزيد من مقالات عبدالفتاح الجبالى