رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

البكباشى والملك

أعترف بأن الإنسان يمكن أن يقرأ رواية من الصفحة الأولى وحتى الأخيرة لأنها أعجبته. وسرقته من حياته اليومية. وقدمت له واقعاً بديلاً للواقع المعيش جعله يحيا حياة أجمل مع تجليات النص الروائي. هذه المرة حرصت على قراءة الرواية كلها، ليس لأنها أعجبتني. ولكن لأنها استفزتني. والاستفزاز جاء من كثرة المعلومات المغلوطة والتحليلات الخاطئة والموقف المسبق من أبطال الرواية الذى يجعل مما جاء فيها: أكاذيب روائية.

الرواية عنوانها: البكباشى والملك ـ الطفل. مذكرات من مصر، ومؤلفها هو: جيلبرت سينويه. ومترجمها: محمد التهامى العماري، وناشرها: منشورات الجمل، وهى منشورة فى بغداد وبيروت معاً 2015، وكانت دار الجمل التى يمتلكها الشاعر والمثقف العراقى المعروف: خالد المعالى تعمل من ألمانيا، ثم انتقلت إلى بيروت ثم عاد صاحبها لبلده الأصلى العراق، ورغم الانتقال مرتين من ألمانيا، الأولى إلى بيروت والثانية إلى بغداد، فإن صاحب الدار حاول الحفاظ على مستوى ما ينشره. وإخراج الكتب لم يتغير وظل كما هو يحمل شخصية الدار.

صاحب الرواية: جيلبرت سينويه، روائى فرنسي. مولود بالقاهرة، 1947، درس بمصر ـ كما يقول التعريف المنشور مع الرواية ـ ثم أكمل دراسته الموسيقية بباريس، حيث تحصل على شهادة الأستاذية فى آلة القيثارة. صدر له: ابن سينا، أو الطريق إلى أصفهان، رواية، 1999. المصرية، رواية، 2005، ابنة النيل، رواية، 2007. اللوح الأزرق، رواية، 2008، إخناتون، رواية، 2011. الفرعون الأخيرة، رواية، 2012. أنا يسوع، رواية، 2012. بريفان، رواية، 2012. صمت الآلهة، رواية، 2015.

أى أننا إزاء روائى غزير الإنتاج. تدور أعماله الروائية حول موضوع واحد. مصر وأهل مصر. سواء فى زمننا المعاصر أم فى التاريخ القديم أو الحديث. ومصدر اهتمامى بهذه الرواية أنها تدور حول السنوات التى تلت حرب فلسطين، 1948، وتمتد حتى رحيل عبد الناصر عن الدنيا. أى أن الرواية تغطى أكثر من ربع قرن من تاريخ مصر الحديث. عشناه وعاصرناه، وتابعنا وقائعه وهى تحدث. ثم لحقنا بها من خلال من كتبوا عنها، سواء كتابة انحياز أو تصفية حسابات، والله أعلم.

والروائى يهدى روايته إلى روبير سرسق، ويصفه بأنه الصديق الذى «مكنتنى حواراتى معه من أن أرى مصر فى صورة كانت قد توارت عنى وهذا معناه أن الرواية ناتجة عن حوارات مع صديق. أكثر من كونها جاءت من قراءات ودراسات ومحاولات لاستحضار التاريخ. وهى مسألة ليست سهلة على روائى لا يعيش فى البلد الذى يكتب عنه. وربما لم يعاصر الأحداث التى يتناولها.

لا يتصور أحد أننى أخذت موقفا ضد الرواية من البداية، فثمة بعض التعبيرات أعجبتنى وتوقفت أمامها. فهو يقول فى المقدمة: المجتمع المصرى قُدَّ من صبر. ويتحدث عن نفسه وعن مصر، فيقول: أنجبتنى مدينة حبلى بالنور، يعبرها وئيداً نهر عنيد. ولدت بين دفتين خصبتين تصارعان الصحراء منذ زمن بعيد.

ويستطرد هذا هو المكان الذى تبقى فيه الطبيعة حية بالصدفة بين ظلال متناثرة على نحو غامض. وبالصدفة أيضاً تلقح الريح مدن الواحات. ولدت من طمى خصبه فى كل شيء، من بلد صيفه أبدى جاءت به الآلهة ذات مساءٍ فى الأزمنة الغابرة. تاركة فى سفوح الكثبان آثارها الباهرة. ومنذ ذلك الحين يرقد حورس وحرماخيص وماعت وغيرهم من الآلهة فى وادٍ ملكى لم يعد له وجود فى الحاضر، بينما يبحث أبناؤهم القذرون بيأس عن آخر بحيرة مقدسة.

طبعاً لم يعجبنى أن يصف المصريون المعاصرون بالقذارة. خصوصاً أن هذا الوصف يأتى فى المقدمة وليس فى متن الرواية، ولم يأت على لسان أحد الأبطال، أو فى الجمل الوصفية التى يستخدمها الكاتب لتقديم روايته. ومثل كل من كتبوا عن مصر من الغرباء أو الذين عاشوا فيها وتغربوا عنها. فلا بد أن نقابل لورانس داريل فى المقدمة.

يحكى عنه أن داريل لم يعد له وجود. وإذا كانت واجهة فندق صقلية المزخرفة لاتزال تطل على البحر، فإن الفندق لم يعد هو نفسه فندق صقلية. وذابت جوستين وبلتازار وكيليا تحت حرارة الشمس. ثم سالت على الأسفلت. والأسماء السابقة هم أبطال رباعية الإسكندرية التى كتبها داريل على شكل رواية أصوات. وكانت فتحاً فى الكتابة الروائية وقتها.

هذه الرواية لا تعد رواية تاريخية بالمعنى الحرفى لهذه التسمية. فهى رواية فيها من الواقع وفيها من التاريخ. المشكلة أن الروائى كان انتقائياً فى اختياراته سواء من الواقع أو عند تعامله مع التاريخ. والفصل الأول من الرواية تجرى أحداثه فى حزيران 1948، وفى حرب فلسطين الأولى نلتقى عبد الناصر ونحن فى الصفحة الثالثة من الرواية.

ورغم أن عبد الناصر البطل الأساسى فى النص. فالمؤلف لم يعن نفسه بتدقيق تاريخ ميلاده. ففى صفحة 16 يكتب:

- هنا رأى عبد الناصر النور يوم السادس عشر من يناير، كانون الثانى من سنة 1918.

لكنه يناقض نفسه فى صفحة 39 من نفس الفصل. يحكي:

- بدا كل شيء فى الواقع مساء يوم من أيام يناير، كانون الثانى سنة 1938، اليوم الخامس عشر منه.

وهنا نتوقف أمام خطأين. الأول: أن عبد الناصر ولد سنة 1918، والثانى أنه ولد فى الخامس عشر من يناير، وليس السادس عشر كما قرأنا من قبل. وأعتقد أن الخطأ فى تاريخ ميلاد بطل بحجم عبد الناصر سواء اليوم أو السنة، مسألة يجب ألا يقع فيها روائى مهما تكن المبررات. صحيح أن الرواية قطعة من الخيال الإنساني. ولكن مادام أنها ذكرت بشراً رأيناهم فى الحياة. لا بد أن تلتزم بتواريخهم الحقيقية. وهذا يتطلب جهداً ضخماً من الروائي.

يكتب أن جمال عبد الناصر عندما كان طالباً فى الكلية الحربية. قرأ كتاب: طبائع الاستبداد، لعبد الرحمن الكواكبي. واستمارة الاستعارة التى كان يستخدمها عبد الناصر عندما كان طالباً فى الكلية الحربية ما زالت موجودة. رجع إليها من أرخوا له من الكتاب المصريين والأجانب. وأعتقد أن الكاتب الفرنسى المعروف جورج فوشييه، نشر قائمة الاستعارات.

هل يستحق الأمر الاستكمال؟!.

لمزيد من مقالات يوسف القعيد;

رابط دائم: