رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

«الفيس بوك».. شخصية العام !

لو أنك أردت أن تختار أحدًا، ليكون شخصية العام، لسنة 2016 ، فمن تختار؟ ما رأيك فى أن نختار- أنا وأنت- «الفيس بوك»، ليكون هو تلك الشخصية؟ وإذا سألت: ومَن يا ترى سيكون الوصيف؛ صاحب المركز الثاني؟ فما رأيك أن نختار – أنا وأنت- قرص «البانادول»؟



ولا شك، فى أن ثمّة معايير وحيثيات، سنقدمها، لتبرير هذا الاختيار، إذ أن من المعروف، أن هناك دائمًا معايير للاختيار ( أى اختيار)، وطبعًا لن يكون هناك معيار، أفضل من مدى التأثير الذى تركه هذا الذى تم اختياره، على المجتمع والناس.. فهل لديك من هو أكثر تأثيرًا فينا – نحن المصريين- من «الفيس»؟

هيا نرصد الحيثيات. إن الفيس- أولًا- جعل من كل واحد منا، سياسيًا مفوّهًا، وعالمًا دينيًا يُفتى فيما يعلم وما لا يعلم، وناقدًا رياضيًا يضع الخطط للمدربين، ويشرح للعيبة كيف يلعبون، وللحكام كيف يُحكّمون.. بل ووصل الأمر إلى اعتقاد البعض منا، أنه قادر على توبيخ كبار مسئولى الدولة أنفسهم، وفى هذا إحساس هائل بالحرية، يجعل الناس ينفسون غيظهم، ويفشّون غلّهم، حتى لو كانت «فشّة الخُلق» تلك، ستنزل على «مافيش»!

والفيس- ثانيًا- منح الفرصة للفشّارين، والسوفسطائيين ( أى الذين يثرثرون فيما لا يفهمون)، وبادى الرأى ( أى الذين لا رأى لهم)، للتحقق وتهويمات الشهرة، والوقوع فى خديعة أنهم مثقفون، وهذا، وإن بدا للوهلة الأولى، نوعًا من أنواع الضرر، إلا أن فائدته الوحيدة، أن هؤلاء، من خلال التعليقات والتريقات والاستهجانات، التى ستأتيهم، ربما يتعلمون، فيتوقفون عن الدوشة الكدّابة.. وإن كنا نشك فى ذلك!

فائدة ثالثة للفيس، هى أنه فتح الطريق أمام الصبية، والعيال، بل والأطفال، ليتابعوا ما يكتبه الكبار، ومن ثم تزول الفجوة بين الأجيال، ويعرف كلا الفريقين كيف يفكر الآخر. وهذا أمر شديد الأهمية، نظرًا لفشل الإعلام التقليدى عندنا، فى الوصول إلى تلك الفئة، حيث الإعلام محبوس فى بحثه اللاهث عن الإعلانات، والترافيك، وزيادة المشاهدة، على حساب تثقيف الجيل الجديد، بحق وحقيق.

ورابعًا، نجح الفيس، فى الفصل بين المرء وزوجه، ولو لبعض الوقت. كيف يعنى؟ وهل ذلك نعمة أم نقمة؟ الأمر نسبى، وما تراه أنت نعمة، قد يشوفه شخص آخر نقمة.. والعكس!

يا سيدى.. ألا ترى إلى الزوجة تمكث طوال النهار، مستريحة تحت البطاطين، وبين كفيها المحمول، وتروح تقلب المفاتيح، ذات اليمين، وذات الشمال، وقطتها باسطة ذراعيها بجوارها، بحثًا عن طبخة جديدة، أو عن فستان على الموضة، أو حتى عن طرفة أو حكاية تثير لديها الابتسام؟ نعمة تلك- بذمتّك- أم نقمة؟

للوهلة الأولى، قد يبدو أن هذا التأثير سلبى وضار، إلا أن ذلك غير صحيح على إطلاقه، لأن «الفيس»، أبقاه لنا الله، نجح فى إيجاد عالم بديل للزوجات، عن ذلك العالم البليد الممل المضجر، وها هو قد فتح أمام الزوجات، دنيا- سبحان الخلّاق- من المتعة والتثقيف والبهجة، عوضتها عن نمطية الطبخ والكنس.. وغسل المواعين.

و الفيس خامسًا، قلل من فرص الشجار والنكد والنقار، بين الأزواج والزوجات، إذ الساعات الطوال، اللاتى يمضينها هُنّ فى «التمقيق» فى الشاشات المضيئة، جعلتهن تتلهين عن الهتهتة (هات هات هات) للزوج المسكين، وكأن الزوج لا وظيفة له سوى تلبية المطالب التى لا تتوقف.

ثم أن الفيس- سادسًا- حدّ بشكل كبير، من الشجارات بين أفراد الأسرة الواحدة، إذ أن كل واحد منهم، صار مَلهيًا على عينه، فى الغوص فيه، والإبحار فى بحره اللجىّ العميق، بعيدًا عن الباقين، وكأنه يعيش فى جزيرة منعزلة، مليئة بالسحر والأحلام، بل والأوهام. البعض قد يرون فى ذلك تأثيرًا سلبيًا، إلا أنك لو فكرت قليلًا، فسوف تجد الأمر لا يخلو من منافع.

هل هناك بعد ذلك كله، مَن سوف يشكك فى أهمية الفيس فى حياتنا؟ طبعًا لن نتحدث هنا عن التأثير السياسى له، إذ ليس وراء الكلام فى السياسة- الشر برّه وبعيد- إلا التعب، والخطر، ووجع الدماغ، فخلونا بعيد أحسن!

نأتى الآن إلى الـ «بانادول»، تلك الحبّة السحرية، التى نحسب أن الكثيرين منا باتوا لا ينامون، ولا يستيقظون، ولا يرتاحون، فيضحكون ويمرحون، إلا بابتلاعها ابتلاعًا. وسل إن شئت أى صيدلى، عن حجم مبيعاته من ذلك القرص العجيب، الذى- لولا الخوف من اتهامنا بأننا نعمل «دعاية» له- لجعلناه هو شخصية العام.

الصداع المزمن، والقلق المؤرق، والخوف من «بُكرة»، باتت جميعًا من لوازم الحياة الحديثة، نتيجة لانهاكات العمل، (للذين يعملون)، أو لإنهاكات التفكير فى الحصول على عمل، (للذين لا يعملون)، أو بسبب ارتفاع الأسعار، وضغوط المواصلات، والزنقة الخانقة فوق كوبرى أكتوبر، وعلى الدائرى والمحور، أو لفوران الدم بسبب التوك شو، الذى يفتش عن المشكلات بإبرة صدئة، ليقدمها لنا- هنيئًا مريئًا- قبل أن ننام.

بين الفيس، والبانا....( علشان الإعلانات!)، قاسم مشترك أعظم، هو تطبيق أغنية الراحلة فايزة، «خلينا ننسى.. ننسى اللى فات».. فمن منا لا يريد النسيان؟ أليس النسيان نعمة؟ ستسأل: ننسى ماذا بالضبط؟ والإجابة: «والله ما انا فاكر!». لكن على كل حال، سيظل كلاهما، من أهم النعم التى أفاءت بها الحضارة الحديثة علينا.

لكن تبقى مشكلة واحدة، هى أن كل شىء زاد عن حدّه، انقلب على الفور إلى ضِده، وبالتالى، حبذا لو أننا نظمنا التعامل مع شخصيتى العام هاتين، وإلا لتحول الأمر إلى إدمان.. كفى الله السامعين والقارئين شرّه.

لمزيد من مقالات سمير الشحات

رابط دائم: