رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

نحن أولى من تريزا ماى

عندما تلقيت دعوة من مملكة البحرين الأسبوع الماضي، لحضور القمة الخليجية، لم يكن بخلدى أنها ستكون مغايرة أو استثنائية عن القمم السابقة، ولكن عنصر المفاجأة منذ الساعات الأولى للحضور والمشاركة فى هذه القمة، كان بمجرد وصولى إلى المنامة، حيث الإعلان المفاجئ عن زيارة ومشاركة تريزا ماى رئيسة وزراء بريطانيا فى أعمال هذه القمة، حيث توقعت مع الكثير أن تغييرا ما سوف يحدث فى هذه القمة وربما لن تكون قمة تقليدية مثل سواها من القمم السابقة، وأنه ربما هناك ما يحضر فى المطبخ السياسى الخليجى هذه المرة وإلا ما كانوا استدعوا رئيسة الوزراء، ووفروا كل هذه الحفاوة منذ الساعات الأولي، حيث إنها المرة الأولى التى يُدعى فيها زعيم غربى أو عالمى لحضور مثل هذه القمم التى ظلت مغلقة على دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناءات قليلة لا تذكر.

ولكن عليّ أن أعترف أن توقعاتى مثل القليل غيرى كانت فى محلها، حيث سبق عقد القمة الخليجية الرسمية بحضور تريزا ماي، اجتماعات ماراثونية مغلقة للأخيرة، سواء بشكل جماعى أو منفصل مع بعض الخليجيين، حيث تبادلا غراما لافتا لتسفر تلك الاجتماعات عن مفاجأة من العيار الثقيل، كشفت النقاب عنها السيدة ماى نفسها، خلال خطابها المتفرد فى أعمال القمة حيث كنت من الكثيرين الذين قد راهنوا على كمون وتراجع الدور البريطانى وتكسير أقدام لندن وقادتها فى الكثير من القضايا الأوروبية وبصفة خاصة العربية والشرق أوسطية، وأن شمس الإمبراطورية التى انطفأت ستظل تخبو سنوات طويلة مقبلة وكانت حجتى فى هذا الشأن هى خروج بريطانيا فى يونيو الماضى من الاتحاد الأوروبي، وبالتالى لن تكون ماى أو غيرها هى السيدة الحديدية الجديدة فى بريطانيا لان الظروف والمعطيات التى كانت قائمة أيام السيدة ثاتشر قد تغيرت واندثرت، كما أن مرجع أحكامى السابقة أن السيدة ماى نفسها لا توجد لها أى امارات أو بركات فى العمل السياسي، ولا تتمتع بالخبرة والحنكة والدراية السياسية والدبلوماسية التى تؤهلها لقيادة بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومبعث مواقفى فى هذا الشأن، أنها ستبقى لفترة فى رئاسة الوزراء حتى تجرى الانتخابات المقبلة فترحل وتصبح نسيا منسيا.

لكن والعهدة على رؤيتى وحضورى الشخصى داخل قاعة القمة، ورؤية السيدة ماى عن قرب، والاستماع بإنصات بالغ لكلمة وخطاب رئيسة الوزراء البريطانية المطولة، فقد أصابتنى المفاجأة مثلما أصابت غيري، حيث فوجئ الجميع بخطاب ولغة مختلفة ورؤية طموحة لماى وبريطانيا لتغيير معادلة الحضور والأدوار لبريطانيا فى منطقة الخليج، وكأنها تريد أن ترسل رسالة للجميع داخل القاعة وخارجها، وللعالم أجمع، أنه عليكم أن تعدوا أنفسكم من الآن لبريطانيا جديدة فى الخليج والعالم، وأننا لن نكون مثل أمريكا أوباما المترددة التى خذلت أصدقاءها فى الخليج والمنطقة بمواقفها المؤسفة والمتناقضة والمترددة، وكأنها تقول مباشرة وليس ضمنيا لقادة الخليج: لا تجزعوا من فوز ترامب ووصوله إلى البيت الأبيض، ولا تتوقفوا عند تصريحاته ومواقفه السلبية تجاه الخليج، فنحن سنحل محل أمريكا من الآن فى هذه المنطقة، وقالتها صريحة واضحة دون مواربة، استعدوا حيث سننشر الأساطيل والقوات البريطانية بكل ما نملك من قوة وعتاد وذخيرة داخل الخليج، وسنضاعف الجهد والإمكانات المهولة لبريطانيا.

ولم تنس أن تداعب خيال وعقول قادة وشعوب الخليج، عندما حذرت إيران بشكل مباشر وحاد، من مجرد التفكير أو حتى الإشارة بعد الآن لتهديد أو الاقتراب من دول الخليج، وكأنها تخاطب قادة إيران وجنرالاتها العسكريين من أصحاب الأقوال المنفلتة تجاه الخليج طيلة الأسابيع والأشهر الماضية، إن مثل هذه التهديدات من طرفكم وتلك المنزلقات الكلامية تجاه الخليج قد أصبحت من الماضى وعليكم أن تضعوها خلف ظهوركم، حيث القوة والأساطيل البريطانية والحضور الدائم العسكرى الجاهز من الآن، سيكون جاهزا للتعامل مع مغامراتكم، وذكرتهم السيدة ماى فى طهران قبل تذكير قادة وشعوب الخليج أنفسهم، أنه سيتم تدعيم القاعدة البحرية فى المنامة وسيكون هناك وجود عسكرى بريطانى دائم ومحورى من وزارة الدفاع فى دبي، وكل ذلك من خلال تكريس استراتيجية عسكرية وأمنية دائمة بريطانية ـ خليجية فى الخليج، حيث اعترفت أن بلادها قررت إنفاق أكثر من ثلاثة مليارات جنيه استرلينى على الوجود والتعاون العسكرى مع الخليج.

ويبدو أنها لم تنس فى المقابل، أن تداعب شهية الجانب الخليجى بإحداث الطفرة المرتقبة والمقابلة فى التعاون الاقتصادى والاستثمارى والتجاري، حيث حجم التعاون فى هذا المجال يبلغ أكثر من 30 مليار جنيه استرلينى بين الجانبين حاليا، لكنها طالبت فى المقابل بأن يتسع ويتضاعف مثل هذا الرقم إلى أضعاف مضاعفة مذكرة إياهم بأن المستقبل لهم سيكون الاقتصاد الإسلامى لأجلهم وحدهم فى بريطانيا، حيث بلا شك حصلت على الضمانات والتأكيدات بأن استثمارات وأموال الخليج ستكون فى الحضن البريطانى من الآن وبالطبع سيكون كل ذلك نكاية فى التهديدات الإيرانية التى لمستها أنا عن قرب، انها تشكل الهاجس الأكبر والهم الأوحد للمواطن الخليجي، ناهيك عن الرد على تفوهات ترامب العدائية فى أثناء حملته الانتخابية ضد دول الخليج، ولسان حالهم يقول لن نحزن أو ترتعش فرائصنا لوصولك إلى البيت الأبيض، فها هو الحليف البريطانى القديم قد عاد وسيتولى المهمة من جديد، وسيحصل على الثمن ومعها سنجنى الثمار وبالتالى فلا حاجة لتهديداتكم أو ابتزازكم، فالساحة كبيرة ومفتوحة وقد حان تبديل الأدوار من أجل الحفاظ على الحدود فى إقليم باتت أكبر مشكلاته الآن أزمة تغيير الحدود والأدوار.

من جانبي، لابد عليّ أن أعترف بأن الإحساس بالغيرة قد تملكني، إذ كيف تحضر تريزا ماى وتقطع كل هذه الآلاف من الأميال وتعقد مثل هذه الصفقات وتحصل على كل الوعود والأموال المرتقبة فى خزائن واستثمارات بريطانيا.

كنت ومازلت أتمنى أن يصحح مسار العلاقات المصرية ـ السعودية، وأن تخلص دول خليجية النية الحسنة تجاه مصر، وأن يكون هناك تفكير مصرى وخليجى فى انضمام مصر بقوتها وحجمها وعتادها إلى مجلس التعاون الخليجي، ولو كعضو مراقب لفترة قصيرة، ثم كعضو كامل قريبا، وأن تقوم بأدوار اقتصادية واستثماراتية وعسكرية لو احتاج الأمر وقتا ما مع الدول الخليجية، حيث إنه لا مشكلة لدى الخليج إلا مع إيران واستفزازها، ومصر تستطيع أن تكون حائط صد لدول الخليج مقابل تعاون اقتصادى واستثمارى بمروحة واسعة، هل نفكر جديا فى مثل هذا الطرح؟.

لمزيد من مقالات أشرف العشري;

رابط دائم: