رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

كيف يُصنع القرار فى مصر ؟

درست فى السنة الثانية الجامعية، وليس فى معاهد إعداد القيادات العليا، النموذج الرشيد لصنع القرار وخطواته،

ومن أهم هذه الخطوات أن تُقتل البدائل المختلفة لصنع القرار بحثا ثم يُختار أفضلها، لكن ما يحدث عندنا يبدو أنه يسير فى الاتجاه المعاكس بمعنى اتخاذ القرار أولاً ثم استيعاب ردود أفعاله التى قد تؤدى إلى تعديله أو حتى إلغائه، وهذا منطقى مادام أن دراسته لم تكن كافية منذ البداية مع أن الدراسة الشاملة المتوازنة الموضوعية يجب أن تسبق اتخاذ القرار، خاصة فى ظروفنا القاسية الراهنة التى تجعلنا فى غنيً عن تحمل تداعيات سلبية لقرارات غير مدروسة ، وللأمانة فإن هذه الظاهرة تعود على الأقل إلى السنوات الأخيرة من حكم مبارك ، وآخر حلقات هذه السلسلة التى تُشير إلى أننا أصبحنا أصحاب نموذج خاص فى صنع القرارات هو قرار إعفاء الدواجن المستوردة من الجمارك ثم إلغاؤه بعد أسبوع على إصداره، وقد خفق قلبى خشية تداعيات القرار عندما قرأته وأنا المواطن غير المتخصص ، لكن البديهيات أثارت عندى على الفور أسئلة مشروعة عن تأثيرات القرارعلى الصناعة الوطنية للدواجن التى ذكرنا اتحاد منتجيها بأن استثماراتها بلغت 65 مليار جنيه وأن مليونين ونصف المليون يعملون فيها، وهى تفى باحتياجاتنا من الدواجن بنسبة 90% ومن البيض بنسبة 100% ، ومعنى انهيار هذه الصناعة خراب للمستثمرين والعمال معاً بالإضافة إلى الضغط على موارد الدولة الضعيفة من العملة الصعبة لاستيراد البديل المستورد بما قد تصل تكلفته إلى ثلاثة ملايين دولار فى هذا الوقت العصيب .

ومن الواضح أن الاعتبارات السابقة لم تُؤخذ فى الحسبان قبل إصدار القرار بدليل ردود الأفعال القوية الغاضبة لاتحاد منتجى الدواجن وسعيهم الفورى للاتصال بالجهات المعنية وصولاً إلى رئيس مجلس الوزراء ، وقد بررت الحكومة قرارها بالحرص على مصلحة المستهلك لأن سعر الدواجن سوف ينخفض بسبب هذا الإعفاء الجمركي، لكن خطر القرار على صناعة الدواجن المحلية كان ينبغى أن يؤخذ فى الاعتبار، كما أنه من الغريب أن ننفق الملايين على الحملات الدعائية لتشجيع المنتج المصرى ثم نتخذ قراراً، كهذا مع أنه لو كانت المسألة هى التخفيف عن كاهل المواطن لأمكن الوفاء بها بمزيد من التسهيلات للصناعة المحلية، لكن الأخطر هو ما يُشير إلى لوبى المستوردين ودوره فى القرار، وأذكر أن د. يوسف بطرس غالى وزير المالية فى عهد كان يطلق يد أصحاب الأعمال ويُشركهم فى السلطة قد حذر يوماً من هذا اللوبى وصعوبة التصدى له ، وقد قرأت فى هذا السياق تصريحاً أعتبره خطيراً للسيد أحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف التجارية فى «المصرى اليوم» يوم 2 ديسمبر يقول فيه حرفياً «بعد تحرير الجنيه كانت هناك مخاوف من نقص المعروض من البروتين فضلاً عن دخول الشتاء وما يصاحبه من مشكلات خاصة بأنفلونزا الطيور ، وقد أخطرنا الحكومة بالأمر فدرست الموقف واتخذت القرار من منطلق حماية المستهلك»، وأعتقد أن الأمر واضح تماماً وهو أن القرار بدأ من اتحاد الغرف التجارية دون أن يُستشار فيه اتحاد منتجى الدواجن والمعنى لا يحتاج شرحاً .

والمشكلة كما سبقت الإشارة لا تتعلق بقرار وإنما بنموذج لصنع القرار واتخاذه، ولعلنا نذكر جميعاً قرارين مماثلين فى يومين متتالين فى نهاية أغسطس الماضى أولهما يتعلق بحظر استيراد أى أقماح مصابة بأى نسبة من فطر الأرجوت مع أن المعايير الدولية تسمح بنسبة خمسة من مائة % وبعد صدور القرار بثلاثة أيام طرحت هيئة السلع التموينية مناقصة لاستيراد أقماح فلم يتقدم لها سوى عرض واحد، وألغيت وقاطع موردو القمح مناقصات الهيئة وفرضت روسيا كإجراء عقابى حظراً على استيراد الخضر والفواكه المصرية ثم تراجعت الوزارة بعد ثلاثة أسابيع بعد أن كانت تؤكد أن التراجع هو رابع المستحيلات ، أما القرار الثانى وصدر بعد الأول بيوم عن مجلس التعليم ما قبل الجامعى وقضى بإلغاء امتحانات منتصف الفصل الدراسى على أن تُستبدل بها امتحانات شهرية ، ويتساءل المرء عما إذا كان هذا المجلس يعرف شيئاً عن ظروف التعليم فى مصر أصلا ، وبعد الصدور بيومين تراجع المجلس بدعوى عدم التعجيل بإصداره لإجراء سلسلة من الحوارات المجتمعية، والسؤال لماذا لم تُجر هذه الحوارات قبل صدوره ؟ وفى الشهر الماضى احتج أهلنا فى النوبة على طرح أراضى منطقة خورقندى للاستثمار فى المزاد ضمن المشروع القومى لإصلاح المليون ونصف المليون فدان ، ووصل الأمر إلى اعتصام وإغلاق طرق إلى أن صرح رئيس مجلس الوزراء بأن الأولوية لهم ، والمشكلة أن هذا النموذج لصنع القرار يُفقد القرار صدقيته ويُسَهل الاجتراء عليه ولو بالباطل ويشكك فى كفاءة صانعى القرار ومتخذيه بل إن البعض يصل إلى التشكيك فى نزاهتهم .

تبقى مشكلة تضارب القرارات على الصعيد الوزارى مع القرارات الرئاسية فعقب صدور قرار إعفاء الدواجن المستوردة من الجمارك أصدر الرئيس قراراً برفع التعريفة الجمركية على سلع كثيرة وكان واضحاً من نوعية هذه السلع أن الغرض منها إما تقليل الواردات من سلع غير أساسية أو تشجيع المنتج الوطنى وهو ما يعنى أن القرار الوزارى يسير فى اتجاه معاكس للقرار الرئاسى ، ومن ناحية ثانية من الواضح أن إلغاء القرار جاء تالياً للاجتماع المهم الذى عقده الرئيس مع كبار المسئولين وأوصى فيه الحكومة خيراً بصناعة الدواجن الوطنية، فلماذا يكون الرئيس دائماً مسئولاً عن تحمل أوزار قرارات خاطئة ؟ وألا تحتاج هذه الظاهرة إعادة نظر فى معايير اختيار المسئولين وتدريبهم على النموذج الرشيد لصنع القرار ؟

لمزيد من مقالات د. أحمد يوسف أحمد

رابط دائم: