رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

حكومة فى الليل ..وحكومة ثانية فى النهار!

أغلب الظن أن جناب المحافظ (الفهلوي)قد غاب عنه الوعى بفلسفة نزول المحافظ الى ألأسواق، والمشى بين الناس، والاستماع لمشاكلهم ، وعندما أصدر الرئيس الأسبق مبارك قرارا بمنح المحافظين بعض سلطات رئيس الجمهورية كل فى دائرة ولايته كان ذلك تحصيلا حاصلا وإعادة أمور إدارة سلطات الحكم إلى نصابها، فقد كانت القاعدة فى زمن الحكم الجمهوري، أن ينزل الحاكم إلى الناس، ويستمع لقضاياهم،وكافة انفعالاتهم سواء بالهتاف والتمجيد أو بالشكوى من سوء الخدمات والغلاء. وهذا هو ما ميز الحاكم الوطنى لمصر عن الحكام الأجانب.

فقد مر أكثر من 2000 سنة خضعت فيهامصر لحكم «الآخر» ـ الهكسوس والفرس والرومان وامتدادهم البيزنطى الذى استمر حتى سنة 640 ميلادية ـ ظل تأثير الحاكم فى المصريين تأثيرا سطحيا وقشريا ، ووصف الدكتور محمد السيد سعيد فى كتابه (حكمة المصريين) هذه العلاقة بالقول: لم يخضع للحاكم سوى تلك الفئة من المصريين المرتبطة بدوائر الحكم والمؤسسات الرسمية فى العاصمة وبعض المدن، على حين بقيت جماهير المصريين تعيش حياتها بمنأى عن الحكم وأهله، لا يتحدثون لغتهم ولا يمارسون عاداتهم أو يأخذون بتقاليدهم، حتى إن الكنيسة المصرية أخذت موقفا معارضا لكنيسة الإمبراطورية البيزنطية ـ دولة الاحتلال ـ مما أدى إلى معاناة المسيحيين المصريين من الأذى والضيق والاضطهاد من جانب الكنيسة الرسمية فى بيزنطة، واستمرت هذه العلاقة بين المصريين وحكامهم ببصماتها السلبية حتى جاء الفتح الإسلامى فرحبوا به، وكان فاتحة لشكل حضارى جديد كان فيه الحاكم (يأكل القديد ويمشى فى الأسواق) مما غير النسيج الثقافى المصرى ومزج بين الموروث الحضارى العريق للفراعنة وما جاء به الإسلام والعرب، وعندما انحرف الولاة والحكام بسبب المطامع الأجنبية والمحلية وماصاحبها من احتلال عثمانى وانجليزى عادت القطيعة شبه التامة بين المصريين وحكامهم حتى جاء ثوار يوليو من بين صفوف جيش المصريين الوطني، وقدم جمال عبد الناصر نفسه بأنه (ابن موظف مصرى بسيط ومن بنى مر)، ولما تعذر على الحاكم أن يأكل القديد بين الناس ويمشى فى الأسواق لظروف يطول شرحها ، كان قرار تفويض المحافظين بعض سلطات رئيس الجمهورية فى حضور الاحتفالات واحياء المناسبات ومتابعة تنفيذ خطط التنمية ، والاستماع إلى هموم الناس وانفعالاتهم وصراخهم وحتى تجاوزاتهم فى التعبير. لكن وبدلا من أن يعطى محافظ بور سعيد المثل والقدوة فى حل المشاكل صارت مهمته توزيع الاتهامات وإصدار الأحكام الجاهزة واتهام أحد الشاكين من الغلاء بأنه إخوان، ويصدر أمره على الهواء لرجاله بأن خدوووه!, وبدلا من أن يأخذ الناس راحتهم أمام المحافظ فى التعبير وعدم الحرج مدفوعين بشعور أنه منهم ووسطهم فى الشارع والسوق صرنا نشاهد هذه الرحرحة فى الحديث والخروج عن قواعد الاتيكيت فى حضرة الرئيس عبد الفتاح السيسى وقد شاهدناه يحضر جلسات خلال مؤتمر الشباب ويستمع لعبارات وصراخات مثل (اسكت انت) و(أنا أربأ بنفسي) و(أنا متعلم أحسن ...) ويترجاهم الرئيس بصبر (من فضلكم الهدوء)، ويدون ملاحظاته ويرد بالأصول.

أين هذا االصبر مما فعله المحافظ، وهل يعرف سيادة المحافظ أن اتهام أى شخص يشكو من ارتفاع الأسعار ووصول سعر كيلو السكر إلى 14 جنيها بأنه إخوانى هو إعطاء الإخوان الإرهابيين شرفا لا يستحقونه ومكانة صارت مرفوضة بين الناس؟ ..فإذا كان جناب المحافظ ليس على استعداد لتحمل تبعات النزول ـ نيابة عن رئيس الجمهورية ـ للتعرف على المشاكل وتحسسها على الطبيعة ولا يعرف أن الاستماع إلى الناس بداية الحل الصحيح، فعليه ألا ينزل، وليعتمد فى قراراته وتقاريره على بوستات الفيسبوك وتويتات المتوتين ونشرات المتلفزين، وفى هذه الحالة لن يسلم من تطاول ورزالات المذيعيين، ولن يرد على (سيادة) المذيع بحقيقة المشكلة وأبعادها الواقعية التى لم يشاهدها بل سيرد كـ«آخر من يعلم» .. ورد الفعل المتسرع من جناب المحافظ على صراخ المواطن من ارتفاع سعر السكر فيه تسرع باللجوء للأحكام (المعلبة) باتهام مواطنين أبرياء بأنهم إخوان، وهو يشبه الارتباك والتسرع الذى وقعت فيه الحكومة حين طرحت أراضى النوبة القديمة للمستثمرين بعد أن اعطت أهلها أراض بلا مساكن تنفيذا للوعد الدستورى والتاريخى بعودة النوبيين إلى قراهم القديمة، كما لا يختلف عن الارتباك الذى صاحب قرار وقف جنون ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن بحل معلب وهو إعفاء الفراخ المستوردة من الجمارك لمدة محددة وبأثر رجعى بهدف إغراق السوق بفراخ مجمدة، دون أن تجرب الاعتماد على دعم الصناعة الداجنة الوطنية بإعفاء الأعلاف من الجمارك وتشجيع الانتاج المحلى الذى يكفى بالفعل 90% من حاجة السوق.

لكن الفرق بين المحافظ ورئيس الوزراء أن الأول لم يعترف بحقيقة المشكلة، أما الثانى فقد اعترف بحجم المشاكل المتراكمة ويحاول علاج الأوضاع الاقتصادية بقرارات جذرية لكنه حتى الآن لم يعترف بأن هناك حكومة شيطانية موازية تصدر القرارات العشوائية النافذة فى الليل لينفق مع حكومته الساعات وعشرات الجلسات والاجتماعات فى محاولة مضنية للتراجع عنها فى النهار!

لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف;

رابط دائم: