رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

معرض الكتاب وعلاقته بالأمن القومي

ها نحن ندق ناقوس الخطر قبل حوالى شهر من وقوع الكارثة، ورغم أننا اعتدنا وقوع الكوارث خلال العقود القليلة الماضية إلا أن الكارثة هذه المرة ستطول مصر كلها لأنها ستضرب عنوان قوتها الناعمة فى مقتل، فمعرض القاهرة الدولى للكتاب الذى ينتظره رواده من الوطن العربى كله من عام الى عام، أصبح فى مهب الريح بسبب زيادة سعر الدولار وارتفاع ايجاراته على الهيئة المنظمة له وعلى الناشرين، وهذا قد يحول دون المشاركة الواسعة، التى كان يحظى بها المعرض من دور النشر العربية والأجنبية، وصدقونى الكارثة ستكون فادحة لو لم ينعقد المعرض هذا العام، وستكون أفدح لو انعقد ببضعة دور نشر مصرية مما سيحوله على الفور الى معرض محلى لا يختلف عن معرض مكة أو صفاقص أو أم درمان.

لقد بلغ عدد الدول المشاركة فى المعرض فى العام الماضى 35 دولة، من بينها 24 دولة عربية وأفريقية و11 دولة أجنبية، وكانوا ممثلين بـ850، نعم ثمانمائة وخمسون ناشرا، من بينهم 250 ناشرا عربيا و550 ناشرا مصريا، أما عدد رواد المعرض فقد بلغ ما يقرب من 2 مليون زائر.

ان معرض القاهرة الدولى للكتاب لمن لا يعرف، هو عنوان القوى الناعمة المصرية التى تصدعت وتهاوت بعض صروحها على مدى السنوات الأخيرة، فقد تراجعت السينما ابتداء من سنوات السبعينيات، كما تراجع المسرح، وتمت محاصرة الفكر، وتعثرت صناعة الكتاب، لكن ظل معرض القاهرة الدولى يأتى كل عام بزخمه الذى لا تنافسه أى تظاهرة ثقافية أخرى فى الوطن العربي، ليُعطى للثقافة فى مصر قبلة الحياة السنوية التى تبقى ثقافتنا على قيد الحياة، ولتذكر بأن مصر مازالت عاصمة الثقافة العربية، وأن قوتها الناعمة التى غزت بها العالم على مدى التاريخ، قد تعانى من الهزال فى بعض فتراتها، لكنها أبدا لا تزول ولا تموت.

ان أكثر جماعة كارهة للثقافة وهى جماعة الإخوان لم تستطع حين سيطرت على مقدرات البلاد أن تضرب معرض الكتاب أو تلغيه، فقد استخدمت السلطة التى آلت إليها فى فصل مديرة الأوبرا ووصف اتباعها أرقى الفنون، وهو فن الباليه، بأنه »فحش« تمهيدا لإلغائه ولإغلاق دار الأوبرا، كما دعوا لطمس معالم تماثيلنا الأثرية، وهدم الأهرامات وأبو الهول باعتبارها أصناما، ووصفوا أدب نجيب محفوظ بأنه »أدب بيوت الدعارة وغرز الحشيش«، لكنهم لم يجرؤوا على المساس بمعرض الكتاب لإدراكهم لأهميته وتصورهم أنهم يستطيعون توظيفه لنشر فكرهم المعوج على الملايين التى تؤم المعرض كل سنة من مصر وسائر أقطار الوطن العربي.

لكن ها هى وزارة تابعة لحكومتنا الرشيدة ترفع سعر ايجار تلك الأرض الفضاء التى تفتقر لكل أنواع الخدمات الى سبعة ملايين جنيه، على وزارة الثقافة أن تدفعها من أجل استئجار تلك المساحة الجرداء خلال فترة إقامة المعرض، وهو ما يعنى بالتبعية، أن الإيجارات التى ستفرضها الوزارة على المشاركين ستزيد هى الأخرى بشكل جعل بعض الناشرين المصريين والعرب يعيدون النظر فى جدوى مشاركتهم فى المعرض هذا العام.

إن المقارنة بين سعر ايجار المتر المربع فى معرض القاهرة الدولى للكتاب بالمقارنة بأسعار المعارض الأخري، أصبح فى غير صالح معرض القاهرة، وهو ما لا يشجع الناشرين على المشاركة، خاصة إذا كان سعر الكتاب سيزيد أيضا نما يجعله فى غير متناول جمهور المعرض، يضاف إلى ذلك أن المعارض الأخرى تقدم تسهيلات كبيرة للناشرين، كما تقدم الخدمات الأساسية التى لا يقدمها معرض القاهرة، ويكفى أنك لا تجد حتى دورة مياه واحدة فى هذه الأرض الجرداء التى يحولها المعرض الى مركز إشعاع ثقافى طوال مهرة انعقاده.

ثم ان معرض القاهرة الدولى للكتاب هو المتنفس الوحيد للشباب المحبين للاطلاع والمتطلعين للمعرفة، ومن ثم فهو سلاحنا الحقيقى فى مواجهة التطرّف الفكرى والإرهاب، فكم بُح صوتنا بالقول وإعادة القول إن الثقافة والفكر والإطلاع هى أسلحتنا الأولى فى تلك المعركة الضارية التى نواجهها الآن، والتى لا يكفى فيها التصدى للارهابيين الذين يرتكبون جرائم الاغتيال والتفجير، بأجهزة الأمن وحدها، بينما يظل هناك المعين الفكرى الذى يستقون منه انحرافاتهم الفكرية، ساريا ومتدفقا لا يتصدى له أحد بالفكر الصحيح الذى لا يأتى إلا بالانفتاح على المعارف الانسانية بالثقافة والاطلاع، وقد كان معرض الكتاب هو المناسبة السنوية التى يتحقق فيها هذا بتوفير المعرفة بأسعار مخفضة تعود فترتفع من جديد بعد انتهاء أيام المعرض.

إن الإحصائيات الرسمية لوزارة الثقافة، تشير إلى أن النسبة الأكبر من رواد المعرض والتى تمثل 29% من رواده فى العام الماضي، كانوا من الفئة العمرية التى بين 18 و30 سنة، والفئة التالية ونسبتها 22% فكانت ما بين 30 و39 سنة، أى أن رواد المعرض الحقيقيين هم تلك الفئة العمرية المستهدفة من فكر التطرّف الدينى الذى أوصلنا الى مرحلة الإرهاب، وهى التى تتعالى الأصوات بضرورة التواصل معها وفتح سبل المعرفة أمامها، وتلك قضية قومية غاية فى الأهمية، وإنه لمن العجيب حقا أن تتصدى وزارة الثقافة وحدها لهذه القضية التى تتصل اتصالا مباشرا بأمننا القومى ذاته، وقد كنت أتصور أن تتضافر أجهزة الدولة جميعا لدعم معرض الكتاب، فهو المناسبة السنوية التى تتجلى فيها المواجهة الفكرية الحقيقية لفكر الإرهاب المتطرف، لا أن تعامل الوزارات الأخرى وزارة الثقافة على أنها جهة أجنبية تريد استئجار مساحة المعرض لبيع منتجاتها الاستهلاكية، إنى لا أتصور من حيث المبدأ، أن تفرض وزارة الصناعة على وزارة الثقافة إيجارا لهذا المناسبة القومية، إن هذا الإيجار انما يذهب من أحد جيوب الحكومة إلى جيب آخر دون أى قيمة مضافة، إن مثل هذا الإيجار سيدفعه فى النهاية المواطن البسيط الذى سيحمل بأسعار جديدة للكتب لا قبل له بها؟ إن المصلحة القومية العليا للبلاد تقول بأن يتم إعفاء وزارة الثقافة تماما من مثل هذا الإيجار، بل وإعفائها من كل ما يدخل فى إطار التصدى لفكر التطرّف والارهاب، فإن استمرار، بل وانتعاش، هذه التظاهرات الثقافية، وفى مقدمتها معرض القاهرة الدولى للكتاب، يجب أن يكون هدفا أعلى للحكومة ككل، لعلاقتها بواحدة من أهم قضايا الأمن القومى المصرى فى هذه المرحلة الدقيقة التى تمر بها البلاد، أو هكذا ينبغى أن تكون.

[email protected]
لمزيد من مقالات محمد سلماوى

رابط دائم: