رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

صناعة الحرب

في الحروب الأهلية، لا غالب ولا مغلوب، الفائز الوحيد هو من يزود الطرفين بذخيرة المعارك.

الحديث هنا عن الحرب من حيث كونها صناعة، وهو مقام لا محل فيه للسياسة باختلافاتها، ولا نظر فيه للشرعية أين تقع والحق في أي خندق، ولا موضع للصواب من الإعراب، بل هو حديث عن إجمالى المقاتلات والسفن الحربية وحاملات الطائرات والدبابات والمروحيات والقنابل والألغام والصواريخ والقذائف والمدافع الثقيلة والخفيفة والبنادق والمسدسات وذخائر الرصاص التى تم إطلاقها أو تخزينها عبر سنوات خمس شهدت اندلاع الاحتجاجات بالمنطقة وما تلاها من تشرذم وتفكك وصولا للوضع الراهن من الحروب السرطانية المعقدة الأطراف.

ذلك الوضع الراهن الذي يختلف الساسة حول أسبابه ما شاءوا بينما يتفق صانعو الأسلحة على نتائجه دون جدال، هو أن منطقتنا صارت واحدة من أكبر بؤر الصراع المسلح في العالم، منجم ذهب لا ينفد لمن يتخذ من إنتاج السلاح صناعة ومصدر دخل، مزاد عالمي مهيب للأسلحة الأكثر فتكا والأرخص سعرا والأعلى كفاءة، ذلك الذي ينتهي عادة إلى ذراع شاب قد لا يجد قوت يومه، أو مقاتل يعرض أملاكه مقابل علبتين مملوءتين بالرصاص.

تنبئنا هذه الصناعة بحقائق صادمة عن واقع نعيشه لا كابوسا يقض مضاجعنا ليلا أو قصة تحمل من العبر ما نخيف به أبناءنا قبل النوم، لا ذكر هاهنا لآلاف مؤلفة من القتلى والجرحى واللاجئين، فأعدادهم لم تعد تصدم بالاعتياد، وإنما عن أرقام خسائر مفزعة سنظل نتجرع تبعاتها لسنوات مقبلة، عن 614 مليار دولار في 5 سنوات، وعن أسعار نفط هوت لمستويات قياسية لم تصل إليها منذ نحو15 عاما، عن ثمن فادح سيستنزف مستقبلنا أيضا، لا حاضرنا فقط.

تخبرنا صناعة الحرب أن أمريكا وروسيا تربعتا فوق عرش الفائزين بمليارات الدولارات من خزائننا، ناهيك عن دمائنا في سوريا وليبيا واليمن وغيرها، وأن صناعة السلاح بأمريكا فى عهد الرئيس باراك أوباما شهدت ازدهارا غير مسبوق، وأن أسهم مصانع سلاحها الكبرى لم تزل فى ارتفاع بفضل معارك وطننا الأكبر، وأن التقديرات الحسابية البحتة تعطيهم مؤشرات إيجابية للغاية بأن حروبنا لم تضع أوزارها بعد، ولن تفعل فى المستقبل القريب، مالم تحدث معجزة تعيد الجميع إلى رشدهم، وأى معجزة يمكن أن تحدث بعد كل ماحدث؟! وأي رشد بعد أن تلطخت كل هذه الأيدي بكل تلك الدماء؟!

نمت صادرات السلاح الأمريكية خلال فترة رئاسة أوباما وحدها بنسبة 54%، وخلال العام الماضي فقط، باعت أمريكا سلاحا بما يعادل 47 مليار دولار،أعلى معدل في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية، ما أسداه الربيع العربي من فضل لأمريكا لم يسبقه فيه سوى الحرب العالمية، وما حققه أوباما لخزانة بلاده من دولارات على جثثنا لن ينافسه فيه سوى الرئيسين هاري ترومان ودوايت آيزنهاور.

أما روسيا، فبلغ حجم مبيعاتها من الأسلحة 15 مليار دولار خلال الفترة نفسها، الحرب السورية شهدت استعراضا لأحدث طرازات الدب الروسي من مقاتلات السوخوي والدبابات الروسية الأشهر عالميا وصولا لبنادق الكلاشينكوف،حتى إن شركة «روس أوبورو نأكسبورت» تلك التي تدير85% من صادرات روسيا من الأسلحة والمعدات العسكرية، أعلنت تضاعف صادراتها 4 مرات منذ عام 2000.

ستظل خسائر منطقتنا العربية ما دامت حروبنا، وستستمر مكاسبهم مادمت حروبنا أيضا، وبينما الساسة يختلفون في مقار المنظمات الدولية وقاعات المؤتمرات والفنادق العالمية، والميليشيات تعيث فسادا بانتماءاتها المتباينة، يظل المنتصر الوحيد حتى الآن هو شركة ريثيون بصواريخ التوماهوك، وشركة لوكهيد مارتن بصواريخ الهيلفاير وطائرات المقاتلة إف-35، وشركة بوينج نورثروب جرومان، وغيرها من الشركات الأمريكية، ثم مؤسسة «ماكييف» صانعة الصواريخ الباليستية، وشركة «ألما أنتى» كبرى منتجي الأنظمة الدفاعية المضادة للطائرات، وشركة أورالفاجونزافود عملاق الدبابات القتالية، وغيرها من الشركات الروسية ، ثم السويدية والصينية والفرنسية على ترتيب حجم المبيعات، تلك الصناعة العملاقة المخيفة التي لا يرعبها سوى هاجس واحد .. السلام.

أما عن الإنسان وحقوقه فتلك نقرة أخرى، إذ لا أخلاق في رأس المال كما لا ثوابت في السياسة، وفي نظر صانعي الحروب، من لم يمت بالسلاح مات بالسجائر أو بالمخدرات أو بالأدوية المغشوشة أو بالأطعمة مجهولة المكونات، جميعها مصادر للربح تجعل لموتك ثمنا بدلا من أن ترحل دون مقابل، ولا ذنب عليهم أنك اخترت الطعام رغم جهلك بمكوناته، أواشتريت السجائر رغم وعيك بأضرارها، أو نصحت مرضاك بالدواء لتتكسب من أثاره الجانبية، أو سعيت خلف المخدرات رغم علمك بتبعاتها، أواخترت الحرب رغم إدراكك لكلفتها.


لمزيد من مقالات ◀ أحمد هوارى

رابط دائم: