رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الحماية الاجتماعية والنظرة الأحادية

خلال الأيام القليلة الماضية. وعلى غير المعتاد، عقدت المجموعة الوزارية للعدالة الاجتماعية عدة اجتماعات مكثفة،

الأمر الذى دفعنا للاعتقاد أن الحكومة تسير فى الطريق الصحيح، وتسعى لتدارك الأثار السلبية لسياسة الإصلاح الاقتصادى عن طريق وضع سياسة للحماية الاجتماعية للفقراء ومحدودى الدخل. وهو شرط أساسى وضرورى لإنجاح هذه العملية وخير دليل على ذلك ما تم بالفعل فى الواقع المصرى المعاش عند تطبيق برنامج الإصلاح خلال الفترة (1990-1993) حيث ارتكز على ثلاثة محاور أساسية أولها إعادة التوازن للموازين الأساسية فى الاقتصاد وتحديدا ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة وثانيهما تحرير أسعار العديد من السلع خاصة سعرى الصرف والفائدة ولتلافى الآثار السلبية لهذه السياسة كان لابد من العمل على المحور الثالث وهو التخفيف من حدة الاثار السلبية لهذه السياسات فكان إنشاء الصندوق الاجتماعى للتنمية. وتشير جميع المؤشرات الى ان هذه السياسة قد حققت نجاحات لا يستهان بها إلا اننا لم نستكمل المرحلة الثانية منها وهى الانتقال الى الإصلاحات الهيكلية فى بنية الاقتصاد عموما والقطاعات الإنتاجية (خاصة الزراعة والصناعة) على وجه الخصوص.

فمما لا شك فيه أن السياسات الاقتصاديةالتى يتم تطبيقها منذ فترة قصيرة، تتطلب بالضرورة إجراءات مساندة للفئات الهامشية ومحدودى الدخل،مع إدراك أن الجدل العقيم، حول حتمية تعارض هدفى النمو السريع واعتبارات العدالة، قد انتهى تماما إذ يقدم التاريخ الاقتصادى الحديث، العديد من الدلائل على إمكانية تحقيق هذين الهدفين فى آن واحد. وهى مسألة ليست اجتماعية فحسب، بل هى اقتصادية بالأساس، وذلك انطلاقا من أن السياسات الملائمة للنمو الاقتصادى طويل الأجل، هى تلك التى ترتبط بتحسين توزيع العوائد الاقتصادية على جميع قطاعات وفئات المجتمع.وذلك انطلاقا من كون السياسة الاقتصادية يجب أن تظل فى خدمة الأفراد والمجتمع. فرفع معدلات النمو وحدها ليست كافية لانتشال الفقراء ومحدودى الدخل، إذ يجب أن يكون نموا مواليا للفقراء وموسعا لقدرتهم وفرصهم وخيارات حياتهم، أى ضرورة العمل على إزالة أسباب الفقر، جنبا الى جنب مع التخفيف من آثاره على المدى القصير، وذلك فى إطار يهدف إلى توفير السلع الأساسية والضرورية للمواطنين، خاصة لمحدودى الدخل، بأسعار فى متناول أيديهم.وهنا تشير الدراسات إلى أن عدم العدالة فى توزيع الدخول بالمجتمع قد أدى إلى زيادة الفقر. كما أن النمو الاقتصادى الضعيف مع عدم العدالة فى توزيع الدخول يؤدى إلى زيادة الفقر فى مصر بنسبة 2% سنويا.

ورغم ذلك فقد تبين فيما بعد ان هذه الاجتماعات ركزت على موضوع واحد فقط، وهو كيفية تنقية بطاقات التموين من غير المستحقين، ورغم أهمية هذه المسألة وضرورتها (حيث يبلغ عدد بطاقات التموين نحو 21 مليون بطاقة تضم نحو 71 مليون مستفيد، وهو رقم ضخم بالتأكيد، مع ملاحظة انه يختلف من محافظة لأخرى فعلى سبيل المثال تصل نسبة الفقراء الى المستفيدين من البطاقات التموينية الى 9% فقط فى بورسعيد، ونحو 18% فى كل من الدقهلية والشرقية والقليوبية والإسكندرية، بينما تصل فى القاهرة الى 24%) الا أن المسألة أعمق من ذلك بكثير. خاصة فى ضوء التطورات المجتمعية الجارية الان والتى اثرت بالسلب على شرائح اجتماعية مختلفة،

ومما يزيد من تعقيد المشكلة الأوضاع الحالية للفقراء والفقر فى مصر الذى يوصف بأنه غير عميق، بمعنى أن معظم الفقراء يقعون تحت خط الفقر مباشرة، وبالتالى فإن قيمة المبالغ المطلوبة لتغطية العجز السنوى لهم حتى يتخلصوا من فقرهم ليست كبيرة. ولكن من جهة أخرى، فان هناك شريحة لا بأس بها تقع فوق خط الفقر مباشرة، أى الطبقة الوسطى الدنيا، وهى أكثر حساسية لأى تقلبات تحدث فى الأسعار والدخول ،وأكثر عرضة للانزلاق إلى الفقر حال تغير دخولهم. وعلى سبيل المثال فلو انخفض دخل هؤلاء بنحو 20% سنويا سوف يتضاعف عدد الفقراء إلى الضعف، وسوف يتضاعف مرة أخرى إذا انخفض دخل هؤلاء بنسبة 30%. وهنا تشير نتائج بحث الدخل والانفاق عن عام 2015 والذى يصدره الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء الى ارتفاع معدلات الفقر عموما لتصل الى 27.8% من اجمالى الافراد.

كما أظهرت هذه الدراسات ان هناك نحو20 % من الفقراء ليس لديهم بطاقات تموينية أصلا،وهى المسألة التى ينبغى الانشغال بها ودراسة كيف يمكن ضم هؤلاء الى بطاقات التموين الحالية خاصة ان معظمهم ليس لديهم اى أوراق او مستندات رسمية ولايتعاملون مع الجهاز الإدارى للدولة بأى صورة من الصور.

وبالتالى يجب العمل أولا على إعادة تعريف مستحقى الدعم والوصول به إلى مستحقيه فقط، مع ما يتطلب ذلك من إعادة لترتيب أولويات وأدوات الدعم بشكل يضمن انحيازه للفقراء من ناحية، ويتيح من ناحية أخرى توفير بديل عملى لتخفيف الضغوط المتزايدة على الموازنة العامة. وهكذا يجب وضع القضية فى مسارها الصحيح، وتناولها من منظور أشمل ألا وهو العدالة الاجتماعية. او على الأقل الحماية الاجتماعية.

انطلاقا مما سبق فإن أفضل السبل للتعامل مع هذه المشكلة يتطلب التحرك على محورين، أحدهما قصير الأجل ويرتكز على ضرورة الاستمرار فى سياسة الدعم التى لاتزال تشكل ضرورة ملحة بالنسبة للفقراء، وبالتالى ينبغى العمل على استمراره كمبدأ.والعمل على تعظيم العائد منه،مع التوسع فى برامج الحماية الاجتماعية القائمة مثل تكافل وكرامة ومعاشات الضمان الاجتماعي. والاستمرار فى البرامج الاجتماعية ذات المردود السريع على الفقراء والإسراع بها خاصة تطوير المناطق العشوائية والإسكان الاجتماعى وتطوير عدد من المستشفيات العامة العاملة فى هذه المناطق. مع تشجيع إنشاء المشاريع الاستثمارية فى صعيد مصر، وكلها أمور تتطلب توحيد الجهود المشتتة بين وزارات وقطاعات الدولة المختلفة فى إطار لجنة العدالة الاجتماعية وحدها.

وفى الأجل الطويل يجب التركيزعلى إخراج الفقراء من دائرة الفقر عن طريق إكسابهم المهارات والقدرات اللازمة للحصول على الكسب الجيد والخروج من دائرة الفقر، وهو ما يتطلب اتباع استراتيجية تنموية تركز على النمو الاحتوائى المتواصل. وهى مسألة يجب، أن تتم فى إطار رؤية تنموية متكاملة ومن منظور شامل وواسع يأخذ بعين الاعتبار علاج الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد القومى ويدفع عجلة التنمية إلى الأمام.

لمزيد من مقالات ◀ عبدالفتاح الجبالى

رابط دائم: