رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

فى ذكرى وعد بلفور .. القضية الفلسطينية لن تموت

بين وعد بلفور فى 2 نوفمبر عام 1917 و2 نوفمبر 2016 تسعة وتسعون عاما شهدت خلالها القضية الفلسطينية محطات عديدة وأحداثا مثيرة ما بين حروب وانتفاضات وما بين مبادرات واتفاقات وتفاهمات ضمن مسار السلام,

وخلاصة المشهد بعد ما يقارب قرنا من الزمان هى ضياع القضية الفلسطينية, ولم يعد يتبقى من أرض فلسطين التاريخية سوى 22%, يناضل الفلسطينيون لاستعادة حقوقهم المشروعة عليها, ولم ينته الاحتلال بل قام بفرض سياسة الأمر الواقع وتهويد القدس ونشر سرطان الاستيطان فى الضفة الغربية, ومازال اللاجئون الفلسطينيون بلا أى أمل فى العودة لديارهم التاريخية, ولا يوجد أى أفق واضح لإمكانية حل هذه المشكلة التاريخية المزمنة.

وعد وزير الخارجية البريطانى الراحل أرثر بلفور بوطن قومى لليهود فى فلسطين, أى أعطى من لا يملك لمن لا يستحق, كان بمنزلة النكسة الحقيقية للقضية الفلسطينية, والذى كان بداية لمسار مختلف لضياعها, مر بإعلان الدولة العبرية عام 1949 ثم بنكسة 1967 وضم إسرائيل للقدس الشرقية والضفة الغربية وغزة, ثم مفاوضات مدريد وما تبعها من عشرات المفاوضات والمبادرات السلمية التى تحطمت جميعها على صخرة الواقع الإسرائيلى فى التعنت والمراوغة والعمل على فرض السلام على طريقتها, وأقصى ما يمكن أن تقدمه للفلسطينيين هو دولة منزوعة السلاح أشبه بحكم ذاتى وكانتونات فى الضفة وغزة وليس لها أى مظاهر للسيادة, والتمسك بلاءاتها الشهيرة, لا للتخلى عن القدس الشرقية, ولا لعودة اللاجئين, ولا لتفكيك المستوطنات, وقبل كل ذلك أن يعترف الفلسطينيون أولا بهودية إسرائيل.

عوامل عديدة أوصلت القضية الفلسطينية إلى هذا المآل, أولها, الانحياز السافر للمجتمع الدولى منذ وعد بلفور لمصلحة إسرائيل على حساب الحق الفلسطينى, فالإدارات الأمريكية المتعاقبة وفرت الغطاء القانونى والسياسى لإسرائيل لكى تفعل ما تشاء, سواء عبر استخدام الفيتو فى مجلس الأمن ضد أى قرار لإدانة العدوان والممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والتى تجاوزت الأربعين قرارا, أو من خلال تبنى وجهة نظرها فى عملية السلام ومطالبة الفلسطينيين بتقديم المزيد من التنازلات حتى إنهم لم يعد لديهم شئ يقدمونه, أو رفض الضغط على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لتقديم تنازلات جوهرية وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه فى أوسلو وغيرها. وحتى مشروع خريطة الطريق الذى طرحه الرئيس الأسبق جورج بوش ويعترف فيه للمرة الأولى بحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم ذهب أدراج الرياح, وما زالت مقولة حل الدولتين جملة للاستهلاك وإضاعة المزيد من الوقت ودون آليات واضحة لتنفيذها أو اتفاق على شكل وطبيعة الدولة الفلسطينية, لكنه فى الحقيقة وفقا للمفهوم الإسرائيلى وليس وفقا للحقوق الفلسطينية المشروعة التى كفلتها المرجعيات الدولية وقرارات مجلس الأمن.

الموقف الدولى المتخاذل تجاه القضية الفلسطينية منذ وعد بلفور شجع إسرائيل على تحديها للمجتمع الدولى والشرعية الدولية, وحتى عندما دخل الاتحاد الأوروبى على خط مسار السلام فشلت جهوده فى حلحلة القضية, ولم يعد الموقف الدولى يتجاوز مناشدة إسرائيل بوقف الاستيطان دون أن يحرك ساكنا أو يتخذ موقفا حازما يردعها ويثنيها عن ممارستها العدوانية ضد الفلسطينيين.

وثانيها: ولأن القوة تفرض السياسة والقانون, فقد وظفت إسرائيل موازين القوى العسكرية لمصلحتها لفرض منطقها وتنفيذ مخططاتها التى وضعتها قبل وعد بلفور, وساعدها الغرب فى تفوقها العسكرى سواء بالمال أو الأسلحة, ولم يمتلك الفلسطينيون سوى سلاح الشرعية والنضال السلمى عبر انتفاضة الحجارة والتشبث بالحقوق ورفض التنازل عنها. وثالثها: الضعف العربى الذى زاد بعد ثورات الربيع العربى وانشغال وانكفاء الدول العربية على صراعاتها وحروبها الداخلية وأزماتها السياسية والاقتصادية, وتصاعد خطر الإرهاب وتنظيم «داعش» وأزمة اللاجئين مما جعل القضية الفلسطينية تتراجع فى اهتمامات الأجندة العربية والدولية. ورابعها: الانقسام الفلسطينى بين فتح وحماس وتبدل الأولويات من قضية النضال واستعادة الأرض إلى صراع على سلطة وهمية.

لكن رغم الوضع السيئ الذى وصلت إليه القضية الفلسطينية بعد تسعة وتسعين عاما من وعد بلفور, ورغم الظروف العربية والدولية غير المواتية فإن القضية الفلسطينية لن تموت ومهما كانت قوة الاحتلال الإسرائيلى فمصيره إلى زوال ولن ينجح فى طمس الحقوق المشروعة العادلة للشعب الفلسطينى, وهو ما تؤكده حقائق التاريخ والسياسة, وما قرار اليونسكو الأخير باعتبار القدس تراثا إسلاميا خالصا وقبلها اعتراف العديد من برلمانات العالم بالدولة الفلسطينية التى حصلت على صفة مراقب فى الأمم المتحدة سوى دليل على ذلك. لكن الحقوق تحتاج إلى قوة تحميها وتعيدها, ولعل ذكرى وعد بلفور تكون وقفة حقيقية للفلسطينيين بإعادة المراجعة وإنهاء الانقسام وتوحيد الصف والرؤية والمزج بين المفاوضات والنضال المشروع, وأن تتحرك الدول العربية لأن القضية الفلسطينية ستظل قضية العرب المركزية, والضغط على الدول الغربية خاصة بريطانيا والولايات المتحدة لاتخاذ مواقف واضحة وفاعلة فى اتجاه تحريك عملية السلام وإجبار الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتشددة لإنجاز حل الدولتين وفقا للسلام العادل والشامل. وأخيرا ستظل القضية الفلسطينية حية فى كل ضمير عربى حتى ينال الفلسطينيون حقوقهم المشروعة حتى وإن طال الزمن.

لمزيد من مقالات د.أحمد سيد أحمد

رابط دائم: