رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
ولم يكن سبب الرفض، أن استريب ـ لا سمح الله ـ لا تحب مصر، أو لأنها - مثلاً - تتخذ موقفاً سياسياً ما من البلد، أو لأنهم فى أمريكا، حذروها من خطر الإرهاب، أو تداعيات الموقف الأمني، أو من زحمة المرور على المحور وكوبرى أكتوبر والدائري، أو خافوا عليها من السيول التى ضربت مصر مؤخراً، ما قد يهدد ذيل فستانها بالبلل.. لا، لم يكن واحد من تلك الأسباب هو السبب. كان السبب- صدق أو لا تصدق- أن النجمة الأشهر فى تاريخ السينما العالمية، والحائزة على 3 أوسكار( ورشحت للجائزة 19 مرة)، طلبت 250 ألف دولار، فلما قال لها المصريون: ما عندناش.. مامعناش، قالت: إذن لن تروا وجهى الجميل عندكم! والذين سافروا إلى أمريكا، أو عاشوا فيها، لاشك فى أنهم يعرفون جيداً، أن مبلع 250 ألف دولار، بالنسبة لنجم أمريكى من المرتبة الأولى (مثل ميريل)، لا يعد شيئاً يستحق الذكر، ومن ثم فإن طلب النجمة المرموقة، هذا المبلغ، هو مجرد «رمز»، وإشارة إلى قيمتها ونجوميتها الطاغية. وهى من جانبها- لابد قد همست لنفسها: كيف استكثرتم عليّ هذا المبلغ «التافه»؟.. ألا تعرفون قيمتي؟ لا والله يا سيدة الشاشة العالمية، نحن نعرف قدرك جيداً.. لكننا نحب الدولارات أكثر. نحن يا صاحبة عرش الأوسكار، لدينا الآن للدولار سعران، أولهما اسمه السعر الرسمى (وهو 8.88 جنيه للدولار الواحد)، وسعر آخر- لا مؤاخذة أسود- وهو (نحو 16 جنيهاً للدولار الواحد). ولأن إدارة مهرجاننا الميمون، غالباً لن يعطيها البنك المركزى الدولار بالسعر الرسمي، فإنها حتماً ستلجأ للسوق السوداء، يعنى 16 جنيهاً مضروبة فى 250 ألف دولار، فيكون ما تطلبينه يا جميلة الجميلات، هو نحو 4 ملايين جنيه (حِتّة واحدة)! ستقول: كتير عَليّ؟ أبداً والله. لكن إذا عرفت يا نجمتنا المحبوبة، أن ميزانية المهرجان كلها كلها- أول عن آخر- هى 9 ملايين جنيه فقط، فستدركين كم أن طلبك هذا من رابع المستحيلات. لماذا؟ لأن حضرتك تطلبين ما يعادل نصف ميزانية المهرجان كله، (وباقى المشاركين سيأكلون الزلط!) طبعاً.. ستضحك الست ميريل ضحكتها الخجول الحزينة الموحية، التى تخطف العقل، والتى أتحفتنا بها، فى رائعتها السينمائية الخالدة «جسور مقاطعة ماديسون»، وستميل على أذن مدير أعمالها.. فتهمس له: هؤلاء الناس لا يعرفون كيف يقدمون بلدهم الجميل للعالم.. ولا كيف يقتنصون أى مناسبة متاحة للترويج لسياحتهم، الذين هم فى أمسّ الحاجة إليها الآن. هؤلاء أناس لا يعرفون قدر مصر! معك كل الحق، يا أستاذة فلورانس فوستر جينكينز ( هذا هو اسم الفيلم الذى ستشارك به ميريل استريب فى مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الحالية)، نحن لا نعرف أصول الترويج السياحي، ولا مقادير الناس، ولا لعبة استخراج الفلوس من بطن النملة ! يا ناس.. إن نجمة مثل ميريل استريب، هى تاريخ يمشى على قدمين، ويتتبع عشاقها -الذين هم بالملايين فى كل أرجاء المعمورة- خطواتها، بل وأنفاسها التى تتنفس، ومن ثم، فإنها إن أتت إليكم، فسوف يكون اسم مصر مذكوراً، فى ألف مطبوعة وقناة تليفزيونية وموقع فيس بوك على الأقل. تخيلوا كم كنا سندفع من أموال لنقدم لمصرنا الحبيبة دعاية كتلك الدعاية. يا ناس.. إن صوفى ( وهذا اسم ميريل استريب فى فيلمها الأشهر الذى حازت عن دورها فيه على جائزتها الأوسكار الثانية فى عام 1982 )، سوف تحب بالتأكيد أن تزور الأهرامات، وتصافح جدنا الأكبر أبا الهول، وستلتقط لها الصحافة العالمية تلك الصورة، ثم يتناقلها الأثير، فتراها أعين الناس فى الدنيا كلها، ويتأوهون:«أوووه.. صوفى أمام الهرم فى مصر».. فكم تدفعون لصورة كهذه.. يا بتوع الدولار؟ يا ناس.. وقد يطيب لبطلة كرامر ضد كرامر(وهذا هو اسم الفيلم الذى حازت عنه أول أوسكار لها فى عام 1979 )، أن تتنسم نسائم نيل مصر، فى فلوكة على النيل، فتنقل الصورة كل المحطات الفضائية. قولوا لنا: ألن يصرخ معجبوها: أوووه.. ميريل على نيل مصر( الذى تنازعكم إثيوبيا على مياهه الآن)؟ يا ناس.. إن 250 ألف دولار، ليست شيئاً مذكوراً، أمام الهدر الذى نعانيه فى العديد من مؤسساتنا هذه الأيام. ثم تعالوا هنا: كم يحصل نجومكم الأوائل على أجور فى مسلسلاتنا الفخيمة، التى هزت عروش الدنيا كلها، وجعلت ميريل استريب نفسها، تندم على أنها لم تشارك هؤلاء الأبطال- والبطلات- أعمالهم ؟ إن الواحد منهم- أو منهن- لا يقل أجره عن 30 مليون جنيه(يعنى 2 مليون دولار إلّا شويّة فى عين العدو).. فهل تستكثرون على ميريل 250 ألف دولار؟ يا ناس، ألسنا نسعى الآن إلى إقناع القاصى والداني، بأن مصر آمنة؟ فكيف إذا نظر الأمريكان والروس والإنجليز والإيطاليون والفرنسيون.. وغيرهم.. فرأوا المرأة الحديدية (وهذا هو اسم فيلمها الذى حازت عنه أوسكارها الثالث فى عام 2012 )، أتت تشرب من نيلها؟ ألن تتبدل بمجيئها صور كثيرة مغلوطة عن مصر أم الدنيا؟ يا ناس، نحن لا تأتينا فرصة كهذه كل يوم، حتى لو طلبت مدام جومار (وهذا هو اسم زوجها الفنان الأمريكى دون جومار الذى تزوجها فى عام 1978) مليون دولار فلتأخذها، لكن معلهش.. خيرها فى غيرها.. فكم من فرص قبلها ضاعت! لمزيد من مقالات سمير الشحات