رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

تقرير من شرم الشيخ

«مثل هذا المشهد العظيم لا يحدث إلا فى مصر»، بعد هذا القول اشتعلت القاعة بالتصفيق والحماس. والقائل كان الأستاذ مكرم محمد أحمد الكاتب الكبير، والصحفى القدير، ونقيب الصحفيين لسنوات عدة هو الذى قلب ما بدا

وكأنه شقاق كبير يجرى بين إعلاميين مصريين، وبينهم وبين السلطة السياسية، ودون أن يظن أحد بينهم جميعا وبين مصر التى بدت أولوياتها بعيدة عما يجرى فى قاعة المؤتمرات الكبرى فى شرم الشيخ. ولكن الشيخ الحكيم كان قد وضع إصبعه على لب المسألة كلها، وهى أن خلافات الصحفيين والإعلاميين، وتعليقات رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى على الحوارات الجارية التى غلفتها نعومة تخفى خشونة فجة، وتنبيهه إلى أن الإعلام دون قصد يكلف الدولة أثمانا باهظة فى موضوعات حرجة؛ كل ذلك كان يعكس الحالة المصرية التى تدير حوارا سياسيا جادا فى كل الأحوال وفى وجود الرئيس ومعه كل أركان السلطة السياسية من رئيس مجلس الوزراء وكل الوزراء وعدد من المحافظين، ويجرى كل ذلك دون خوف أو وجل. باختصار كان المشهد كله بكل ما فيه من حدة عاكسا لحالة ثقة بالنفس فى أركان الدولة كلها بحيث تستطيع التعرض لأمور دقيقة يخرج فيها الجميع بلا منتصر أو مهزوم، ولكن المرجح بما يكفى من حقائق ووجهات نظر تجعل ما لدى المرء يستحق بعضا من مراجعة. ما كان يجرى على المنصة عكس سلسلة من المناظرات المهمة، والتى لا أظن أنها من النوعية التى تأخذ الجميع إلى نهاية واضحة تبرز فيها وجهة نظر على الأخري. كانت هناك مناظرة معتادة بين الخبر والرأي، وعما إذا كان على الصحفيين والإعلاميين أن يكتفوا بعرض الحقائق، أو أن من حقهم إبداء آراء سياسية يقوم بها عادة المندمجون فى أحزاب سياسية أو ينتمون إلى اتجاهات أيديولوجية. ولكن المناظرة، من جانب آخر، كانت تخفى بين طياتها مناظرة أخرى بين صاحب الرأى والداعية، حيث الأول يضع وجهات نظره فى كلمات مُحْكَمات تخرج من صاحب الرسالة إلى المرسل إليه فى دقة جراح؛ أما الثانى فإنه واعظ، ومبشر، ومنذر، وحامل رؤية للدنيا والعالم والأرجح الحياة الآخرة أيضا، وكلماته حارقة زاعقة تفزر البشر بين أشقاء وأشقياء.

المناظرة الثالثة الدائرة فى ذات الجلسة للإعلاميين عن دورهم فى التأثير على الرأى العام الشبابى لم تعرف ما يقول به الأجانب عن »الفيل الذى فى الحجرة« فى إشارة إلى موضوع أساسى لا يريد أحد أن يتحدث عنه صراحة، فقد كان ذلك الفيل حاضرا بالفعل وهو السلطة السياسية ولكن تناول أمره هو الذى كان عن عمد مسكوتا عنه. ولتوضيح ما سبق من تعقيد فقد كان المتناظرون منقسمين إلى معسكرين: الأول يرى أن مساندة الدولة ضرورة خاصة وهى تخوض معارك داخلية دقيقة، وأخرى خارجية حرجة، ومن الأوضاع الاقتصادية إلى محاربة الإرهاب؛ أما المعسكر الآخر فهو يرى أن مساندة السلطة لا يكون إلا بمزيد من الحرية والمصارحة والاختلاف بقوة عندما يكون ذلك ضروريا. لم تكن الكلمات هى المعبرة عن هذا الانقسام، فقد ارتدى أقنعة مفاهيم كثيرة أحيانا للتغطية أو التمويه أو كسب المعركة الفكرية باستخدام أصوات مرتفعة أو مقاطعات غير مفهومة أو بالمقارنة مع أمثلة تاريخية لن ينجح أحد فى التأكد من حقيقتها، أو استحضار »المهنية« ـ أيا كان معناها ـ إلى ساحة نقاش عام. وفى لحظات ضرب الرئيس عبد الفتاح السيسى يده كفا بكف لأن سؤالا ملحا بات مطروحا عما إذا كان الإعلاميون لا يستطيعون الاتفاق على شيء، فكيف يمكنهم تنوير الأمة وقيادة خطاها؟

وهكذا فإن مناظرة السياسة سرعان ما باتت مناظرة أخرى عن علاقة كل الأحداث الإعلامية بالوطن وما لديه من هموم التى ربما كانت هى »الفيل الموجود فى القاعة« فى كل الأوقات. صحيح أنه لا يمكن استبعاد نوازع شخصية فى كل التعليقات؛ فذلك من طبيعة الأشياء ومن أهواء البشر الذين أرادهم الله كذلك، ولو شاء لأنزل بالأرض ملائكة. ولكن فى الوقت نفسه إذا ما أخذت الكلمات على مانطقت به، فإنها كانت اجتهادا وطنيا يقترب من اللحظة الراهنة من حياة مصر. هذه اللحظة أدركها الأستاذ النقيب وأمسك بتلابيبها وطرحها فى كلمات وجمل أخاذة ومعبرة بعثت بغصة فى الحلق ودموعا فى العيون. وبشكل ما فإنها وضعت نهاية لحلقة نقاشية بدأت مثل كل الحلقات النقاشية التى جرت فى منتجع شرم الشيخ خلال المؤتمر الوطنى الأول للشباب، ولكنها انتهت بلحظة سياسية مركبة. وعندما أعلن الأستاذ أسامة كمال متنفسا الصعداء نهاية الحلقة بعد توصية من الأستاذ إبراهيم عيسى أنه بعد كلمة الرئيس الختامية لا يجوز حديث آخر، كان قد حقق إنجازا فى القيادة يحسب له. وبشكل ما خرج الجميع من القاعة بعد أن عاشوا لحظة حميمية، وبات عليهم إدراك أن كل المناظرات ممتلئة بمناطق رمادية، ومعابر ليس من السهل عبورها، وفى الواقع فإن نضج البلاد يخلق جسورا وائتلافات كثيرة يصعب تحقيقها فى فترات تاريخية قلقة. وأنا فى طريقى إلى الخروج قالت لى الوزيرة القديرة للتضامن الاجتماعى غادة والى إنها كانت تنتظر منى مداخلة فيما قيل، وأظن أن ظنها بحكم التاريخ الصحفى والإعلامى لأكاديمى ضل طريقه أحيانا إلى بلاط أصحاب الجلالة؛ ولكن الدفع الذى قدمته أن الوقت لم يكن ليسمح بإضا فة، وعلى أى حال فإن السطور السابقة كانت هى ما وددت قوله.

لمزيد من مقالات د. عبدالمنعم سعيد

رابط دائم: