رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
قررت الطيران بأفكارى قليلا لأجد زيف التجارة الكونية بما يسمى «هوس الديموقراطية» هذا الهوس الذى أسقطته عدسات جوجل بالأقمار الصناعية عندما تقدم قرابة الثلاثين مليون مصرى الى شوارع المحروسة ليسقطوا المتأسلمين الذين أوصلتهم صناديق انتخاب مشكوك فى تزوير تذاكر الاقتراع فى مواقع طباعتها . وقالت الملايين كلمتها باسقاط المتأسلمين الدين أخذوا مقعد القيادة فى المحروسة بتذاكر انتخاب مشكوك فى صحتها، ولم يكتفوا بذلك بل أرادوا تحويل عموم المصريين الى عبيد لمكتب الارشاد ؛ وهنا سقطت كرامة صناديق الاقتراع ليعيد الجيش المصرى ترتيب أوراق المسار بعيدا عن أموال قطر وتركيا وضجيج من قيل عنهم أنهم نشطاء ، وكان نشاطهم السياسى يحلم بتحويل مصر الى العراق الذى تم تفكيكه الى طوائف . واختار المصريون طريقهم الى استقلال سياسى أفسد قناع التزوير بادعاء ديمقراطية وصول المتأسلمين الى ادارة دفة المحروسة. وبدا لخيالى أن القوى الغربية قد أدمنت ادارة عالمنا العربى بالريموت كونترول ، فمنذ أن سلم صدام حسين مصيره لرامسفيلد وزير دفاع الولايات المتحدة فباع له أسلحة تم استخدامها لثمانى سنوات فى قتال مع ايران ، وطبعا دفع الخليج ثمن السلاح وفى النهاية طلب صدام حسين الثمن من الولايات المتحدة؛ فجاءته الفكرة القاتلة باحتلال الكويت فكانت بداية مقتله الذى حدث بعد سنوات عاش فيها العراقيون أياما بدا فيها السواد يظلل عليهم ، ثم توالت الأكاذيب ليصل مقتل صدام حسين بالمشنقة . وهو من سبق وأمد خزائنه بعشرات المليارات ثمنا للسلاح وهى مليارات مخصومة من ثروات الخليج ، وطبعا لا داعى للتذكير بهوس آية الله خومينى وضلال أفكاره التى أوهمته أن بامكانه احتلال الخليج . وكان ذلك محرك آخر لمزيد من استنزاف ثروات الخليج بدعوى الدفاع عنه ، سواء بالقواعد العسكرية أو غير دلك من استنزاف بيع حضارة سابقة التجهيز . ولم تتذكر حكومات عالمنا العربى وصية محمود رياض أمين جامعة الدول العربية الدى كتب فى هده الصحيفة نداء للحكومات العربية عام 1974 بألا يأخذوا ثمن البترول نقودا، لسببين أولهما أن الدولارات الموجودة كأرقام فى الحسابات البنكية ليست سوى أرقام لا يسندها رصيد من ذهب كما كان الحال قبل 1971 ، بل هى مجرد أرقام لا يسندها سوى قوة السلاح . طالب محمود رياض عالمنا العربى بأن نأخذ تقدما علميا لأجيال جديدة وأن ندرس أحوالنا ليقل اعتمادنا على غيرنا ، ولم نسمع له ، ولم نقبل تحذيرات ألعقل السياسى البارز محمد حسنين هيكل حين تحدث مع كسينجر عن العالم العربى كنسيج مشترك ، فقال كيسنجر «فلتتحدث عن مصر فقط» فأنهى أستادنا اللقاء؛ وعلم أن انتصار أكتوبر العظيم لن يلحقه انتصار سياسى نتيجة زراعة الفرقة باليد الأمريكية ، وهو ما حدث من بعد دلك . ولعل قمة المهزلة أو المأساة هو ما جرى فى أى انتخابات »ديموقراطية« فى العالم الغربى ، فلم تجر انتخابات فى الولايات المتحدة الا وكان جزء من تمويل حملة أحد المرشحين معتمدة على هبات من الخليج . وكلنا نعلم أن تمويل حملة بيرلسكونى فى ايطاليا اعتمدت على بعض من هبات معمر القدافى ، وحملة انتخابات ساركوزى الفرنسى غرفت من ثروة ليبيا بضعة ملايين ، وداعى الى تذكر أن تونى بلير غرف أيضا من عطايا القدافى . واستمر التنافر العربى موجودا تحت سطح العلاقات العربية العربية ، فمعمر القذافى طال بكلماته بعض حكام الخليج ، وحاكم سوريا شاركه نفس النهج ، أما صدام حسين فقد رحل الى خالقه عبر حبل المشنقة . ورفرفت صيحة مصرية تطلب العدالة الاجتماعية والحرية والخبز ، وأسقطت من فوق قمتها ركود عصر مبارك وفساد توجه المتأسلمين الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا مندوبى الاستعمار عن بعد ؛ ولم يكن يوم الثلاثين من يونيو ثم يوم السادس والعشرين من يوليو سوى رسالة مصرية بحلم ميلاد عالم يؤمن بالمشاركة بين الدول ولا يقبل التبعية . وطبعا طالنا حصار يتشابه مع حصار 1956 فيما قبل تأميم القناة ويتطابق مع خصومة الغرب لنا حتى انتصار أكتوبر الذى لم يحسن العرب استغلاله أو ترجمة معجزته العسكرية الى خريطة مستقبل . وعندما تحرك المصريون فى الثلاثين من يونيو كان وطنهم يلهب رسالته التى حملها من بدء التاريخ ،شعب يعطى مثلا غير مسبوق، أهدى الأمة العربية على سبيل المثال لا الحصر عبر جمال عبد الناصر فكرة عما تملك من امكانات وتلك العبارة الأثيرة للملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود؛ فقد قال لأستاذنا أحمد بهاء الدين «رحم الله عبد الناصر» فقد اعطى هذه الأمة فكرة عن امكاناتها .. ولم يكن غريبا ان يقترب الخليج محتضنا مصر المتألمة فكان عطاء الامارات تطبيقا لما زرعه مؤسسها فى وجدان شعبه وأبنائه محبة مصر ، وارتأت فطنة السياسة السعودية أن ما يدبر لمصر هو كيد مسبق لهدر الخليج ، فاحتضنت متاعبنا ونحن نحفظ استقلالنا الوطنى كخط دفاع عن انفسنا و عن الخليج أيضا . و لم يكن ما جرى فى حوارات الشباب مع الرئيس عبد الفتاح السيسى ليس هو جوهر الديمقراطية، فهل جوهرها هو تلك المسرحية الهزلية فى الانتخابات الأمريكية ؛ حيث تمسك هيلارى كلينتون بتلابيب منافسها ترامب لتكيل اليه فضائح التحرش والتهرب من الضرائب وأى من الاتهامين ان صح أحدهما يمكن أن يخفى صاحبه خلف القضبان لسنوات ، وهو يرد عليها بدعوة العشيقات السابقات لزوجها ؛ فضلا عن حرصه على كشف ما ينقصها من وفاء لأمن بلادها باستخدام بريد الكترونى غير محمى بأجهزة الأمن وفوق كل ذلك تهديد ترامب بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات ان لم ينجح هو، وقد تحدث ترامب بكل وضوح عن اصوات الأموات التى تدخل فى صناديق الاقتراع الإكترونية ؛ مما استدعى الى الذاكرة مشهد آل جور أثناء منافسته بوش الابن مما عطل اعلان النتائج . لقد كان يوم الثلاثين من يونيو تطويرا لفكرة الديمقراطية بدلا من ألعاب الأراجوزات فى سيرك بيرلسكونى أو ساركوزى ومن سبقهما تونى بلير ومن يلحق بهم بعد ذلك من لصوص الأمل من القلوب الشابة فى بلادهم . فلنحترم ما أنجزناه كوطن تعود عطاء العالم ؛ ولنثق فى قدراتنا على صناعة غد آمن مختلف . لمزيد من مقالات منير عامر