رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رسالة الى نيتانياهو.. لا تلعب بالنار

تعهد رئيس الوزراء الاسرائيلى «بنيامين نيتانياهو» بالمشاركة شخصياً فى الحفريات أسفل المسجد الأقصى ، مع دعوة الاسرائيليين للانضمام اليه، بالتزامن مع اقتحام سلطة الآثار الاسرائيلية لمقبرة باب الرحمة الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك، وهدم وتجريف بعض القبور داخلها،

وذلك فى اطار الاعتداءات الاسرائيلية الممنهجة ضد المعالم والمواقع والمقابر الاسلامية التى تضم رفات كبار الصحابة وقادة الفتح الاسلامى كما هو الحال بالنسبة لمقبرة مأمن الله ومقبرة باب الرحمة، فضلاً عن السماح لمئات المستوطنين باقتحام المسجد الأقصى المبارك لاقامة طقوس أو صلوات تلمودية فى ساحة الأقصي، بالتوازى مع استدعاء سفير اسرائيل فى منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو)، وذلك رداً على القرارين اللذين تم اعتمادهما من قبل منظمة «اليونسكو» حول القدس والمسجد الأقصى المبارك، واللذين ينصان على الحفاظ على التراث الثقافى الفلسطينى وطابعه المميز فى القدس، واعتبار المسجد الأقصى وكامل الحرم القدسى الشريف موقعاً اسلامياً مقدساً ومخصصاً للعبادة. كما قرر رئيس سلطة الآثار «يسرائيل حسون» بالتنسيق مع الحكومة الاسرائيلية أن يشارك كل شاب قبل تجنيده للجيش فى عمليات الحفر أسفل الأقصى وفى محيطه وداخل البلدة القديمة من القدس على اعتبار أنها مهمة وطنية، مشيراً الى أن سلطته ستتعاون مع منظمة «العاد» الدينية المتطرفة التى تعكف على تنفيذ مشروع حفريات أسفل المسجد الأقصي، من أجل فحصه فى مسعى للعثور على دليل يربط بين اليهود والمكان، بدعوى وجود أثار يهودية للهيكل المزعوم أسفل المسجد الأقصي، حيث تهدد تلك الحفريات أساسات الأقصى وتنذر بانهياره، الأمر الذى يتطلب موقفاً وتحركاً عربياً واسلامياً عاجلا للتصدى للاجراءات والممارسات والانتهاكات الاسرائيلية التى ترتكب بحق المدينة المقدسة ومقدساتها الاسلامية والمسيحية بالقدس ، لاسيما وأن اعلان «نيتانياهو» يشكل تحدياً صارخاً للقانون الدولى وارادة المجتمع الدولى التى عبرت عنها قرارات «اليونسكو»، واستفزازاً لمشاعر العرب والمسلمين. ورغم عدم تمتع القرارين الصادرين عن المنظمة الدولية بصفة الالزام وصعوبة تطبيقهما على الأرض، الا أنهما يعدان ضربة «رمزية» لاسرائيل، فى ظل فشل محاولاتها للضغط على القوى الدولية وابتزاز المنظمة الدولية للاشارة الى جبل الهيكل فى القرار، وبما يشكل انجازاُ عربياً فى الدفاع عن حقوق الفلسطينيين والأماكن المقدسة، خاصة وأنها تلقى الضوء على الانتهاكات الاسرائيلية بالقدس والسياسات التى تنتهجها الحكومة الاسرائيلية لاستكمال تهويدها، وتوسيع المستوطنات المقامة بها فى اطار مخطط القدس الكبرى والذى يضم عشرات المستوطنات فى القدس الشرقية الى البلدة القديمة ضمن نطاق القدس الموحدة التى تتدعى أنها العاصمة الأبدية لدولة اسرائيل، مستغلة انشغال المجتمع الدولى بتداعيات الفوضى التى تشهدها المنطقة منذ عام 2011 ، وكذا عدم وجود شريك فلسطينى قادر على الدخول فى مفاوضات حقيقية لايجاد حل نهائى للقضية الفلسطينية، لاسيما وأن قضية القدس تقع ضمن القضايا المؤجلة الى مرحلة الوضع النهائى وفقاً لاتفاقيات أوسلو التى ألغاها «شارون» باجتياحه الضفة الغربية عام 2002 رداً على المبادرة العربية للسلام، وقضى عليها «نيتانياهو» برفضه السلام وتعنته فى الوفاء بمتطلبات تحقيقه.

تجدر الاشارة الى أن سلطات الاحتلال الاسرائيلية حرصت على اتخاذ العديد من الاجراءات لتغيير التوازن الديموجرافى لصالح اليهود فى القدس سواء بمصادرة الأراضى العربية وطرد وتهجير سكانها العرب، أو رفض طلبات العودة لسكان القدس، وفرض الهوية الاسرائيلية على السكان العرب، أو بتكثيف الأنشطة الاستيطانية فى محيط المدينة المقدسة لفرض أمر واقع على الأرض يصعب تغييره مستقبلاً، فضلاً عن البدء بتنفيذ خطة «غلاف القدس» بتوسيع الحدود البلدية للمدينة بضم الأراضى التابعة لبعض القرى الفلسطينية (أبو ديس، العيزرية، بير نبالا..) لها، بالاضافة الى تكثيف الوجود اليهودى بأحياء القدس لتعزيز الأغلبية اليهودية بها، وبما يجعل من فرص استعادة المدينة من الأمور المستحيلة، خاصة اذا لجأت للاستفتاء على مستقبل المدينة الموحدة والتى تضم القدس الشرقية والغربية، حيث يشكل الوجود اليهودى بها أكثر من 70% من عدد السكان، ومن ثم فان عنصر الوقت ليس فى صالح الجانب الفلسطينى.

ولاشك فان تحذير مجلس الافتاء الأعلى فى فلسطين من مخاطر انهيار وشيك للمسجد الأقصى والمبانى المجاورة له فى أى لحظة، مع استمرار الحفريات الاسرائيلية أسفل وفى محيط المسجد، ودعوته لتفعيل قرار لجنة التراث فى العالم الاسلامى بتشكيل لجنة تقصى حقائق حول أوضاع المسجد الأقصى والانتهاكات التى تحدث بحقه من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي، بالاضافة الى ضلوع اللجنة فى رصد الانتهاكات المستمرة، وتكوين «أطر فنية» لتسجيل التراث، يشكل خطوة نحو استثمار نتائج التوصيات الصادرة عن المنظمة الدولية ، الا أنه ينبغى أن تتكامل جهود الدول العربية والاسلامية للعمل على استصدار قرار من مجلس الأمن بوقف السياسات والانتهاكات الاسرائيلية بما فى ذلك الأنشطة الاستيطانية بالقدس الشرقية وباقى المناطق المحتلة، مع طرح قضية القدس باعتبارها قضية عربية واسلامية تمس بعقيدة مايزيد على مليار مسلم منتشرين فى شتى بقاع الأرض، وعدم حصر القضية فى السماح للمسلمين والمسيحيين بأداء شعائرهم الدينية، وأن تعريض سلامة المسجد الأقصى لخطر الانهيار من شأنه تقويض مناخ الاستقرار الاقليمي، وبما يدفع المنطقة نحو مزيد من التطرف والارهاب بدعوى الانتقام من اليهود فى الدول المنتشرين بها. ولن ننسى أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية التى راح ضحيتها المئات من الفلسطينيين والاسرائيليين أشعلتها عملية اقتحام رئيس الوزراء اليمينى المتطرف «أرييل شارون» مع مجموعة من اليهود المتطرفين لساحة المسجد الأقصى لخدمة أهداف انتخابية لشارون، وكذلك فان مغامرة «نيتانياهو» باعطاء شرعية للحفريات التى تجرى أسفل أساسات المسجد الأقصى لتعزيز شعبيته داخل أوساط التيارات الدينية واليمينية المتطرفة يمكن أن تدفع نحو تصاعد حدة العنف المتبادل بالمناطق المحتلة، وبالتالى فهو يتحمل مسئولية الدماء التى يمكن أن تشهدها الأراضى الفلسطينية فى ظل تعليمات الحكومة الاسرائيلية بالسماح لمواطنيها بحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم من ناحية، وتزايد الاحتقان الناجم عن استمرار الاجراءات والممارسات الاسرائيلية بالمناطق المحتلة ، وانسداد الأفق السياسى لأية تسوية محتملة فى ظل الظروف الراهنة ( فلسطينياً وعربياً ودولياً ).

ولمواجهة السياسات الاستيطانية للحكومة الاسرائيلية واجراءاتها لتهويد القدس، فان على الفلسطينيين واجب رئيسى فى الاسراع بتوحيد صفوف القوى والفصائل الفلسطينية، ونبذ الخلافات الداخلية ، والتوحد خلف قيادتها الشرعية لتعزيز مكانتها ومصداقيتها أمام المجتمع الدولى كضمان لتحقيق طموحات الشعب الفلسطينى فى اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مع التصدى لأى محاولات اسرائيلية لقصر التعامل مع قضية القدس على بعدها الدينى فقط، والاسراع بإنشاء ادارة للأملاك داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية تختص بمتابعة عملية استرداد الأملاك الفلسطينية بالقدس الشرقية والتى صادرتها اسرائيل، سواء كانت هذه الأملاك خاصة بالمواطنين، أو ممتلكات وأراضى تخص الهيئات والأوقاف الإسلامية والمسيحية، مع الاهتمام بتجميع وتوثيق حجج وصكوك الملكية للأراضى العربية والأوقاف الاسلامية والمسيحية فى مدينة القدس، تمهيداً للتفاوض حول مستقبل القدس حال استئناف المفاوضات بين الطرفين الاسرائيلى والفلسطينى.

لمزيد من مقالات لواء. محمد عبد المقصود

رابط دائم: