رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

نحن وأمريكا.. الفرق فى المعرفة الحضارية

إن المعرفة ـ وهى تعريف أشمل من الثقافة ـ هى التى تؤسس للتقدم وتبنى جسور التواصل بين الشعوب وتصنع السلاح الذى يحمى دولة ضد أخرى باغية! .. وتلك ليست عبارات انشائية وانما لها مفاهيمها ودلالاتها على أرض الواقع، ومثلا ـ وكما أشرنا فى مقالنا السابق ـ فقد اجمعت مراكز الفكر الاستراتيجى فى العالم على ان العرب بعد حرب اكتوبر المجيدة 1973 قد اصبحوا القوة السادسة فى العالم ـ بمعنى القوة الشاملة ـ وبدلا من ان نحافظ على هذا فرطنا فيه واستسلمنا للآخرين لتحويلنا إلى مجتمعات استهلاكية مظهرية وغمرونا بموجات من الفنون المنحطة!.. ولكن ليس سهلا أن يضيع الأساس المعرفي.. ونشط كثيرون.. وفى هذا الصدد لعب «الأهرام» دوره التنويرى وعقد ندوات عديدة فى الثمانينيات والتسعينيات ومابعدها.. وكانت بينها ـ كمثال ندوة «نحو مشروع حضارى عربي» سنة 1996 التى استمرت ثلاثة أيام وشارك فيها ثلاثة وأربعون مثقفا عربيا من أربع عشرة دولة وخرجت بتوصيات مهمة وباقتراح انشاء «اتحاد المثقفين العرب».

واتصالا فإن ثورتى 25 يناير و 30 يونيو لم يكن ممكنا ان يكتب لهما النجاح لولا العمق المعرفى الحضارى لدى المواطن المصرى وبهده المعرفة مدت مصر ومنذ الزمان القديم جسور الوصل والتواصل مع الدول العربية والافريقية.. ومع الدنيا من حولها بدرجات متفاوتة. وبهذه المعرفة، وعمقها الحضارى يواجه المصرى سواء من اصحاب الياقات البيضاء أو من العامة الحروب الخفية التى تشنها بعض الدول ضد مصر لأغراض مختلفة.. ومثال ذلك البيان الذى أصدرته السفارة الامريكية مؤخرا وحذرت فيه الرعايا الأمريكيين فى مصر من الخروج للشارع إلا للضرورة وعدم الاقتراب من تجمعات المواطنين المصريين يوم الأحد التاسع من أكتوبر لمخاوف أمنية!! وبعدها أصدرت سفارة كندا نفس التحذير ثم سفارة المملكة المتحدة.. وكان هذا نتيجة اجتماع محدود فى السفارة للمسئولين فيها مع مسئول محطة المخابرات المركزية الأمريكية والمباحث الفيدرالية وأمن السفارة.. وبديهى بعد الاتصال بواشنطون، ولم يكن هذا التحذير الأمريكى والذى اتبعه الآخران ـ صحيحا.. وأول من يعرف هذا أصحابه الذين استهدفوا به الاساءة إلى مصر.. لأسباب قصدوا من ورائها محاولة افشال الاحتفال بذكرى مرور قرن ونصف قرن على الممارسة الديمقراطية فى مصر.. ومحاولة تخويف الدول التى أعلنت عن استئناف رحلات السياح منها إلى مصر.. ومحاولة زعزعة سمعة الاستقرار أمام الأشقاء والأصدقاء. وهذا ليس أسلوبا جديدا فهو قديم ومستهلك تستخدمه أجهزة المخابرات اذا عجزت عن اختراق حقيقى للشعب. وأعتقد أن ضباط المخابرات فى السفارات الثلاث وفى غيرها.. قد طافوا القاهرة ـ نهارا وليلا وشاهدوا الحياة عادية تماما.. ولمسوا كيف أن المواطنين يمارسون أعمالهم بلا أى تغيير.. وأعتقد أنهم قد بكتوا أنفسهم.. وان رؤساءهم قد حسبوا عليهم هذه «الخيبة».. وهذا الفهم الخاطئ للمصريين! ذلك مع أن المصريين ـ بالفهم الصحيح ـ معروفون جيدا.. وقد قال عنهم رئيس وزراء ايطاليا سنة 2011 عندما طالبوا بالتغيير فى مظاهرات سلمية: «إن هذا ليس غريبا على المصريين.. فقد سبق أن صنعوا الحضارة.. وفى مقدورهم أن يصنعوا حضارة جديدة», ولقد قال كثيرون وكتبوا اشادة بمصر والمصريين.. وأيصا قال وكتب كثيرون إشادة بالعرب وعلمائهم وأفضالهم على الانتاج الفكرى والعلمى الانساني. ومن المحصلة فان الأمة العربية الآن الممتدة من المحيط إلى الخليج تمتلك مقومات هائلة فى بدايتها حضارة انسانية ضخمة ترتكز إلى حضارة مصر ـ أم الحضارات فى الدنيا كلها ـ وتضم حضارات أخرى ومنها البابلية والآشورية والفينيقية وغيرها وغيرها فى شبه الجزيرة العربية والمغرب العربى وفى العمق العربى بافريقيا.. فضلا عن ان هذه الأمة احتضنت الرسالات السماوية حيث كان مهبطها وانتشارها.. إلى جانب المقومات الأساسية البشرية والطبيعية والموجودة الآن والتى لم تكتشف بعد.. والموقع الاستراتيجى المهم والحاكم.. وهذا كله وغيره.. لابد أن يكون هو المحور الرئيسى للمعرفة. وإذا كان ذلك كذلك.. فإننى اكرر ـ أهمية البناء المعرفي.. وهذه ليست مهمة وزارة الثقافة وحدها وانما تدخل فيها وزارات ومؤسسات أخري.. كما تدخل فيها منظمات المجتمع المدني.. ولا يمكن أن نترك المهمة للاجتهاد الشخصي.. إذ يجب صياغة استراتيجية واعية ذكية، ومعها مجموعة عمل تخطيط وتشرف على التنفيذ.. فنحن فى معركة قاسية ومثل كل معركة تحتاج إلى اعداد وتخطيط وتدريب وأدوات وأشخاص قادرين على العمل والأداء.

وأقول مجددا.. ان المعرفة ـ التى تشمل الفكر والعلم والمعلومات والاعلام والأدب والفن وتراكم الخبرة وغير ذلك ـ هى سلاحنا الذى توارثناه من ماضينا الحضاري، وهذا هو الفرق بيننا وبين الآخرين.. والذى يجعلنا نتصدى للحرب الخفية والظاهرة.


لمزيد من مقالات محمود مراد;

رابط دائم: