رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أسئلة 2017:
مصر أمام فاتورتين

خفتت روح الثلاثين من يونيو فى كثير من مفاصل الدولة والمجتمع، وسمح الفراغ الناشئ عن عملية إنهاك متواصلة للكتلة الصلبة، التى شكلت قوام الثورة الشعبية قبل أكثر من ثلاث سنوات، باختراقات عديدة لوحدة الصف التى كانت عنوانا بارزاً لمرحلة جديدة فى تاريخنا. لم ننتهز فرصة وحدة الصف ولم نستفد من مخزون المعاناة الذى خلفته السنوات الخمس الماضية، ولم تستوعب نخبة المجتمع أن ترتيب أوراق مجتمع خرج فى ثورتين، لا يفصل بينهما أكثر من 29 شهرا، ليس عملاً هيناً أو بسيطاً، وأن مواجهة صناع الفوضى والإرهابيين والجماعات الدموية المنظمة والممولة ليس بالأمر الهين، ولو أضيفت إليه أزمات ومشكلات خلفتها الأيام الصعبة، سواء فى أيام الحكم السابق على مدى ثلاثين عاما أو فى عام كارثى تحت إمرة «مكتب الإرشاد» لكان من الواجب علينا أن نقف إلى جانب السلطة كتفا بكتف، وليس تقريعا أو استباحة أو مناكفة ومراهقة مثلما يجرى اليوم كلما ظهرت قضية أو أزمة تمس السواد الأعظم من المصريين.

لو طالعنا التقارير الأخيرة عن مستقبل الاقتصاد المصري، والصادرة عن مؤسسات معروفة فى الخارج، نجد لغة متوازنة تدرس المخاطر بعناية، وتحسب المقومات الممكنة فى السنوات المقبلة، وهناك مؤشرات مهمة فى التقارير الأخيرة تقول إن مكاسب مصر من بدء إنتاج الغاز الطبيعى من حقل ظهر ستكون ضخمة وستغير كثيرا من حجم الإنفاق على واردات الطاقة التى تستنزف الموازنة العامة للدولة، وتقول المؤشرات أيضا إن ما تحقق من مشروعات البنية الأساسية فى العامين الماضيين يمنح الاستثمارات الجديدة فرصة أن تنطلق دون عوائق أو مشكلات... فهل يمكن إنكار أن ما تحقق فى أزمة الكهرباء فى وقت قياسى هو نتاج تفكير وإدارة محترفة؟ وهل مشروعات الطرق وإنجاز آلاف الكيلومترات فى فترة قصيرة لا تفيد خطط التنمية وجذب الاستثمارات الخارجية؟ وهل إطلاق مشروعات الإسكان الاجتماعى على نطاق واسع هو نوع من إهدار المال العام أم هو فعل تمليه ضرورة توفير المسكن والمأوى باعتباره حقا من حقوق الإنسان المستقرة، خاصة للطبقات محدودة الدخل والمتوسطة؟.

تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى بصراحته المعهودة فى حواره على مدى يومين مع رؤساء تحرير الصحف القومية الثلاث (الأهرام والأخبار والجمهورية) عن الضغوط العنيفة على الموازنة العامة للدولة والوضع المتأزم للفارق ما بين الإيرادات والمصروفات وضرورة المضى فى برنامج الإصلاح الاقتصادى لمعالجة الخلل الكبير. فخرجت أصوات نكراء تتحدث بطريقة خرقاء ـ يحسدون عليها ـ وبحكمة لا نعلم من أين حلت عليهم، بينما بعضهم فشل فى إدارة حزب صغير أو وزارة أو مؤسسة أو شركة أو كلية علمية أو جريدة أو مجلة!

وحدة الصف فى الثلاثين من يونيو كانت درسا ونبراسا، وكانت الهجمة على مصر مسعورة وشرسة، وكان وطننا فى أضعف حالاته، ومع ذلك انتصرنا لأننا كنا صفا واحداً، وحتى لو حدثت تصدعات فى عملية الاصطفاف الوطنى فإن الأمر يتطلب علاج الشروخ واستعادة تكتل 30 يونيو لوحدته، لأن ما رأيناه فى الشهور الأخيرة يؤكد أننا على طريق ومنحنى خطر (أمام إرهابيين وانتهازيين ومشتاقين ومناضلين مزيفين) لو لم نتماسك سياسياً واجتماعياً وقيمياً. إن أقصر الطرق لاستعادة التماسك بين الكتلة العريضة لثورة 30 يونيو هو المصارحة التامة بما نحن فيه ومعرفة حجم التحدى القائم وتأكيد أن الجميع شركاء فى المسئولية رئيسا وحكومة وشعبا. تحدثت عن الجانب القيمى فى ثورة 30 يونيو التى خرجت لاستعادة الهوية المصرية، ولكننا لم نتعامل مع جوهر الثورة الشعبية (على جماعة جاهلة ومتعصبة ومنغلقة) بالقدر الذى تستحقه، حيث مازالت الناحية »القيمية« تحتاج إلى علاج حقيقي، فقيم الطمع والجشع والميل إلى الفساد رأيناها فى قضايا نالت شهرة إعلامية كبيرة مؤخرا، ومنها قضية صوامع القمح وإخفاء السلع الغذائية والأدوية وسحب الدولار ببطاقات الائتمان من خارج البلاد، بغرض تحقيق مكاسب على حساب السواد الأعظم من المواطنين. وبالمناسبة: ألا يفعل ذلك مسئولون ونخب ومواطنون أيضا؟!... وبالمثل، أجهزة الدولة مطالبة بتنفيذ ما قاله الرئيس فى حواره الأخير مع الصحف القومية عن «حرب لا هوادة فيها» ضد الفساد والمفسدين والعلانية فى تصفية بؤر الاستغلال وجماعات المصالح الضارة بالمجتمع.

إن الهدف المعلن من الرئيس السيسى منذ يوم التفويض فى السادس والعشرين من يوليو 2013، كان يحمل شعار »تثبيت أركان الدولة« باعتباره هدفا إستراتيجيا لا يمكن الحياد عنه. وما فعلته القوات المسلحة من حماية الحدود وسد الثغرات الأمنية وإعادة تأهيل البنية التحتية، والمشاركة فى توفير سلع إستراتيجية لم يكن سوى ترجمة لمفهوم »تثبيت أركان الدولة«. ويتناسى البعض منا أن فكرة المصالحة مع الإرهاب والتعايش معه والعودة عما تم فى 30 يونيو هى تنفيذ واضح لأفكار ومخططات قوى إقليمية وغربية لا يعجبها ما ذهبت إليه مصر من مواجهة شاملة، أمنيا وعسكريا وفكريا، لأخطر جماعات الإسلام السياسى والرحم الذى خرج منه كل أبناء السفاح الأمريكى ممن يعيثون فسادا اليوم من العراق إلى اليمن، ومن سوريا إلى ليبيا، وتم استخدامهم لهدم دول تحت لافتة براقة وهى إسقاط الديكتاتوريات.

تلك القوى تحاول دفع مصر مرة أخرى إلى المستنقع السوري، استغلالا لمشاعر دينية، وكادت مصر تتورط فيما لا طائل منه لولا يقظة القوات المسلحة فى الأيام الحالكة للجماعة. وعندما سقطت اليمن فى براثن حرب أهلية مهلكة حاول البعض دفعنا دفعا للتورط هناك إلا أن سلطة الحكم كانت مدركة من «الخبرات التاريخية» أن الفخ المنصوب لن يكون نزهة.. من هنا، كانت كلمة الرئيس السيسى فى حواره الأخير إننا فى حاجة إلى مصارحة ومكاشفة أكبر مع شركائنا وأشقائنا.

إن محاولات تشويه فكرة استعادة القرار الوطنى المستقل فى 30 يونيو لن تجدى ولن تنفع أصحاب تلك الحملات، لأن الخلاف مع السلطة الحالية حول برامج الإصلاح أو التوجهات المالية والاقتصادية، وهو أمر وارد وطبيعى بالمناسبة، ولا يعنى مثلما يصور المراهقون على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى أنه أمر ينزع المشروعية أو الوطنية عن السلطة وعن رئيسها. فنحن اليوم فى محطة مهمة من محطات المواجهة، مع محاولة استنهاض المخطط الذى يسعى بالأساس إلى تدمير الدولة والجيش المصري.. فهناك فارق بين الدولة والنظام السياسى ولكنهم يستخدمون الهجوم على النظام السياسى باعتباره جسراً لمزيد من الفوضى والتطاول على مؤسسات الدولة، ومن ثم تكون مهاجمة السلطة الحالية «غطاءً ومظلة» لتمرير الهدف الأساسى وهو محاولة تمزيق مفاصل الدولة من جديد!

هل يمكن أن يفسر لنا أحد جهابذة توزيع صكوك الوطنية، لماذا صمت هؤلاء جميعا عندما خرج الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتغريدة على موقع تويتر يساوى فيها بين الدولة والإرهابيين، ويتحدث عما سماه الموظف الدولى المرموق سابقاً بـ «العنف المتبادل»؟. هل تكون المزايدة على استقرار الأوطان بافتعال العقلانية ومغازلة المجتمع الدولى الذى يضع مقاييس خاصة تناسب مصالح الدول الكبرى (ومنها من رعى الإرهاب منذ حرب أفغانستان ولايزال يرعاه) فى منطقتنا عندما تريد وأينما وكيفما تريد؟!. هل يمكن أن يقبل أحد فى الدول الغربية التى يتغنى صاحب التغريدات بها أن توجه إهانة مثل تلك إلى قواتها المسلحة لمجرد خلاف بين سياسى وبين السلطة القائمة؟. وهل يساوى من يسمون أنفسهم بالنشطاء ما بين الدم الذكى للجنود البواسل الذين يدفعون الثمن نيابة عن المجتمع بأسره وبين حفنة قتلة إرهابيين يعتنقون أفكارا ظلامية مدمرة؟!. وهل هؤلاء أصحاب قضية أساسا؟!. وهل تلك هى معايير الحريات وحقوق الإنسان التى يؤمن بها دعاة الفوضى من تلك الشخصيات التى يغيب عنها الرشد والمنطق ويجعل منها أضحوكة أو مادة للسخرية بعد أن حولوا الإرهابيين إلى أصحاب قضية؟!

>>>

أسئلة كثيرة عن وقائع عديدة فى الفترة الأخيرة تحتاج من كثيرين إلى مراجعات ضرورية.

مصر الآن أمام فاتورتين:

< فاتورة بناء الدولة فى مقابل فاتورة الاستسلام

< فاتورة بناء الديمقراطية على أسس سليمة مقابل فاتورة الفوضي


من المدهش أن هناك فصيلا من النشطاء السياسيين يرون أن مصر يستوجب عليها أن تدفع فاتورة الديمقراطية، سواء كانت إيجابية أو سلبية، ويريدون أن تتحمل الدولة فاتورة الإصلاحات الاقتصادية وبرامج الرعاية الاجتماعية، ويرفضون القيام بدور فى دعم ومساندة فاتورة بناء الدولة انتقاما من السلطة السياسية، وهذا سلوك أعوج وملتو ولا يليق بشعب خرج ينادى بالعيش والكرامة الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية.

غاية القول هنا أن مصر مقبلة على انفراجة مع استكمال المشروعات القومية فى 2017 حتى لو كان الظاهر من الأزمة الحالية يمثل عبئا على الطبقات الكادحة والمتوسطة, فالنظام السياسى الحالى يرتب أوراق المستقبل بالكيفية التى تحقق قدرا من النجاح فى إعادة البناء، والاستفادة من مشروعات البنية التحتية والمشروعات الكبرى ومشروعات الغاز الطبيعى العملاقة التى أنفق عليها الكثير، لإطلاق الثقة فى شرايين الاقتصاد ولمنح المصريين طاقة أمل فى غد أفضل، بالصبر وتغيير ثقافة العمل، وبالمواجهة مع الفاسدين والإرهابيين الذين يريدون شرا بتلك الأمة ويريدون أن يشقى الشعب من أجل أن تصبح أوهامهم حقيقة.

فى مواجهة دعاوى الانقسام وإثارة الفوضى والفزع لمنع مصر من عبور عام 2017 بأى وسيلة، فإن إعادة اللحمة إلى كتلة 30 يونيو هى هدف مهم أيضا لعملية ترتيب أوراق المرحلة المقبلة، والاستعداد لمستجدات عام 2017 التى ستشهد بإذن الله طفرات فى الوضع المالى والاقتصادى وفى تنفيذ المشروعات الكبرى والمناطق الحرة.. تلك الكتلة الحرجة للتغيير يجب ألا تسقط فريسة للشائعات الخبيثة ولكن الأمر يحتاج إلى بناء منظومة إعلامية أكثر احترافا ورقيا من أجل أن يصبح الإعلام رصيدا مضافا لحركة التغيير وليس خصما، ولعل فى عدد من المواقف الأخيرة التى حدثت فى وسائل إعلامية خاصة تجسيدا لكيفية سقوط الإعلام فى هوة عدم الاحتراف، وغياب الرؤية الوطنية اللازمة للتعامل مع مقتضيات الحالة الراهنة للأمن القومى والاقتصاد المصري.


لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام;

رابط دائم: