رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أن تكون مثقفا عربيا اليوم! (3)

فى ختام مقالة الأربعاء الماضي، وهى الثانية التى أكتبها عن الملتقى الثقافى المصرى اللبناني، قلت إن الثقافة المصرية الحديثة بطبيعتها نشاط جامع يتسع لكل المتكلمين باللغة العربية، وهى من ناحية أخرى نشاط خطر لا يسلم المشتغلون به من الصدام مع كل القوى المعادية لحرية التفكير والتعبير. وأضفت أننى ربما استكملت هذا الذى قلته فى المقالة التى أكتبها الآن.

كان الأفضل أن أقول إننى ربما واصلت الكتابة فى هذا الموضوع الذى لا نستطيع أن نتنبأ أو نعد باستكماله فى مقالة أو عدة مقالات، لأن الحديث عن الثقافة المصرية الحديثة يستدعى الحديث عن ثقافات أخرى كما رأينا فى هذا الملتقى الذى دار حول العلاقات الثقافية المصرية اللبنانية، وكما يمكن أن نرى لو عدنا إلى المرحلة التى كان لابد فيها أن نتصل اتصالا مباشرا بالثقافات الأوروبية الحديثة وننقل عنها ما كنا فى حاجة إليه. فضلا عن أن الحديث عن الثقافة المصرية لابد أن يؤدى بنا للحديث عن كل ما نحتاج لمعرفته فى هذه الأيام التى نريد فيها أن نراجع تاريخنا، ونتواصل مع غيرنا، وننشئ دولة مدنية بالمعنى الحقيقى نتخلص فيها من الشرور التى لحقتنا خلال العقود الستة الماضية، فلا نخلط الدين بالدولة ولا نخلط السياسة بالدين، ولا نجعل الأزمات التى تحاصرنا أو الأحلام التى تراودنا سبيلا إلى طغيان جديد نفقد فيه رشدنا ونتحول إلى رعية جائعة ضارعة سامعة مطيعة. بل نبدأ من الإيمان بأن الحرية هى الشرط الأول الذى لا يكون بدونه أمن ولا كرامة ولا تقدم ولا رخاء. وهكذا نرى أن الحديث عن الثقافة لابد أن يذهب بنا للحديث عن كل شيء.

لكننا لا نستطيع أن نتحدث عن كل شيء دفعة واحدة، لأن مقالة لا تكفي، ولأن رأيا واحدا لا ينفع، ولأن كاتبا واحدا لا يستطيع، فعلينا إذن أن نشارك جميعا فى الاجابة على الأسئلة الملحة التى تؤرقنا وأن نقاربها سؤالا بعد سؤال.

قلت إن الثقافة المصرية نشاط جامع. وعللت ذلك باللغة التى يتكلمها المصريون وتتكلمها معهم شعوب المنطقة كلها. لكن اللغة ليست السبب الوحيد الذى أحل الثقافة المصرية هذا المحل وإلا فلماذا لم تؤد اللغة العربية فى أى بلد عربى آخر هذا الدور الذى أدته فى مصر؟ أظن أن هذه المركزية الثقافية تعود إلى أسباب مختلفة منها الموقع، والتاريخ والسلطة المركزية، والنشاط المستقر المرتبط بالأرض والنهر، وثبات الحدود، وانصهار المصريين فى جماعة وطنية مترابطة.

ومصر فى تاريخها القديم كانت مركزا حضاريا دون أن تكون لغتها مشتركة مع جيرانها. بل إن مصر ظلت مركزا حضاريا حتى بعد أن تركت لغتها الخاصة وتكلمت العربية التى أصبح لها فى مصر شأن آخر. وقبل العصر الحديث كان المغاربة خاصة يقصدون مصر ويطلبون علوم الدين واللغة فى الأزهر. وكان بعضهم يستقر ويتمصر. ومنهم من تولى مشيخة الجامع كالشيخ حسن العطار استاذ الطهطاوى فهو من أصول مغربية، و الشيخ محمد الخضر حسين وهو مهاجر تونسي.

غير أن الدور الذى لعبته الثقافة المصرية فى هذا العصر الحديث يختلف عن الدور الذى لعبته من قبل، إذ كان عليها فى هذا العصر أن تقود حركة الخروج من العصور الوسطى والتحرر من الهيمنة التركية والاستعمار الأوروبي، وتؤسس للنهضة المصرية والنهضة العربية عامة، ومن هنا تغيرت المعرفة وتغيرت مصادرها وأصبحت الحاجة ماسة للنقل عن الأوروبيين، كما تغير الشركاء فحل المشارقة محل المغاربة وخاصة اللبنانيين الذين اتصلوا قبل غيرهم بالأوروبيين وتأثروا بهم ونقلوا عنهم الكثير الذى قامت عليه الثقافة المصرية الحديثة فمن حق المثقفين اللبنانيين ومن حق المثقفين العرب جميعا أن يعتبروها ملكية مشتركة وأن يجعلوها اساسا لإطار جامع تستطيع فيه شعوب المنطقة العربية أن تتعاون فيما بينها وتتكاتف فى مواجهة ما تواجهه من تحديات مشتركة وفى إنجاز ما يجب ان تنجزه من أهداف مشركة تخرج بها من تخلفها المزمن وتنخرط فى حضارة هذا العصر وتنتمى لها، وتلك هى الفكرة التى راودت عددا من الزعماء والمفكرين العرب وكانت وراء مشاريع الوحدة والاتحاد التى باءت بالفشل وهذا ما يجب أن نتذكره جيدا ونتعلم منه حين تراودنا هذه الفكرة من جديد كما رأيت فى الورقة التى أرفقت بها الدعوة لحضور الملتقي، فقد وردت فيها إشارة إلى «الفكرة العربية الجامعة».

وهى عبارة تسمح بتفسيرات كثيرة يجب علينا ان نستبعد منها كل ما ثبت لنا فساده فى التجارب التى خضناها خلال العقود الستة الماضية، وتحولت فيها «الفكرة العربية الجامعة» إلى أحزاب فاشية. ونظم دكتاتورية بوليسية قامت لترفع الحدود الفاصلة بين الدول العربية كما زعمت وتجمع شعوبها فى أمة واحدة فلم تنجح إلا فى اشعال النزعات الشعوبية والفتن الطائفية والحروب الأهلية التى مزقت العراق وسوريا وليبيا والسودان وحولت شعوبها الى جماعات عرقية وطوائف دينية ومهاجرين بالملايين لايجدون لهم مكانا فى العالم.

نعم للفكرة العربية الجامعة. فالروابط التى تجمع بين الاقطار العربية عديدة ووثيقة فمن حقها أن تبحث عن إطار يجمعها ويحول حلمها الغامض الى حقيقة واقعة، لكن كيف؟ وبناءً على اى تصور؟ وما هى الطريقة المثلى لتحقيق هذا الحلم وبناء هذا الاطار؟ وما هى الغاية التى نريد أن نصل إليها من بناء هذا الاتحاد؟ ان نتقدم للأمام أم أن نعود للوراء؟

هل نريد ان نستعيد وحدة نتصور أنها كانت متحققة فى الماضي؟ أم نريد أن نبنى وحدة نعتقد ان شروطها توفرت الآن ولم يكن لها وجود من قبل؟ وهل كان الشعوب العربية فى الماضى أمة واحدة تعرضت للتجزئة كما يزعم القوميون العرب أم أن السوريين والعراقيين والمصريين والمغاربة كانوا فى الماضى سوريين وعراقيين ومصريين ومغاربة كما هم الآن فإن رأوا مصلحة فى بناء إطار يجمعهم فهذا لا يفرض عليهم أن ينكروا خصوصيتهم الوطنية أو يتبرأوا من تاريخهم السابق على دخولهم فى العروبة والاسلام. ونحن نرى ان الاتحاد الأوروبى لم يفرض على اعضائه ان ينكروا خصوصيتهم، وأن الألمان ظلوا فيه ألمانا وان الفرنسيين ظلوا فيه فرنسيين.

إن الكثيرين لايزالون يخلطون بين اللغة والقومية ويظنون أن المتحدثين بلغة واحدة لابد ان يكونوا أمة واحدة وهذا خطأ واضح. فالمتحدثون بالانجليزية أمم مختلفة وكذلك المتحدثون بالفرنسية والاسبانية. ونحن نرى ان اللغة الواحدة تتعدد بتعدد الامم التى تتكلمها. وقد تأمركت الانجليزية فى أمريكا وتمصرت العربية فى مصر. إلى أن الخلط بين اللغة والقومية سمح بالخلط بين القومية والدين، فقد ظننا أن العربية التى أصبحت لغتنا بعد الاسلام محت تاريخنا المجيد السابق وألحقتنا بالعرب الفاتحين.

ونحن نرى أن الذين تسلموا الراية بعد فشل القوميين العرب هم جماعات الاسلام السياسى ومنظماته الارهابية.

ويبقى السؤال الاخير: لماذا كانت الثقافة نشاطا خطرا؟!

لمزيد من مقالات أحمد عبدالمعطى حجازى

رابط دائم: