رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

العرب يجهلون التاريخ ويتجاهلون المستقبل

نفخر بعمق تاريخنا وامتداده؛ ولكننا نجهل القريب والبعيد منه، ولا ندرك سننه وقوانينه، ولا نتعلم منه، أو نستفيد من دروسه، مأسورون نحن فى التاريخ محبوسون فيه، إلا أننا مقيدون مكبلون، معصوبو العيون، نعيش فى سرداب التاريخ وقبوه، فى أعماق أرضه، لم نر يوما شمسه، حتى حين أشرقت شمسه على العالم، أمة من العميان المتكبرين، المتناقضين، غالبا ما يجهلون ما يتعصبون له، ويفخرون به، كأننا أمة من مشجعى التاريخ بجهالة، وتعصب مثل الأولتراس الكروي. نحن أمة تجهل تاريخها القريب قبل البعيد، تتعصب له دون فهم، ولا تتعلم منه ما يصحح حاضرها أو يرَّشد مستقبلها.

نحن أمة المستقبل بالنسبة لها يختبئ فى جعبة العرافين والمنجمين، أو يتاجر به من يحذروننا ليل نهار من علامات يوم القيامة وأشراط الساعة دون فهم أو تفكير، لا ينشغل العرب بالمستقبل، ولا يهتمون به، بل يتجاهلونه، والدليل على ذلك فراغ العالم العربى من علماء المستقبليات، أو مراكز دراسات المستقبل، أو فرق البحث التى تستشرف المستقبل، فبعد مشروع مركز دراسات الوحدة العربية فى بيروت عن استشراف المستقبليات العربية البديلة أواخر القرن الماضي، وبعد رحيل المفكر المغربى الدكتور المهدى المنجرة، لا تجد فى المكتبة العربية مركزا بحثيا أو عالما مرموقا ينشغل بدراسات المستقبل، لأن جوهر حياتنا رسمه المثل الشعبى «إحيينى النهاردة.. وموتنى بكره» نحن أمة تعيش يوما بيوم، وتنشغل معظم جماهيرها بتوفير كيلو أرز، وكيلو سكر نحن أمة خارج التاريخ لم تستوعب دروس الماضي، ولم تنشغل بالمستقبل، وتعيش الحاضر بالقطعة، واليكم الدليل:

أولا: عندما تحل ذكرى نصر أكتوبر 1973 نحتفل بالتعاون العربى والتنسيق العربى الذى حقق النصر لمصر، وحقق النهضة الاقتصادية فى الدول النفطية حين أصبح البترول سلعة إستراتيجية بعد استخدامه سلاحاً فى المعركة، وقفزت أسعاره قفزات هائلة بعد الحرب، تجربة تقول لنا اننا كعرب عندما نعمل معنا يتحقق الخير للجميع.. وعلى العكس من ذلك عندما قرر الرئيس المصرى نفسه - الذى قاد حرب أكتوبر - أن يزور القدس ويحقق سلاما مع إسرائيل، فعل ذلك دون تنسيق مع أشقائه، وشركائه فى المعركة فضاعت قضية العرب، وتفكك النظام الإقليمى العربي، ولم يلتئم حتى اليوم.. هذه دروس التاريخ. ولكننا لم نتعلم؛ لم نزل نتحرك بدون تنسيق مع بعضنا البعض، فى التعامل مع دول الجوار تركيا وإيران، فى تقرير مصائر دول كاملة مثل سوريا واليمن، وأخيرا فى مجلس الأمن الدولى.

ثانيا: علمنا التاريخ القريب والبعيد أن الثور الأسود يُؤكل يوم أن يضحى بأخيه الثور الأبيض، وسار مثلاً عربياً يقول «أُكلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض» ضحى العرب بالعراق عقاباً لصدام، فوقع العراق لقمة سائغة فى فم ملالى إيران، وتحكمت فيه نخبة فاسدة تنهب أمواله وتحولها إلى طهران، وتفقر شعبه، وتشعل نار الطائفية فيه، وتقوده للتقسيم، وتضعه تحت الحماية الدولية، والتدخلات الإقليمية، ثم كررنا نفس الفعل فى ليبيا وسوريا واليمن، بنفس الحجج الواهية، التى يرددها أنصار الثورات الذين يعانون من فائض الحرية والديمقراطية التى تشبعت بها مجتمعاتهم؛ فأرادوا أن يستمتع بها غيرهم؟ نفاق عربى معهود، يعيش فيه الإنسان العربى أحلامه على حساب غيره، ولا يجرؤ أحد على أن يقول إن تاريخ الثورات جميعها كان وبالاً على أمتنا، نحن أمة ينصلح حالها بالإصلاح التدريجي، وليس الثورة، هكذا كان درس النبوة فى مكة والمدينة، أما الثورات فكانت كارثة على أمتنا منذ ثورات الزنج والحشاشين والقرامطة فى التاريخ، إلى ثورات الربيع العربى المشئوم.

ثالثا: علمنا التاريخ القريب والبعيد أن الاعتماد على الأجنبى الإقليمى والدولى يحقق مصالح وقتية مرحلية قصيرة المدى، ولكنه للأسف يضعف ويربك ويشتت القدرات على المدى البعيد، وأنه لا سبيل للعرب إلا بالتكاتف والعمل معا بصورة عقلانية بعيدة عن الشعارات، تحترم الخلافات، والاختلافات، وتحافظ على تنوع المصالح، وتراعى الخصوصيات، ولا تمس سيادة واستقلال أى دولة، وهذه الحالة تحققت فى أوقات ولحظات نادرة فى تاريخنا الحديث، كانت أكثر تجليا فى الفترة اللاحقة بهزيمة 1967، والآن للأسف يستغل الخارجى حالة الضعف والتشرذم، ويخترق اليمن والعراق وسوريا، ويشد أطراف الوطن العربى ليمزقه، فنقابل ذلك بالاستعانة بخارجى آخر هو تركيا التى لا تقل خطراً عن إيران من الناحية الإستراتيجية، أو روسيا التى لا يمكن الاعتماد عليها كما علمتنا تجربة حرب أكتوبر، فلولا تدخل الإمارات العربية المتحدة والجزائر لتحول النصر إلى هزيمة ساحقة، حين رفض الاتحاد السوفيتى إرسال قطع الغيار والذخيرة إلا إذا تم الدفع فورياً، وليس مؤجلا، فقام بذلك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والرئيس هوارى بومدين رحمة الله عليهما.

رابعا: لأننا لا نقرأ المستقبل الخاص بنا، ولا نهتم بالدراسات المستقبلية التى يعدها غيرنا، ننساق فى تحقيق أجندة أعدائنا بأيدينا، تقوم بذلك جماعات سياسية انتهازية لا تعرف للوطنية معنى تعيش فى أوهام الأممية الماركسية رغم أن إيديولوجيتها معاكسة تماما للماركسية، لأنها إما تنطلق من شعارات إسلامية أو قومية، جميعا تنساق لتفكيك أوطانها وتخريب مجتمعاتها، وتفكيك هذه المجتمعات، وإفقارها وتجهيلها، طواعية وعلى نفقتنا الخاصة، وبعد ذلك يخرج من نفس الجماعات من يحدثك عن سايكس- بيكو الجديدة وإعادة تقسيم المقسم، والمؤامرة على المجتمعات العربية التى حققت قفزات فى التعليم كالعراق وسوريا. وهنا يسأل الإنسان نفسه. من يحقق هذه المؤامرة؟ ومن ينفذها؟ أليست هذه الجماعات المهووسة بالسلطة، المسكونة بوهم الخلافة فى غير سياقها، المتعطشة للحكم والسيطرة؟ من لا يفهم المستقبل، ولا يخطط له، يقع فى تنفيذ خطط عدوه الذى يفهم المستقبل وخطط له.

نحتاج أن نعيد الاعتبار للعلم، للفكر العميق، لدراسة التاريخ، واستشراف المستقبل، نحتاج أن تعود الجامعات إلى تكوين العقول المفكرة وليس فقط تخريج الموظفين، والكتبة والحرفيين، نحتاج أن نحترم مراكز الأبحاث وننشئ المزيد منها، وندفعها للتخصص، نحتاج إلى أن يعود الوقف لسابق عهده، وأن يتم استرجاع الأوقاف، لتحقق الاستقلال للعلم والعلماء، نحتاج خريطة طريق للمستقبل، فقد ضاعت الأعمار فى مرحلة التيه، أو التوهان التى نعيشها منذ زيارة السادات للقدس، وعودة الخومينى مصحوبا بحماية من القوات الجوية الفرنسية إلى طهران.


لمزيد من مقالات د. نصر محمد عارف;

رابط دائم: