رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

فى رحاب فن المقال

فن المقال واحد من أهم الفنون الأدبية التي ساعد انتشار الصحافة الورقية والإلكترونية على ازدهارها في عصرنا الحديث, وهو فن الفكرة المركزة, واللمحة العابرة,


والكلمة المنتقاة, غير أن هذا الانتشار الواسع السريع لهذه الصحف الورقية والصفحات والمواقع الإلكترونية قد أغرى كثيرين من غير المؤهلين لاقتحام فن الكتابة بصفة عامة والمقال بصفة خاصة, لإدراكهم وعورة مسالك الفنون الأدبية الأخرى من الشعر, والقصة، والرواية, وحتى القصة القصيرة والأقصوصة, ظنًّا منهم أن المقال هو الباب الأيسر والألين والأطوع والأقرب, متوهمين أن كل مجموعة جمل مرصوصة أي رص كان حتى لو كان بلا رصف ولا سبك ولا حبكة ولا أدوات فنية يمكن أن يكون مقالا أو أن يجعل من صاحبه كاتبًا, حتى رأينا بعضهم يكاد يكون خطيبًا أو مؤلفًا أكاديميًّا, فيستهل المقال بما يستهل به الخطبة أو الكتاب, ولا يكاد بعضهم يفرق بين الخبر والحكاية والمقال، مما يتطلب من المتخصصين المؤهلين وقفات نقدية, كما يتطلب من القائمين على الصحف السيارة وبخاصة الكبرى منها ومن كبار كتابها وناقديها نظرات فاحصة فيما ينشر, وعقد دورات تدريبية وتأهيلية لشباب الكتاب, وأن تظل الأعمدة الكبرى مدراس فكرية, وألا يسمح لغير كبار الكتاب باختراق مساحتها, في تمييز واضح بين كبار الكتاب وأعلامهم وبين الهواة الذين يجب أن ينشر نتاجهم في أبواب بريد القراء ونحوها, وهو مالا تزال بعض الصحف الكبرى تحافظ عليه إلى حد كبير.

وأكاد أجزم أن صفحات الرأي, وأقلام كبار الكتاب, وقدرة الصحف على استقطاب أولئك الكتاب الكبار للكتابة فيها مع مصداقية الصحيفة فيما ينشر من أخبار هو أهم ما يميز صحيفة على أخرى ويعطي لهذه ميزة على تلك, ويشجع القارئ الواعي المثقف على إيثار شراء صحيفة دون أخرى, بل قد يكون كاتب بعينه أو كاتبان أو بعض الكتاب هم سر مداومة بعض القراء على قراءة صحيفة دون أخرى أو أن يكون للأخرى نفس الأولوية أو درجة الإقبال والشغف عندهم, كما أن بعض الأبواب الثابتة قد تكون وراء رواج صحيفة دون أخرى أو زيادة نسبة التوزيع في يوم عنه في يوم آخر, وأود لو كان في كل مؤسسة أو وسيلة نشر صحيفة كانت أم مجلة أم موقعًا إلكترونيًّا وحدة لضمان جودة الأعمال فكريًّا وفنيًّا وإبداعيًّا فضلا عن رصد الأخطاء الفادحة أسلوبيًّا ولغويًّا وطباعيًّا في ما ينشر على بعض المواقع, مما يفقد الأعمال جانبًا كبيرًا من قيمتها وبهائها ورونقها فضلاً عن تقديرها واحترامها في بعض الأحايين, حتى صار الإتقان الذي هو أصل من أصول ديننا استثناء, وكاد الاستثناء في الخروج على النص أن يكون أصلا, وكتاب المقال على الجملة فريقان, الكاتب المتخصص والكاتب الشمولي ولكل دوره ونكهته, أما الكاتب المتخصص فهو من يحبس نفسه على فن من فنون المقال السياسي, أو الديني، أو الاقتصادي، أو الفني, أو الرياضي, أو العلمي, بحيث يصبح علمًا في فنه, وعلامة بارزة بين قرائه المتخصصين بما قد يصل به إلى كونه عمدة أو مرجعًا لا يمكن تجاوزه فيما حبس نفسه عليه, وهذه مدرسة تستحق التقدير, غير أن صاحب هذا الاتجاه مع تميزه الشديد فيه يكون في حاجة ماسة إلى قدرة كبيرة على حبس النفس على هذا الفن وكبح جماحها عما سواه, نظرًا لاتساع الهموم والرغبة الجامحة لدى كثيرين في الإدلاء في كل فن بدلو أو بطرف, وهذه القدرة على التحكم في النفس لا يستطيعها كل الناس أو كل الكتاب, على أن خروج الكاتب مرة هنا أو هناك لا يخرج به عن كونه كاتبًا متخصصًا. أما الكاتب الشمولي فهو ذلكم الكاتب الذي يتخذ من المجتمع وفنونه وقضاياه المتنوعة مادة خصبة واسعة, فهو أشبه ما يكون بالشاعر أو الروائي أو القاص أو المصور الذي يلتقط كل ما يخطف نظره أو يسترعى انتباهه, ليس حاطب ليل كما يقولون, إنما هو مبدع أو مفكر أو مثقف مهموم بهموم العامة تتسع مداركه الثقافية والفكرية اتساع هذه الهموم وتلك الأماني والمستجدات, فهو متتبع للأحداث متعقب لها يعمل قلمه حيث شد انتباهه, غير أنه في الأعم الأغلب يقف عند ظواهر الأمور وإن تعمق أو تأمل أو حاول سبر أغوار بعضها فقد لا يكون بعمق هذا المتخصص المنقطع لفنه, وحتى لو حالفه التوفيق في مقال هنا أو هناك فأصاب فيه المحز, فإن التخصص يظل تخصصًا والمتخصص يظل متخصصًا والمبدع مبدعًا والمثقف مثقفًا والمفكر مفكرًا والهواة هواة.

لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة

رابط دائم: