رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الهجرة غير الشرعية كشفت شيخوخة الدولة الشابة

من يقف وراء مخطط تحويل صورة مصر من دولة شابة إلى دولة يحكمها العواجيز ؟.. سؤال يحيرنى الآن بقوة رغم أننى أشاهد الشباب حول الرئيس السيسى فى كل المشروعات التى يفتتحها وأسمعه يخاطبهم: «مصر بكم انتم .. أنتم اللى حتعمروها وانتم اللى حتبنوها وتخلوها أد الدنيا».. فأشعر بالاطمئنان، فالرئيس لا يتأخر فى التأكيد أن كل هذه المشروعات ما كانت لتتم بدون مشاركة الشباب وأن الهدف من إقامتها هو ضمان مستقبل مشرق للشباب، لكننى حين أنظر حولى ابحث عن الشباب الذين يشكلون ٦٥ فى المائة من عدد السكان فأجد قطاعات كاملة تعانى فقرا فى الشباب. وفى الناحية الاخرى اشاهد تكدسا من الخريجين فى قطاعات التجارة والحقوق والاداب والاعلام، وأشاهد غيابا كاملا للربط بين البحث العلمى ومجالات التنمية بينما أجد نزوحا جماعيا من شباب الباحثين حديثى التخرج لاستكمال دراساتهم وأبحاثهم فى جامعات أوروبا العجوزة، وفى المقابل أشاهد «طناش» حكومى عن دراسة السبب الحقيقى الذى يدفع الاهالى لتشجيع ابنائهم للهجرة عبر قوارب الموت، فبدت ورش الحرفيين شبه فارغة من الميكانيكية والسمكرية والسباكين والحدادين والنجارين، وفى مصر قرى بالكامل هجرها الرجال إلى الخارج وباعوا أو بنوا على الأرض الزراعية!

شاهدت كيف تحولت الهجرة للصحراء الى رحلة عذاب ومقبرة لحلم كل شاب تسول له نفسه أن يتجه لزراعة قطعة أرض صغيرة بالصحراء، تتركه الحكومة يعانى الأمرين فى حفر البئر الجوفى أو شراء وإصلاح ماكينة رفع المياه أو الحصول على الأيدى العاملة المطلوبة للزراعة أو جنى المحصول، حتى ييأس المغامر ويطفش ويهجر الزراعة، ولدىّ صور للمهندس عبد الظاهر فى سيناء الجمعة الماضى وقد ترك محصول الزيتون والجوافة يسقط على الأرض حتى يجف ويموت، لأنه لم يجد من يحصدها، ثم لأنه أصيب بالإحباط لعدم تقنين وضع الأرض التى استصلحها ويزرع فيها منذ عشر سنوات ولايعرف هل يزرعها بالملكية أو مدة الانتفاع أو حتى بالإيجار، ويتمنى لو أن الدولة أو وزارة الزراعة حفرت الآبار فى سيناء وتولت تعيين خريجى الزراعة لصيانتها مقابل إيجار معلوم يقسط على مدة حق الانتفاع للجادين فى الأرض الصحراوية،!

كما أننى أتحدى من يعرف قواعد ثابتة أو معايير توزيع أرض مشروع «الواحد ونصف مليون فدان» وهل يعرف كل شاب او خريج زراعة ان من حقه ان يحصل على قطعة ارض زراعية مثل معرفته بحقه فى الحصول على شقة عصرية فى الاسكان الاجتماعى؟ فإذا كانت معايير توزيع الارض غير موجودة فهى جريمة أما إذا كانت موجودة ولا يتم تسويقها إعلاميا وتترك غائبة عمدا عن آلاف الشباب حتى تنفرد بها الشركات الكبيرة فهى جريمة أبشع. فقد آن الأوان للدولة أن تتوقف عن تقييم المشروعات بمنطق الربح والخسارة بل هناك مشروعات لا بد أن تدفع فيها الدولة مقابل تشغيل الشباب وتحريك عجلة المشروعات والأمل للأمام ووقف المنادين ببدل البطالة أو الدعم النقدى الذى يكرس مبدأ الشحاتة وهو الوجه الآخر للشعور بعدم الانتماء والرغبة فى الفرار ولو بقوارب الموت.

يوم الجمعة الماضى ذهبت الى ورشة إصلاح سيارات بمدينة 6 أكتوبر وجدت مركز صيانة وإصلاح به عشرات من الورش للسمكرة والدوكو والميكانيكا وقطع الغيار يقوم على أكتاف العمال السوريين فقط حتى المطاعم تقدم الوجبات الشامية، وبرغم أننى وجدت منهم خدمة راقية وأفضل معاملة، لكننى لم أمنع نفسى من التساؤل: أين العمال والأسطوات والفنيين المصرييين المهرة الذين كانت أيديهم «تتلف بحرير» ؟

وأتابع الآن طوفان الغضب على النائب الهامى عجينة الذى نقلتنا تصريحاته المجنونة عن كشف العذرية من الحزن على ضحايا الهجرة غير الشرعية إلى الحزن على مستقبل الحلول فى برلمان الثورتين، ووصف الاتحاد النسائى تصريحاته بأنها انتهاك لجسد المرأة واتهمه زملاؤه بالبرلمان بأن تصريحاته تمس الأعراض والشرف وأشعرت زميلاته النائبات بالخجل، بسبب ملف تصريحاته الشاذة ضد الرجال والنساء، ورغم كل التصريحات النارية التى وجهت لعجينة، إلا أن أحدا لم يطرح حلا لمشكلة الزواج العرفى الخطيرة التى تعد أحد جوانب مشكلة البطالة والتكدس والاحباط وفضلوا حلها، بإحالة النائب للجنة القيم، وهو حل ليس غريبا على برلمان لم يعتد تقصى الحقائق للوصول الى جذور المشكلات بل اعتاد بيانات الشجب وطلبات الإحاطة وتوقيف النائب!

وهى حلول تذكرنى بالحل الذى قدمه رئيس قرية «سلوى» بالصعيد قبل ثلاثين سنة؛ حين فوجئ بقرار القوى العاملة بتعيين 50 موظفا فى يوم واحد لشغل ثمان وظائف فقط بالوحدة المحلية، وكل صباح حين يأتى الموظفون لـ «تلبية نداء الوظيفة» كانت الوحدة تقضى أكثر من ساعتين لفك الاشتباك والخناقات حول المقاعد الثمانية، فتتعطل المصالح حتى يتحدد من عليه الدور للجلوس على الكرسى، وبدلا من خلق فرص عمل جديدة تفتق ذهن مدير الوحدة المحلية بإلغاء الكراسى وأن يمارس كل موظف عمله واقفا أو جالسا على الأرض!

أعرف أن لكل مشكلة حلا، لكنه ليس بإلغاء الكراسى أو غض الطرف عن الهجرة غير الشرعية أو حل مشكلة الزواج العرفى بوقف «عجينة» أو إلغاء العضوية، باختصار نحتاج لقرارات عقلانية تعبر عن القلب الشاب لدولة فتية وتزيح الوجه العبوس العجوز الذى يراد تصديره للدولة المصرية!

لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف

رابط دائم: