رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

النمر الذى افترسنا

يقول الخبر الذى لا يكاد يصدق: «إن نمرا افترس طفلة أمام أبيها وأمام الناس» فتظن أولا أنه حدث فى مكان ما بإفريقيا فى إحدى الغابات ولكن الخبر يعيدك إلى الواقع وإلى الذهول فقد حدث هذا هنا وفى إحدى قرى مصر المأهولة بالسكان؟

بداية علينا أن نعرف أن النمر هو أشرس الوحوش القاتلة.. ربما أشرس من الأسد نفسه فقد يصل به الأمر حين يجوع إلى أن ينزل الماء ويسحب تمساحا كبيرا كاملا بكامله إلى البر ويقلبه ويبقر بطنه ويأكله أى أنه قادر بشراسته على مهاجمة الوحوش ذاتها حين الجوع فمن أين أتى هذا النمر الجائع؟ من السيرك مثلا؟ «لا» الإجابة أن النمر أتى من «مزرعة» يملكها أحد رجال الأعمال الذين يتاجرون فى الحيوانات المتوحشة!! وأن تلك المزرعة موجودة فى زمام القرية وأنها تحوى العديد من الحيوانات الأسود والنمور والضباع والفهود والثعابين الكبرى.. وأن تلك المزرعة ليس لها أسوار أسمنتية وأنها مفتوحة على الصحراء حيث هذه الوحوش تربض داخل أقفاص حديدية تفكر فى الهروب.أما كيف خرج هذا النمر ـ فإنه هرب مع اثنين من زملائه وبعض الضباع!!

والسؤال: ما دخل وزارة الزراعة فى ذلك؟ هل لأن هذه الغابة تحمل اسم «مزرعة»؟! ثم ما الهدف من إقامتها؟ المتاجرة فى بضاعتها؟ وهل هذه بضاعة؟ ومن المشترى ومن المستفيد؟ وهل استخدم رجل الأعمال هذا ماله الذى منحه له بلده فى زراعة أو استثمار شىء صالح أم أن المسألة سداح مداح ولا رقيب ولا حساب ولا قانون إنما الهدف هو التجارة والمكسب وزيادة الملايين وصولا للمليارات ولو حتى تاجر فى البشر؟!

والسؤال الثانى: كيف رخصت له الجهات الأمنية سكنى الوحوش مع سكنى الناس؟ أين الحد الفاصل بين النوعين؟ أين الأمن الذى بسببه وبسببه فقط تأسست وأقيمت «المدينة» لتكفل للناس الحياة وحاجتهم إلى الأمان تحت حماية القانون.

فى إحدى قرى الهند.. فى الثمانينيات أقيم مصنع كبير.. أقامه رجل أعمال من درجة «مهراجا» بعد أن أقنع فقراء القرية بأنه يوفر لهم العمل هروبا من الفقر والجوع وفى ليلة ما بينما هم نائمون حدث خلل ـ محتمل ـ داخل سوائل المصنع الكيميائى نتج عنه غاز سام.. تسرب منه ليلا فقتل كل أهل القرية.. البعض وهم نائمون والبعض وهم يحاولون الفرار وهكذا كفل لهم العمل والراحة معا.. ولا ننسى مأساة «تشيرنوبل» الذرية فى روسيا التى قتلت الآلاف نتيجة خطأ فى التفاعلات أيضا.. فخرج الجحيم يقتل ومعه الأشعة القاتلة التى لاتزال تواصل الهلاك حتى الآن.

هناك دائما ما يسمى احتمالات الخطر.. واحتمالات ما هو خارج القانون والاحتياطات اللازمة إن أشهر سفينة حكى عنها العالم وهى «تيتانيك» صممت أصلا على أساس مدروس تماما أنها ضد الغرق بأى شكل من الأشكال ومع ذلك غرقت! من المدان فى تلك المأساة الحالية؟ النمر.. أم صاحب المزرعة أم وزارة الزراعة أم الأمن.. أم السبهللة واللا مبالاة والاستهتار بحياة الناس؟ هل ضاقت الصحراء مثلا لنقيم فيها أمثال تلك المزارع بعيدا عن البشر وما أكثر امتدادات الصحراء فى مصر؟ وهل روعيت حدود الأمان الكاملة؟

لقد تكتل الأهالى وقتلوا النمر.. وماذا بعد؟ لقد اشتكى الناس هناك مرارا ولكن بقى صاحب المزرعة كما هو كأن لم يسمع فكيف كان هؤلاء الناس ينامون ليلهم بينما أصوات الوحوش تصل اليهم تحول أحلامهم كوابيس وفزعا وماذا سيفعل القانون الآن.. ما موقفه! وكما حدث القتل للطفلة البريئة المسكينة علنا.. يجب أن نسمع صوت القانون علنا وعاليا حتى لا يفقد الناس ثقتهم فى العدل.

إن كثيرا من رجال الأعمال فى مصر قد أصبحوا نمورا ـ تحت عباءة الرأسمالية المتوحشة ويتصرفون على هذا الأساس استنادا إلى قوتهم المالية وإن كان الفارق فيما حدث أنهم ـ كرجال أعمال ـ نمور مطلقة خارج الأقفاص.. وأمام أعين الجميع بينما الطفلة تجرى وتصرخ أمامهم مستغيثة بالرحمة.. وبالصوت الضارع.. وبحق الحياة لكنهم لا يسمعون.


لمزيد من مقالات بهيج اسماعيل

رابط دائم: