رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

فنانو مصر فى العراق

مؤكد أن وجود فنان أو فنانة من مصر فى أى بلد عربي، يسعدنا جميعا لأنه يمثل إضافة نوعية، حتى لو كان هذا البلد

على غير وفاق سياسى مع توجهات الدولة، فلا تزال هناك قيمة كبيرة للقوة الناعمة، يمكن أن تسهم فى زيادة الرصيد المعنوي، أو تقلل من محاولات الاستهداف السياسي.

الضجة التى أثيرت حول قيام عدد من الفنانين بزيارة العراق أخيرا، وحضور ختام مهرجان الغدير للإعلام بالنجف الأشرف الأحد الماضي، تسببت فى لغط كبير، حيث اعتبر كثيرون الزيارة ليس لها علاقة بالفن، وتنطوى على دلالات مذهبية معينة، ربما تكبد الدولة المصرية تكاليف سياسية باهظة، فالتفسير المذهبى حمل إشارات مبطنة بشأن عدم استبعاد وجود تشجيع رسمى لهذا النوع من الزيارات.

فى ظل الحمّى التى تجتاح المنطقة، وتصاعد حدة الانقسامات الطائفية، من السهولة أن ترمز كل شاردة وواردة فى هذا المضمار، تفسيرا مذهبيا، لأن البراءة ليس لها اعتبار فى كثير من القواميس العربية الآن.

لذلك من الطبيعى أن تحمل زيارات عدد من الفنانين (والفنانات) المصريين للعراق معانى سياسية، خاصة أنها تكررت خلال العامين الماضيين، واختصت مزارات شيعية شهيرة، وتقليد بعض العادات المعروفة عند أصحاب هذا المذهب، وبدت الجهة الداعية منه أو محسوبة عليه.

من الطبيعى إذن أن تساور البعض شكوك وهواجس، ويوجه آخرون اتهامات وانتقادات لكل من ذهبوا إلى بغداد ومدن شيعية معروفة فى العراق، ومهما دافع من زاروا ومن قلدوا، ومن بكوا على الأطلال، فالصور التى تم تداولها توحى بأن ثمة مكونات سياسية فى الموضوع، حتى لو كانوا من ظهروا فى صدارتها أو على هوامشها، ليس لهم علم بمرامٍ خفية.

السياق العام، فرض طقوسه وأرخى بظلال سلبية على هذه الزيارات، فمن دعوا ومن استقبلوا ورحبوا، نجحوا فى توظيفها، وربما استغلوا جهل وسذاجة وعدم دراية البعض بما يدور فى المنطقة من تربيطات وتحالفات على أسس مذهبية، فقد ألمحت صور التقطت هناك، أن المجتمع المصرى يميل إلى الطقوس الشيعية ومن ثم المذهب وأتباعه، لأن من ذهبوا، جرى التعامل معهم على أنهم كريمة أو نخبة من مصر، تمثل شريحتها الرئيسية فى القوة الناعمة، ولم يلفتوا أو تعمدوا ألا يلتفتوا إلى أن منهم من غابت عنهم الشمس تماما.

بالتالى فالمسألة تتجاوز حدود الزيارات العادية (الكرنفالية) مادامت أخذت منحى سياسيا، بشكل مباشر أو حتى على استحياء، ففى النهاية توجد مسئولية أخلاقية واجتماعية تقع على عاتق كل فنان (وفنانة) لأنه عندما قبل بالعمل العام، لابد أن يكون مدركا بعدم تمثيله نفسه فقط، فما بالنا، إذا أصبح نجما أو واجهة أو رمزا لبلد، هنا تكون المسئولية أفدح؟

الأمر الذى يتطلب قدرا كبيرا من التدقيق والحذر والتريث، والدراية بما هو يتخطى الحدود الظاهرة، لأن ليّ أعناق بعض الأحداث، والدلالات الكبيرة التى يمكن أن تحملها، قد تجعل منها قضايا كبيرة لها تأثيرات سياسية، حالية ومستقبلية، وتتنامى عندما يتسع نطاق التصيد والتوجيه.

لا أدرى هل الأجهزة الأمنية على اطلاع بهذه الزيارات وأبعادها وتبعاتها، أم تم التعامل معها على أنها رحلة أو نزهة عادية؟ ولا أعلم هل حصل هؤلاء على موافقات أمنية وسياسية، مباشرة أو ضمنية، أم لم ينتبه إليهم أحد وسط الصخب والزحام؟ .

وفقا لمعرفتنا بالأداء العام الصارم، أعتقد أن الزيارات لم تكن غائبة عن أعين الأجهزة الأمنية، وغير مستبعد وضعها تحت المجهر، عن قرب أو عن بعد، وهنا أتذكر واقعة حكاها لى صديق ذهب إلى إيران منذ خمسة أعوام، وطلب منه مسئول كبير فى طهران أن يقوم بتوصيل رسالة مباشرة إلى محمد بديع مرشد الإخوان المسلمين، فرفض زميلنا وأصر على التعامل بشكل صحفى (النشر) مع أى حديث يقوله، وعندما سئل عن سبب الرفض، قال له إنه صحفى فى المقام الأول، وثانيا يخشى أن يكون هو نفسه (أى المسئول الإيرانى الكبير) يعمل لحساب أحد الأجهزة الأمنية فى مصر ويوقعه فى الفخ.

من الناحية السياسية، نحن أمام احتمالين، يفسر أحدهما أو كلاهما، أسباب تكرار هذه الزيارات والسكوت عليها، مع أن إفرازاتها لم تعد خافية، ليس فقط على مستوى الفنانين فى هذا التوقيت، الذى أصبحت فيه أشياء عادية تحمل أغراضا سياسية أكثر مما نتوقع.

الأول، التعامل معها بحسبانها رحلات خالية من المضامين السياسية، وهو ما يعنى استهانة بالغة، وجهلا بما يدور فى العراق من تشابكات وتعقيدات لها روافد تمتد إلى خارجه، فالعواطف لا تصلح ركيزة فى القضايا السياسية الحرجة، حيث زعم البعض أنهم ذهبوا تضامنا مع الشعب العراقى فى مواجهة تنظيم داعش الإرهابي.

الاحتمال الثاني، الوعى بجميع التفاصيل والارتدادات السياسية، لتوصيل رسائل مختلفة، بعضها يتعلق بالعلاقة مع الشيعة كمذهب، يحترمه المصريون، والبعض الآخر على صلة بالطبقة الحاكمة فى العراق، وغالبيتها شيعية، وربما إيران، بغرض توصيل رسالة سياسية غير مباشرة، انطلاقا من وجود ممانعات فى الوقت الراهن، تفرض اللجوء إلى الغزل العفيف بدلا من الصريح.

لمزيد من مقالات محمد ابو الفضل

رابط دائم: