رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
ويتميزون بملابسهم وحليهم ورقصاتهم وعلاقاتهم الداخلية التى تعطى للمرأة مكانة مرموقة، ناهيك عن فنون قتالهم ومهاراتهم فى كسب رزقهم بالحيلة وأشياء أخرى.. أقول ذلك كى لا يتسرب وهم بالتمييز العنصرى قد أتهم به إذا قلت إن كثيرين من مثقفينا وسياسيينا يصدق فيهم المثل الذى كانت تضربه جدتى عندما تقرع سمع من يستهلك ولا ينتج، بل ويسخر من إنتاج المنتجين فتقول: أنتم عاملين زى عواجيز الغجر أكل ونأورة ومعلوم أن النأورة التى ربما تكون فصحاها نقورة هى السخرية اللفظية الحادة من الآخر، وهى فى بعض اللهجات العامية نأوزة!! ذلك أنه جمعتنى مع أصدقاء قدامى جلسة كنا فيها كلنا من قبيلة اليسار بدرجاته.. أحمر قانى للذين لا يخفون انتسابهم للحركة الشيوعية المصرية، وأحمر فاتح قليلا لماركسيين غير منظمين ثم أفتح شويتين لأعضاء فى حزب التجمع وصولا إلى البمبى الذى هو العبد لله ممن هم قوميون يعتنقون الجدل منهجا والعدل الاجتماعى غاية، وقد يخرجهم عتاة اليساريين من زمرة اليسار فيصنفونهم برجوازية صغيرة! ومع الطعام الشهى والشراب البهى وضمن تشكيلة على ذلك النحو كان حتميا أن يدور الكلام حول المرحلة بكل ما ومن فيها.. وبدأ جر الشكل من زاوية أن هناك من يعبدون العبودية للعسكر،، وبدأت الأسطوانة تدور حول ثورة يوليو وناصر وإجهاض الثورة الوطنية الديمقراطية التى كانت تختمر فى جوف مصر قبل 1952، وأنه من الطبيعى أن تتجاذب مكونات البرجوازية الصغيرة من عسكر، ومثقفين غير ثوريين جذريين وشرائح من الطبقة الوسطى! وكنت أنا المقصود بالطبع.. إلا أن الداعى للجلسة والمتكفل بالفاتورة كل مرة تصدى بحسم شديد للأطروحة، وذهب إلى أن اليسار الحقيقى هو من يؤمن بدور جيش مصر ويميز بينه وبين جيوش أخرى فى بلاد أخرى! ولأننا كلنا نفهم فى كل شيء اتجهت إلى ضرورة الاحتكام للمنهج.. وعندما تذكر كلمة المنهج ينصت الجميع، خاصة إذا كانوا من قبيلة اليسار وتحدثت عن قضية التناقضات والأولويات وحتمية التمييز بين التناقضات الرئيسية والأخرى الجزئية والثالثة الهامشية، ومن ثم وبناء على فهم التناقضات نستطيع أن نحدد الأولويات.. وبعدئذ يكون السؤال الحقيقى وليس المجازي: ما هو التناقض الرئيسى الذى تجب مواجهته كأولوية أولى، هل هو الصراع ضد قوى التخلف اليمينى ذى الصبغة التى تزعم مرجعية دينية وتنحو نحو الإرهاب والقتل والتدمير، أم ضد المؤسسة العسكرية الوطنية أى جيش مصر الوطني؟، وهل يدخل ضمن التناقضات الرئيسية محاولات مصادرة حق مصر فى مياه النيل، ومحاولات حصارها إقليميا لعزلها عن دوائر فعلها؟ وهل يدخل أيضا المخطط الذى تم تنفيذه بضراوة لتفتيت مصر وتفكيكها وضرب نواتها الصلبة أى تماسكها الاجتماعي؟ وهل يدخل الإفساد والفساد وتفشى النهب والسلب ومعهما شيوع القيم المضادة للتنمية والعمل، ضمن التناقضات الرئيسية أم لا؟! ثم استمر ذكر التناقضات بدرجاتها الأخرى، ووصلنا للسؤال المتصل بمن وكيف التصدى لهذه التناقضات، وهل يتم الانتظار لحين تبلور قوى سياسية مدنية منظمة متماسكة قوية لديها برامج واضحة قابلة للتطبيق ولديها وجود جماهيرى منتشر فى ربوع الوطن ومؤسساته الإنتاجية فى الحقول والمصانع والمصالح وغيرها، أم من الوارد مرحليا الاعتماد على القوة الوحيدة المنظمة المنضبطة واضحة الرؤية محددة المهام غير التابعة لأصابع خارجية ومستقلة التمويل وهى القوات المسلحة؟! وعندئذ عدنا إلى التاريخ الذى هو مخزون الخبرة الوطنية وهو المتن الذى يمكن استخلاص الدروس منه، لنجد أن الآفة الكبرى القاتلة التى تضرب الوطن فى كل مفصل تاريخى هى آفة الخلط وآفة غياب فهم طبيعة التناقضات ومن ثم غياب القدرة على ترتيب الأولويات. نحن أمام مشهد تصدق فيه حكاية جدتى عن عواجيز الغجر، لأن هناك من يستهلك ولا ينتج ويؤثر أن يبقى مشاركا بالانتقاد والتهجم لدرجة التجنى والبذاءة، ولا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب، والأكثر عجبا أن معظم إن لم يكن كل الذين يتهجمون لديهم عمى بصر وطمس بصيرة، يحول بينهم وبين أن يبدأوا بأنفسهم.. بأن يعملوا وأن ينتجوا وأن يؤدوا دورهم فى بناء هذا الوطن وأن يتركوا غيرهم يعمل، ويعطوا الفرصة لاستكمال ما بدأ تنفيذه من مشاريع كبرى ومن تحولات حقيقية باتجاه استعادة العزيمة الوطنية والإرادة الجمعية، واحترام قيم العمل ليصبح كما كان واجبا وحقا وشرفا! أعرف محترفين للكتابة على الفيس بوك ولا تمر ساعة إلا ولهم إسهام ما، إما بتغيير صورهم الشخصية لاستعراض بوزات طلعتهم البهية، وإما بصب اللعنات على قيادة النظام الحالى وعلى كل من يخالفهم الرأي، ولدرجة استخدام ألفاظ ومصطلحات لا تليق بمن يدعى لنفسه أنه مفكر أو مثقف ويعرف العيب والحلال والحرام، ولأن الحقيقة لا تتجزأ فإن منهم هم أنفسهم من يستحل سرقة إنتاج غيره ونسبته لنفسه ليتقاضى عنه أجرا، فإذا تمت مواجهته بما حدث منه لا يعتذر وإنما يمضى فى الطريق نفسه!! خلاصة ما وددت قوله من محصلة هذا الحوار اليسارى هو: قليل من المنهج يرحمكم الله.. والتاريخ. لمزيد من مقالات أحمد الجمال