رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بريطانيا.. هل هى بداية النهاية لحزب العمال؟

رسالة لندن: منال لطفى
أعضاء حزب العمال
«هل أنت بخير؟...أنا أتكلم بجدية دعنا نلتقي على فنجان شاي قريبا».. سأل جون ماكدونال، الذراع اليمنى لزعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربن النائب البارز جون ودكوك أحد أكبر منتقدي كوربن بعد اعلان نتائج انتخابات زعامة الحزب والتي فاز فيها كوربن بأغلبية الأصوات مجددا. ابتسم ودكوك ابتسامة باهتة ثم قال للصحفيين: هذه أول مرة نتحدث فيها منذ أشهر بدون أن ترتفع أصواتنا.

الشقاق حاد داخل حزب العمال البريطاني حول زعامة جيرمي كوربن، وليس هناك دليل على أنه في طريقة للالتئام بعد إعادة انتخاب كوربن زعيما للحزب بأغلبية 61.8% مقابل 38.2% لمنافسه أوين سميث .
فبعد اعلان النتائج مباشرة غادر غالبية أعضاء الحزب في المؤتمر الرسمي في ليفربول القاعة، الكثير منهم في حالة وجوم وصمت، فيما كان أنصار كوربن يبدأون الإحتفال في قاعة أخرى قريبة في تجمع مواز أقامه تنظيم مؤيد له في صورة تعكس الشقاق والخلافات الحادة داخل الحزب حتي بات الكثير من أعضاء الحزب والمعلقين يتحدثون عن الحزب بعبارات حزبين لا حزب واحد وصراع الحرس القديم مع الحرس الجديد وحتي حزب العمال الجديد. وقد لا تكون هناك مبالغة كبيرة في استخدام توصيفات مثل هذه لوصف ما يحدث داخل الحزب حاليا. فمنذ سبتمبر 2015 إلى سبتمبر 2016 تغيرت بشكل لافت ملامح حزب العمال والقوى التصويتية المؤثرة داخله وذلك بعد فتح الباب أمام مئات الالاف للأنضمام للحزب أو التصويت في انتخاباته الداخلية بعد دفع 3 جنيه استرليني، أرتفعت لاحقا إلى 25 جنيها استرليني في محاولة لمنع الهرولة غير المسبوقة نحو عضوية الحزب لدعم كوربن. وبعدما كان عدد أعضاء حزب العمال نحو 250 ألف شخص قبل نحو عام فقط، إرتفع ذلك العدد إلى نحو 600 ألف حاليا، الكثير منهم أفراد شديدو الولاء لكوربن، أو تجمعات اشتراكية ذات توجهات أكثر يسارية بكثير من يسار الوسط داخل حزب العمال، ما همش عمليا الكتلة البرلمانية لحزب العمال والتي تميل في غالبها ليسار الوسط.
ويعتقد أندي تيري أحد ناشطي حزب العمال المؤيدين لأوين سميث أن التطورات المتسارعة في بنية الحزب سبب أساسي للخلافات الحادة داخله اليوم. ويوضح: جيرمي كوربن نسي أنه زعيم حزب سياسي في نظام برلماني، وليس زعيم طائفة أو قائد تنظيم اشتراكي أو نقابي على هامش الحياة السياسية البريطانية. لـ«الأهرام» ففي النهاية زعيم الحزب يجب أن ينال دعم وتأييد الكتلة البرلمانية لحزبه في البرلمان لأنه لا يمكنه الإعتماد على البنية التحتية من ناشطي الحزب أو الأعضاء الجدد فقط. ويتابع لـالأهرام:اليوم قلب مؤسسة حزب العمال تشعر بالتهميش. فصوتها لم يعد مهما لانتخاب زعيم الحزب لأن نسبتها تقلصت كثيرا بعد التوسع الهائل في عضوية الحزب خلال الأثني عشر شهرا الماضية.
وللدلالة على حجم التغيير خلال عام واحد في تركيبه حزب العمال، تشير الأرقام حول تقسيم الأصوات في انتخابات الزعامة والتي جمعت مباشرة بعد التصويت عبر سؤال الأعضاء لمن صوتوا، إلى أن أوين سميث كان سيفوز بزعامة حزب العمال لو جرت الإنتخابات بأعضاء حزب العمال المسجلين خلال الانتخابات العامة في مايو 2015. فوسط هذه الشريحة، نال أوين غالبية الأصوات. وما رجح كفة كوربن هى الأصوات التي إنضمت للحزب من سبتمبر 2015 حتي اليوم، ففي هذه الشريحة الجديدة فاز كوربن بـ 80% من الأصوات. هذا التغيير الكبير في بنية الحزب وتركيبته الداخلية من حيث العضوية لن ينعكس فقط على قوة الكتل التصويتية في أي تصويت أو انتخابات مقبلة، لكن أيضا والأهم على سياسات الحزب. فالتركيبة الحالية تعطي النقابات والتنظيمات الإشتراكية وأقصي اليسار اليد الطولي لتحديد سياسات حزب العمال. ومعضلة هذا التحول أنه يأتي في وقت يتحول فيه المزاج في بريطانيا أجمالا نحو يمين الوسط. , وفي نظر الكثيرين ما حدث هو ببساطة اختطاف لحزب العمال من قبل الجماعات الأكثر راديكالية على يسار الحزب والتي حاولت دائما السيطرة عليه، لكن في نظر آخرين المسألة حتي أكثر خطوة وتتلخص في تحويل حزب العمال من حزب أساسي في البلاد إلى حزب هامشي قد يخسر مكانته تدريجيا بسبب الصراع الداخلي على هوية الحزب من ناحية، وعدم مواكبته للتطورات السياسية في بريطانيا وأوروبا أجمالا من ناحية ثانية. وبرغم أن كوربن وأنصاره يرون أن توسيع القاعدة الشعبية للحزب وزيادة عدد أعضائه إلى نحو 600 ألف عضو ليكون أكبر الأحزاب من حيث العضوية في بريطانيا وأوروبا كلها، يرون هذا دليلا على الديمقراطية الشعبية وإنخراط الحزب جماهيريا، إلا أن تزايد عضوية الحزب خلال العام الماضي لا تعني أن قدرته على منافسة حكومة المحافظين بزعامة تريزا ماي قد تزايدت لدى مجمل الرأي العام البريطاني.
فأخر استطلاع للرأي العام البريطاني والذي أجرته مؤسسة ابسوس موراي لقياس الرأي العام في الفترة من 10 إلى 14 سبتمبر الجاري، حول صورة تريزا ماي وجيرمي كوربن، قال 55% ممن تم استطلاع رأيهم إن تريزا ماي لديها رؤية واضحة لبريطانيا، مقابل 36% لكوربن. فيما قال 61% إن ماي تفهم المشاكل التي تواجهها بريطانيا، مقابل 44% لكوربن. أما فيما يتعلق بالثقة في صواب القرارات، فأعرب 56% عن ثقتهم في ماي، مقابل 30% لكوربن. وفيما قال 52% إن ماي ستقود بشكل جيد في حالة حدوث أي أزمة، أعرب 18% فقط عن ثقتهم في كوربن في زمن الأزمات. أما فيما يتعلق بالقدرة على قيادة البلاد، فقد أعرب 68% عن ثقتهم في ماي مقابل 24% فقط أعربوا عن دعمهم لكوربن. لقد أضرت الأزمة الطاحنة التي يعانيها حزب العمال بصورة جيرمي كوربن كما أضر به الطريقة التي أدار بها أستفتاء يونيو الماضي حول علاقة بريطانيا بالإتحاد الأوروبي. وفي استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة ابسوس موراي حول شعبية كوربن منذ عام مقارنة بشعبيته اليوم، تشير النتائج إلى تراجع كبير في شعبيته والثقة في قياداته لحزب العمال وبريطانيا، فبينما قال 49% في سبتمبر 2015 إن كوربن يفهم المشاكل التي تعانيها بريطانيا انخفضت تلك النسبة إلى 44% في سبتمبر الجاري. وبينما قال 47% في سبتمبر 2015 إن لديه رؤية واضحة لبريطانيا أنخفضت تلك النسبة إلى 38% حاليا. وبينما قال 23% أنه قادر على مواجهة الأزمات العام الماضي، انخفضت تلك النسبة إلى 18% فقط في سبتمبر الجاري. أما فيما يتعلق بالقدرة على القيادة، فقال 32% في سبتمبر 2015 إنه قادر على القيادة، لكن هذه النسبة أنخفضت إلى 24% حاليا. وإجمالا يعد كوربن من أقل زعماء المعارضة شعبية في تاريخ بريطانيا سواء بين ناخبي حزبه أو بين البريطانيين عموما.
وبينما تتفاقم الأزمة داخل حزب العمال تشعر القواعد الشعبية التقليدية للحزب بحالة تيه سياسي غير مسبوقة. ففي مدينة ليفربول العمالية التي تعد من القواعد العتيدة التقليدية لحزب العمال، لم يكن من السهل اجاد متفائلين بمستقبل الحزب أو بزعامة كوربن. وفي نظر الكثيرين يتحرك الحزب نحو أقصى اليسار مدفوعا بمجموعة من الناشطين المعزولة عن المزاج العام في بريطانيا، ويقول كريس شيب لـ«الاهرام» وهو من مؤيدي حزب العمال لكنه يشعر بالحيرة إزاء الأزمة الحالية التي يعانيها الحزب إعادة انتخاب كوربن ليس نهاية لأزمة الحزب. أنا شخصيا كنت أصوت للعمال، لكنني لا أعتقد أنني سأفعل ذلك الآن. فما يطرحه الحزب حاليا من سياسات مثل الأقتراض وزيادة الأنفاق وتأميم شبكة القطارات مثلا ليس حلا للمشاكل التي نعانيها. لكن على النقيض يرى أخرون ان سياسات كوربن هى خير علاج لمشاكل بريطانيا اليوم. وتقول سام ديفيز أحد مؤيدي كوربن لـ «الأهرام»:ما يطرحه كوربن من سياسات كان لابد ان يواجه بحملة كبيرة مضادة من الاعلام وحزب المحافظين والكثير داخل حزب العمال. فما يطرحه هو النقيض لأفكار توني بلير والتي ما زال لها أنصار أقوياء داخل حزب العمال، ويحبذها حزب المحافظين لانها تزيل الخطوط الفاصلة بين العمال والمحافظين، وهذا يخدم المحافظين طبعا.
وإذا كان حزب العمال يعاني لإيصال برنامجه الاقتصادي لغالبية الناخبين،، فإنه بعيد للدرجة نفسها فيما يتعلق بسياسات الهجرة. فقواعد حزب العمال، التي صوت 30% منها لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي على عكس التوجه الرسمي للحزب، تريد تقييدا كبيرا للهجرة إلى بريطانيا وترفض استقبال لاجئين. لكن هذا ليس الموقف الرسمي لحزب العمال، الذي يدعو إلى تحمل بريطانيا لنصيبها من المسؤولية فيما يتعلق بأزمة اللاجئين العالمية، عبر استقبال الالاف منهم.الرأي العام لا يحب الأحزاب المنقسمة. وينطبق هذا على بريطانيا اليوم أكثر من أي وقت مضي في ضوء حالة الغموض السياسي والاقتصادي التي تعيشها بريطانيا عقب قرار الخروج من الأتحاد الأوروبي. ومع أن كوربن وحلقته الضيقة كانوا ينادون بعد إعادة انتخابه على رأس الحزب بتوحيد الصفوف لمواجهة حكومة المحافظين، إلا أنه على الأرض ليست هناك بوادر مصالحة. فمن بين الـ52 عضوا في حكومة الظل الذين استقالوا خلال الأشهر الماضية احتجاجا على زعامة كوربن والطريقة الباهتة التي قاد بها حملة بقاء بريطانيا داخل الأتحاد الأوروبي، ليس هناك إلا عدد قليل جدا أعرب عن رغبته في العمل مع كوربن بعد اعادة انتخابه. والشىء نفسه ينطبق على الـ172 نائبا الذين صوتوا بسحب الثقة منه قبل أشهر ما فتح الباب أمام انتخابات زعامة جديدة. فغالبية هؤلاء يرفضون المشاركة في حكومة ظل تحت زعامة كورين. وما يزيد الصورة تعقيدا ويعزز مخاوف الحرب الأهلية داخل حزب العمال دعوات بعض الأعضاء الجدد داخل الحزب لـتطهير الحزب وإقصاء النواب المعارضين لكوربن، عبر عدم اختيارهم مجددا لتمثيل الحزب في الدوائر التي فازوا فيها في الانتخابات العامة في مايو الماضي. إلى ذلك هناك خلافات حقيقة حول الكثير من القضايا بين كوربن وتيار الوسط في الحزب. وعلى رأس هذه القضايا موعد تفعيل المادة 50 للخروج من الأتحاد الأوروبي، فكوربن يريد تفعيلها فورا، فيما يريد الكثيرين داخل الحزب التمهل ودراسة الخطوة بشكل جيد. أيضا هناك خلافات حول قصف بريطانيا لـداعش في سوريا والعراق، ففيما يرفض كوربن مشاركة بريطانيا في الحملات الجوية ضد داعش تحت مبدأ أن التدخل العسكري ليس حلا للأزمة، يدعم غالبية أعضاء الكتلة البرلمانية للحزب العمال مشاركة بريطانيا في قصف داعش. وبينما صوت كوربن ضد تمديد قوات الردع النووي البريطانية، دعمت غالبية نواب حزبه الخطوة. بإختصار منذ زمن رئيس الوزراء الأسبق توني بلير صوت كوربن نحو 500 مرة ضد الخط الرسمي للحزب في طيف واسع من القضايا الخارجية والداخلية، ما يعني أن مشكلة كوربن في التعاون مع الكتلة البرلمانية للحزب في ويستمنستر ليست ظاهرة جديدة. الجديد أنه بينما كان كوربن عضوا في الحزب قبل نحو العام، إلا انه حاليا رئيس الحزب والخلافات بينه وبين ونواب حزبه في البرلمان في ديمقراطية برلمانية دليل على حزب في حالة انقسام وفوضي داخلية. والرأي العام عادة ما يعاقب الأحزاب المنقسمة على نفسها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق