رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

عبد الناصر.. الميلاد والرحيل

اليوم الإثنين السادس والعشرون من سبتمبر. وبعد غد الأربعاء نصل إلى الثامن والعشرين من سبتمبر، حيث رحل عنا جمال عبد الناصر سنة 1970، أى قبل 46 عاما مضت. يكمل الرجل بعد أربع سنوات من الآن نصف قرن على رحيله، وهى المناسبة التى لا بد أن نبدأ للاحتفال بها من الآن حتى لا نفاجأ بذلك التاريخ فنتصرف تصرفات ردود الأفعال. لكنى أنصح بعدم سؤال المهندس عبد الحكيم عبد الناصر عن هذه المناسبة. فالرجل مشغول تماما بمناسبة أخري، أو فلنقل مناسبة أولى تحل العام بعد القادم. ألا وهى 2018، فى الخامس والعشرين من يناير بعد القادم يكتمل قرن من الزمان على ميلاد جمال عبد الناصر.

ولو أنه امتد به العمر وهذا مجرد كلام افتراضى لاحتفلنا معه بالعام المائة فى عمره، لكن الرجل كان من أصحاب العمر القصير الذى ينجز رغم قصر العمر ما لا يمكن أن ينجزه من يكملون المائة من أعمارهم. كان لديه إحساس بهذا، وقد قال لى الأستاذ هيكل أكثر من مرة يرحمه الله رحمة واسعة ان عبد الناصر قال له كثيرا جدا إنه يترك لهيكل كتابة حكايتهما معاً. فهو لا يعتقد أنه سيكون من أصحاب العمر الطويل، ثم إن الكتابة مهنة هيكل التى لا ينافسه فيها أحد، وقد ذكر هذه العبارة له عندما جاء إلى «الأهرام» ودخل مكتب هيكل وجلس على مكتبه وقال له يومها:

- الصحافة هى المهنة الوحيدة التى حلمت أن أعمل بها، وأتمنى عندما أكمل رسالتى ومهمتى أن أُمنح هذه الفرصة، ولكنه كان يشعر أن العمر قد لا يمتد به، ولذلك ترك لهيكل أن يدون كل ما يمكن تدوينه عنه. وقد رحل هيكل بعد 45 سنة من رحيل عبد الناصر وكتب عنه كثيرا جدا. يكفى أن نحاول إحصاء الكتب التى يدخل اسم عبد الناصر فى عناوينها، فضلا عن محتويات الكتب. حاول الرجل أن يدافع عن عبد الناصر فى مواجهة الحملات التى قامت بها الرجعية العربية والعدو الصهيونى وبعض القوى الغربية، وأنفقت عليها من الأموال أرقاما طائلة يصعب تصورها، بل ذكر لى أنه يفكر فى كتابة كتاب عن التكوين النفسى لجمال عبد الناصر. لم يهتز لحظة واحدة إيمانه بما قام به عبد الناصر، وحتى لقائى الأخير به ما إن يرد ذكر عبد الناصر حتى توشك الدموع أن تبدو فى عينيه،وعندما قلت له مرة إننى رأيت عبد الناصر رؤيا العين ثلاث مرات، لم تكن لقاءات بقدر ما كانت رؤية واحد من الجماهير العريضة التى كانت تحيط به فى كل مكان، حتى اهتم كثيرا وسألنى عن المناسبات الثلاث: متي؟ وأين؟ وماذا رأيت؟ وهل كتبت هذا الكلام أو لم أكتبه؟.

قلت له من الصعب على الإنسان أن يجلس ليكتب عن عبد الناصر كما رأه، لأننى رأيت عبد الناصر على البعد منذ أن وعيت على الدنيا وحتى هذه اللحظة، وبالتالى فإن الرؤية الشخصية قد لا تضيف، ثم إن التوسع فى ذكرها قد يفهم منه الخطأ أكثر من الصواب، ومن يترصدون البحث عن الخطأ أكثر ألف مرة ممن يدركون أن فى الدنيا صوابا يمكنهم أن يبحثوا عنه. مناسبتان تنتظراننا: قرن على ميلاده بعد عام وأشهر، ونصف قرن على رحيله بعد أربع سنوات، لكن السؤال: ماذا سنفعل فى المناسبتين؟ أعرف أن عبد الحكيم عبد الناصر يفكر فى الأمر منذ فترة، وتناقشنا أكثر من مرة، وكان تفكيره يتجه لتشكيل لجنتين للإعداد لاحتفالين بالمناسبتين. عبد الناصر لم يكن مصريا فقط. قام مشروعه على جعل مصر جزءا لا يتجزأ من وطنها العربي، ومقدمة للأمة الإسلامية. كما أنه كان يدرك أهمية مصر إفريقيا، فهى كما قال جمال حمدان إفريقية والبوابة التى تربط إفريقيا وآسيا بأوروبا بالجغرافيا، كما أن مصر مؤسسة فكرة العالم الثالث وصاحبة إلهام الحياد الإيجابى وعدم الانحياز حسب ما يعلمنا مكر التاريخ. نظلم جمال عبد الناصر ظلما بينا إن تعاملنا مع المناسبتين على أنهما من مناسبات مصر، يحتفل بها المصريون فقط، لا بد أن يكون الاحتفال بالمناسبتين عربياً - إسلاميا بالمفهوم المستنير والمتقدم للإسلام الفعلي، الإسلام الأول قبل أن يتشوه كل تشوهات زماننا الغريبة والعجيبة. عبد الناصر ليس بعيدا عن أمريكا اللاتينية. وعبد الناصر فى القلب من دول كثيرة فى هذا العالم إفريقيا وآسيويا، وقبلها وبعدها عربيا، كم من دولة تحررت من الاستعمار هنا فى القاهرة، وكان ميلاد حكامها الوطنيين على أرض مصر. قبل الاحتفال بالمناسبتين يصبح السؤال مشروعا: كيف يحتفل به معنا وقبلنا أبناء عبد الناصر الذين يملأون الدنيا الآن من أقصى الشمال لأقصى الجنوب ومن أقصى الشرق لأقصى الغرب؟ ذلك هو التحدى وتلك هى المسألة.

لمزيد من مقالات يوسف القعيد

رابط دائم: