► المصدرون: رسوم النقل غير موحدة .. وأسعار الكهرباء والغاز «مغالى فيها» بسبب التقديرات الجزافية
► الدولة أحكمت قبضتها على تجار الدولار وشركات الصرافة ولم توفر البديل فى البنوك.. فكيف نستورد مستلزمات الإنتاج؟!
► دعم صندوق الصادرات غير كاف.. والحصول عليه يتطلب الكثير من الإجراءات المعقدة
مع تجدد أزمة نقص المعروض من الدولار، تنشغل الحكومة فى كل مرة باتخاذ الإجراءات السريعة، من مطاردة لتجار العملة وإغلاق شركات الصرافة، بينما يهيب خبراء الاقتصاد بالإسراع بتمهيد الطريق أمام حلول جذرية، من شأنها رفع الاحتياطى النقدى الأجنبي، وعلى رأسها التصدير..
طارق قابيل- وزير التجارة والصناعة- كان قد أعلن أن الواردات المصرية بلغت نحو 65 مليار دولار خلال عام 2015، يقابلها صادرات بقيمة 18.5 مليار دولار. حديث الوزير جاء خلال إعلانه عن مبادرة «بكل فخر ..صنع فى مصر»، التى ستكون شعارا للشركات المصنعة لمنتج مصرى عالى الجودة، معتبرا إياها «بداية لانطلاق المنتجات المصرية فى الأسواق الإقليمية والدولية».
فى هذا الملف يفصح المصدرون عن أوجاعهم وهمومهم التى تحول دون تحقيق معدلات التصدير المرجوة، والتى تتناسب مع الموارد الغنية التى تتمتع بها مصر.. سألناهم عن العوائق التى تواجههم، ومدى التزام الحكومة بتذليلها، وكان لنا حديث مع ممثلها ياسر جابر- المتحدث الاعلامى باسم وزارة التجارة والصناعة.. كما لم نغفل الخبراء لنسترشد باقتراحاتهم.. »وصلنا لمرحلة عدم القدرة على توقع أى شيء فالسوق متقلبة بشكل كبير«.. هكذا بدأ د.وليد جمال الدين-رئيس المجلس التصديرى لمواد البناْء- حديثه، مؤكدا أن المعوقات تبدأ أساسا من مرحلة الإنتاج كمرحلة سابقة على التصدير، أما أكبر عائق يقف فى طريقهم فهو تكلفة رسوم الطرق والنقل، وعنها يقول: «لا توجد رسوم موحدة، فكل أمين شرطة أو ضابط يقدر المبلغ وفق هواه، فيطلب أحدهم 400 جنيه، وفى أخرى ألف جنيه، رغم أنها نفس «النقلة» بذات الوزن والحجم، وللأسف ينعكس ذلك على سعر المنتج، خاصة أن مواد البناء ثقيلة وحجمها كبير، وعدم معرفة تكلفة النقل بدقة يصعب عملية تسعير المنتج».
2مليار لا تكفي
ويضيف:المشكلة الثانية تتمثل فى زيادة أسعار الكهرباء وكان هناك اتفاق منذ عامين على أن تكون الزيادة متدرجة على خمس سنوات، أما الآن فالزيادة تمت دفعة واحدة، وبأثر رجعى من شهر يوليو، رغم أننا انتهينا من البيع بناء على الأسعار السابقة. الأمر الثالث هو سعر الغاز، وكان اتحاد الصناعات قد تقدم بمذكرة للحكومة لتوحيد السعر فى جميع المصانع، ليكون 4 دولارات ونصف الدولار- لكل مليون وحدة حرارية - بدلا من خمسة دولارات أو سبعة فى بعض المصانع، رغم أن السعودية على سبيل المثال توفره بدولار وربع، لكن للاسف حتى الان لكل صناعة سعر خاص، ولم تلتفت الحكومة لاقتراحنا، ويتابع جمال الدين:مع ذلك فنحن من القطاعات القليلة التى حققت نموا بمعدل التصدير، إلا أننا لسنا متفائلين، لأن كل العوامل تعمل ضدنا، فقد فقدنا السوق السورية والليبية، والسعودية تسرح العمال، وأبو ظبى انخفض دخلها 70%. أمامنا إفريقيا كبديل ونستفيد من اتفاقية الكوميسا، كما نستفيد من مزايا المجموعة الاقتصادية الثلاثية « شرق إفريقيا- السادك- الكوميسا».
سألناه عن صندوق تنمية الصادرات ومدى إسهامه فى تشجيع المصدرين، فقال ان دعمه قليل للغاية هو 2.6 مليار جنيه سنويا، وطلبنا زيادته الى 6 مليارات، وكان وزير التجارة يسعى للحصول على عشرة مليارات، لكن لم تحدث أى زيادة حتى الان.
أزمة الدولار
شريف عبد الهادي-نائب رئيس المجلس التصديرى للأثاث- أكد أن الحصول على الدولار هو أزمتهم الرئيسية، وهى قائمة من بعد ثورة يناير، لكنها تفاقمت بشكل كبير منذ فبراير الماضي، فأصبحوا مهددين بالتوقف عن العمل بسببها، وهناك من أغلق مصنعه بالفعل، ويفسر قائلا: «كل مستلزمات صناعة الاثاث من خشب ودهانات واكسسوارات يتم استيرادها، فقط لدينا العمالة وهى أرخص من الخارج، وهو ما يحدث نوعا من التوازن وينعكس بالايجاب على سعر المنتج، فيصبح قادرا على المنافسة، ومشكلتى الآن كواحد من المصدرين أنى أحتاج مبلغ 2 مليون دولار فى السنة لتشغيل مصنعي، فمن أين أحصل عليه، فى ظل عدم توفره فى البنوك، وإغلاق شركات الصرافة؟! بل أن تجار العملة يخافون من الرد على مكالماتنا، ويتابع:»أمر جيد أن تحكم الدولة قبضتها على هؤلاء ، لكنها للأسف لم توفر لنا البديل، متناسين أن التصدير عملية تحتاج للدقة فى الوقت والتسعير، تجنبا للخسارة، والقدرة على بدء دورة العمل من جديد».
العائق الثانى هو صعوبة الاستفادة من البرامج الداعمة للتصدير، وتوقف بعضها، أما بالنسبة لصندوق تنمية الصادرات، فيرى أن هناك الكثير مما يسمونها قواعد- لكنها فى الحقيقة مجموعة من العراقيل والتعقيدات، من ملء استمارات وتوفير مستندات، وذلك فى الاشتراك فى برنامج رد الاعباء، إذ ينفر المصدر من الاجراءات، ويفضل تحمل التكلفة كاملة.
تفاصيل مرهقة
ويضرب عبد الهادى مثالا على البيروقراطية الشديدة التى تحكم عمل الموظفين فيقول:» معرض fernix للأثاث هو معرض دولى ضخم وغير هادف للربح، يقام كل عام فى القاهرة، لكن وفقا لتوجه الدولة سنقيمه هذا العام فى كينيا بإفريقيا، والمفترض أن نحصل على دعم من الصندوق، لكن نظرا للبس فى التفاصيل، بين من يعتبره معرضا «مستحدثا» لأنه سيقام على مساحة 100 متر مربع، وما بين كونه معرضا دوليا معروفا قائما منذ سنوات عديدة. هذا اللبس سينعكس على قيمة الدعم التى سيحددها الموظف، ويتابع: الموظفون الان يخشون من أى تفصيلة جديدة، وإذا وافق رؤساؤهم، يقومون بتحذيريهم، وقد قيل لى على لسان أكثر من موظف :»لو مشيتها احتمال أدخل السجن لكن لو رفضتها لن أتعرض لاى مساءلة»!، وقد طالبنا مرارا بأن يكون تجريم الموظف العام فقط فى حالة ثبوت تهمة التربح، فهل يعقل أن أدخل فى نقاش مع موظف على الفرق بين معنى «النقل» و»الشحن»؟! وهل لدى القائمين على البلد فكرة عن حجم الوقت والجهد والطاقة المستنزفين فى تلك التفاصيل الصغيرة؟! ويختم عبد الهادى بمثال آخر يكشف عن تخبط القرارات فيقول: «رغم أننا كنا أصحاب فكرة مدينة دمياط للاثاث، إلا أننا اكتشفنا أن لا أحد يمثل منتجى الاثاث أو مصدريه فى مجلس الإدارة، ولم يتم ضمى بصفتى رئيس غرفة صناعة الأثاث، إلا بعد إرسال طلب بذلك، رغم أنه كان من الضرورى على الأقل تعيين أربعة أعضاء يمثلون منتجى الاثاث».
مؤشر خطير
محمد قاسم- رئيس المجلس التصديرى للملابس الجاهزة وعضو صندوق تنمية الصادرات- يقر بأن التصدير لم يحصل على الرعاية الكافية من الدولة، فسياساتها المالية والنقدية لا تصب فى مساندة المصدرين، مشيرا إلى أن احدى المشاكل الرئيسية هو قرار خفض المساندة التصديرية للنصف فى الوقت الذى كان يجب فيه زيادتها، وكان التخفيض بحجة عدم وجود الموارد الكافية حينها، رغم أن هناك إهدار أموال على دعم شركات خاسرة بدلا من دعم الصادرات، ويتابع: «صحيح أنه تمت اعادة قيمة المساندة لما كانت عليه، إلا أنها لم تعد كافية، فلابد من خفض تكاليف الجمارك والضرائب ورسوم الموانئ، وأسعار المرافق من غاز وكهرباء، وبالمناسبة كنت من أنصار وقف الدعم، لكن المشكلة فى التقديرات الجزافية، وكل ذلك ينعكس على سعر منتجاتنا، فلم تعد قادرة على المنافسة، وبالفعل فقد قلت صادراتنا من الملابس الجاهزة فى 2015، وواصلت الانخفاض فى الربع الأول من العام الحالي، وهو مؤشر خطير، لكننا مع ذلك نواصل جهودنا، حيث نحضر لأكبر معرض للملابس الجاهزة فى إفريقيا فى نوفمبر المقبل، كما نتعاون مع الجانب الصينى فى تأسيس مدينة للصناعات النسيجية فى المنيا».
رابط دائم: