هناك قواعد محددة لا بد أن ندركها لتقوية عضد المفاوض المصرى ولدعم الموقف المصرى فى أزمات السلع الغذائية. أولى هذه القواعد أن روسيا لا تصدر لمصر حكومة وقطاعا خاصا أكثر من 6 ملايين طن من القمح سنويا ولكن الحقيقة هى أن مصر هى التى تشترى هذه الكميات من روسيا وفى إمكانها أن تشتريها من نحو 10 مناشئ أخرى للقمح التصديرى فى العالم. الأمر الثانى أن الموالح والرمان المصرى هو الأرخص والأجود فى الأسواق العالمية لصرف المصدرين لدعم الصادرات ولا ينافسنا فى المنطقة إلا الموالح الفلسطينية وهى مكتفية بالأسواق الخليجية والأردنية كما أن المتاح منها للتصدير قليل ثم الموالح الإسرائيلية وهى أيضا مكتفية بالإستحواذ على الأسواق الأمريكية ثم يأتى من بعيد الموالح التركية والإيرانية وهى أقل جودة من الموالح المصرية بسبب طول الموسم الشتوى وغياب اعتدال الحرارة فى الصيف بالإضافة إلى كونها أعلى سعرا بينما ينافسنا فعليا الرمان الإيراني، أما الموالح المغربية فأغلبها عضوى مرتفعة الأسعار وبالتالى ينبغى للمواطن والمسئولين فى مصر أن يعلموا أن مصر فى موضع قوة وليست فى موضع ضعف.
وتكملة لوضوح الرؤية نقول إن روسيا حققت هذا العام زيادة فى محصولها للقمح تجاوزت 35% ولأول مرة فى تاريخها يصل محصول القمح الروسى إلى 72 مليون طن ينبغى أن تصدر منه نحو 50 مليون طنا وعليها أن تبذل مجهودات مكثفة للترويج لقمحها والتى منها أنه قمح فاخر خال من السموم الفطرية ووجود بذور الحشائش الضارة وغيرها بالإضافة إلى حتمية أن تعلم أن مصر رائدة فى المنطقة العربية والأفريقية وان تحولها إلى استيراد القمح الروسى منذ عام 2010 قد أدى إلى دخول مشترين عرب وأفارقة كثيرون للقمح الروسى وأن تغيير اتجاهاتنا غربا أو جنوبا سوف يعود بالضرر الأكيد على روسيا وسيؤدى إلى خروج مشترين آخرين من السوق الروسى للقمح. هناك أيضا أن مصر تشترى قمحا روسيا بنحو 2 مليار دولار سنويا حكومة وخاصا بينما كل صادراتنا من الموالح والبطاطس والرمان لا تصل إلى ربع هذا المبلغ وبالتالى فالميزان التجارى مع روسيا يحتاج إلى التصحيح والإعتدال. الغريب فى الأمر وفيما يخص البطاطس المصرية فقد قسمت روسيا مصر إلى عدة مناطق وأعطتها الرموز من المنطقة «أ» إلى المنطقة «د» ثم أعطت لنفسها الحق فى فرض استيراد البطاطس من مناطق معينة دون غيرها وإستبعاد بطاطس محافظات بأكملها بل ووصل الأمر إلى إرسالها لمفتشين روس لمعاينة البطاطس فى أراضيها قبل حصادها وقبل شحنها إلى روسيا!. فى المقابل لم تعطى روسيا لمصر نفس هذه الحقوق تطبيقا لمبدا المعاملة بالمثل بأن رفضت طلبا لمصر بإستيرادها القمح الخالى من الإرجوت من الولايات الروسية الحارة والجنوبية والمعروف عنها خلوها من الإصابة بالفطر وطالبت مصر أن تستورد منها قمح الإرجوت رغم أن مصر لها نحو 60 عاما تستورد قمحا خاليا من الإرجوت وحتى شهر مارس الماضى قبل أن تضغط وزارة التموين على الزراعة لقبول دخول شحنة أستوردتها الوزارة من فرنسا مصابة بالفطر مدعية أنها حدود عالمية ينبغى عدم الخروج عنها فى حين أن حقيقة الأمر أنها حدود إسترشادية وليست إلزامية.
ومن المهم أن نتذكر ماحدث من روسيا فى عام 2010 حين كانت موقعة معنا لعقود إستيراد لقمح روسى بحجم 650 ألف طن أى بما يكفينا لنحو الشهر ثم تعرضت روسيا بعدها لنوبة جفاف عالية هددت المحصول الجديد القادم فأعلنت روسيا إلغاء هذه الصفقات الموقعة والموثقة رغم أنها من المحصول القديم وليس الجديد وليس لنا شأن بما يعانيه والتى سوف تؤثر على حجم الصادرات الروسية فقط وليس الإنتاج الكامل من القمح الروسي!. سافر وزير التجارة والصناعة المصرى رشيد محمد رشيد وقتها إلى روسيا وحاول إثناءها عن الأمر إلا أن روسيا لم تستجب فما كان من الوزير المصرى إلا أن توجه إلى كازاخستان المجاورة لروسيا وأبرم معها عقدا لإستيراد مليون طن بالأمر المباشر ولم يؤخذ عليه إلا كتابته بأسم أحد رجال الأعمال الموالين للوزير ليبيعه بعدها لهيئة السلع التموينية محققا ربحا من جهد بذلته الحكومة وليس التاجر، وبالتالى فالمقصود بالأمر كله أن يعلم الجميع أن كل دولة تعمل كل مافى وسعها من أجل صالحها الوطنى فقط ولصالح شعبها فقط، وبالتالى على مصر أن تعمل أيضا لصالح شعبها ومقدراتها الوطنية فقط. الغريب أن البعض يعطى لروسيا قوة خلف صادراتها إلينا من القمح ولا تعطى لمصر نفس القوة من صادراتنا إلى روسيا بالإضافة إلى التصور بأن مصر التى استوردت القمح منذ ستينيات القرن الماضى لن تجد قمحا نظيفا لمجرد صدور قرار وزير الزراعة منذ أربعة أشهر فقط وقبل أن يطلب تقريرا من علماء مركز البحوث الزراعية والجامعات المصرية ليستند عليه فى الموافقة مثلما أستند عليه عند إلغاء القرار وبما كان له بالغ الأثر عالميا وما كان أغنانا عن صدوره من الأصل.
الحل المتاح الآن أن العقود التى أبرمت فى الأشهر الأربعة الأخيرة لإستيراد قمح الإرجوت لابد من تنفيذها لأن رفضها يعرضنا لتعويضات عالمية غير مبررة لأن العقد شريعة المتعاقدين وما أعلمه أن مصر تعاقدت لنحو 2 مليون طن من قمح الإرجوت منها 840 ألف طن لوزارة التموين وبالتالى لابد من إنتظار وصول السفن الحاملة لها إلى الموانى المصرية وإخضاعها للتحليل فإذا ماتجاوزت النسبة المتفق عليها فيتم رفضها بشكل قانونى لا يعرضنا للتعويضات. الأمر الثانى أن الشحنا التى تثبت تلك التحاليل فى الموانى المصرية أنها تحتوى على الإرجوت بنسبة 0.05% أو أقل لا بد من السماح بإستلامها وسداد كامل ثمنها على أن تتولى الحكومة المصرية عملية الغربلة على نفقتها الخاصة لفصل الحبيبات بالاجوت عن تلك السليمة وهى عملية لاتكلفنا واقعيا إلا نحو من 1- 3% من ثمن الشحنة وقُدر لمصر أن تتحملها بسبب سوء إتخاء القرار ولو كلن الأمر بيدى لحملته على المتسبب فى القرار ومن ضغط لاستصدار هذا القرار.
وأخيرا أن على الحكومة أن تلجأ إلى التعاقد بالأمر المباشر للصفقات الجديدة لتحبط خطة التجار والموردين ووكلائهم فى مصر للضغط على مصر وستكون النتائج مذهلة وتعيد لمصر قوتها. فى هذه المرحلة التى يكثف التجار فيها الظهور الإعلامى من أجل 10 مليارات جنيها أرباحا سنوية ولا مانع من أن ينفقوا نحو مليار منها حاليا نرجوهم أن يرفعوا شعار مصر أولا وشعبها وصحتنا قبل أن يبيعونا للغير بثمن بخس.
لمزيد من مقالات د.نادر نور الدين محمد رابط دائم: